تركيا تسير على خطى إيران في محاولاتها الدؤوبة لتزوير التاريخ وطمس حقائق الجغرافيا
يتعجل سلطان تركيا جني أرباح الانسحاب الأمريكي المفاجئ من شمال سوريا، فإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا خلق أجواء انتصار داخل حكومة أردوغان انعكس في لهجة ونبرة تصريحات المسؤولين الأتراك التي لم تتوقف منذ تاريخ ذلك الإعلان، فتارة توجه أنقرة تحذيرا شديد اللهجة إلى النظام السوري فيما يتعلق بوضع القوات التركية الموجودة في نقاط المراقبة بمنطقة "خفض التصعيد" التابعة لمحافظة إدلب بموجب تفاهمات "أستانة" مع روسيا وإيران، وتقول على لسان المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية إنها "ستهدم الدنيا فوق رؤوس قوات الأسد إذا اعتدت علينا"، وقبلها هدد وزير الدفاع التركي الأكراد شرقي الفرات بأنهم "سيدفنون في خنادقهم في الوقت المناسب"، ثم عاد أمس ليؤكد أن قوات بلاده المسلحة أكملت إعداد الخطط اللازمة للقيام بعملية عسكرية ضد "الإرهابيين" في مناطق شرقي نهر الفرات بسوريا.
ستفشل محاولات تركيا كما فشلت من قبلها محاولات إيران، فالتاريخ لا يوجد فقط بين صفحات الكتب، والجغرافيا لا ترسمها الخرائط ولا تحددها محركات البحث، فهناك حقائق تاريخية يستحيل تغييرها، وهناك وقائع جغرافية لا يمكن طمسها، وهناك شعوب أبقى وأقوى وهي من تحدد بخياراتها الطرف المنتصر في أي معركة
آخر ما تفتق عنه ذهن الخليفة العثماني هو ما طلبته الحكومة التركية رسميا أمس من محرك البحث العملاق على الإنترنت "جوجل" بإزالة "خريطة كردستان" التي تضم أجزاء من الأراضي التركية، فردا على سؤال في البرلمان التركي من حزب "الخير"، قال وزير النقل والبنية التحتية التركي "كاهيت توران" إن السلطات التركية كانت على علم بالخريطة على "جوجل إيرث".
وأوضح الوزير التركي أن الخريطة تشمل أيضا أجزاء من الأراضي العراقية والإيرانية والسورية باعتبارها "منطقة جغرافية ثقافية"، وكشف توران أن "مسؤولين من هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التركية تحدثوا مع ممثلين من جوجل، بهدف الإزالة العاجلة للخريطة كجزء من التزامات جوجل بالقوانين الوطنية والدولية".
تحاول تركيا أن تعبث بالجغرافيا لتحقيق أحلامها بالسيطرة والهيمنة والتوسع، فالمسألة لا تتعلق فقط بما تدعيه أنقرة من محاولة إزالة الخطر الكردي على حدودها وتحجيم أي دور للأكراد أو محاربة من تسميهم تنظيمات إرهابية، وإنما تتجاوزها إلى محاولة إحياء تاريخها الاستعماري البغيض في هذه البقعة من العالم العربي، فالأطماع التركية في السيطرة على المزيد من الأراضي السورية لم تتوقف يوما ما، وهي تلجأ حاليا إلى استثمار تقاربها الجديد مع واشنطن لتحقيق هذا الحلم القديم، فقبل أن تحاول تغيير الجغرافيا حاولت أيضا تزوير التاريخ لتحقيق هذا الحلم، فقبل محاولتها تغيير خرائط سوريا والعراق حاولت استدعاء الحقبة العثمانية في البلدين، ولوحت بوجود وثائق تؤكد أحقيتها في بسط سيطرتها على 15 قرية بمحافظة إدلب المتاخمة للحدود التركية، لذلك دفعت بتعزيزات عسكرية لإنشاء نقاط مراقبة على الطريق الدولي الواصل بين إدلب والحدود السورية مع تركيا والحدود السورية مع الأردن، بعد أن اعتمدت على وثائق عثمانية مشابهة لتبرير سيطرتها على مدينتي جرابلس ومنبج في محافظة حلب، كما تذرعت بوجود مقابر تعود لقادة عثمانيين في مناطق أخرى شمالي سوريا لبسط نفوذها، الأطماع التركية في سوريا لم تكتف بسرقة الأرض، بل شملت أيضا الكتب المدرسية في محاولة لتزييف التاريخ، وكذلك لافتات الطرق والمؤسسات العامة التي أصبحت تكتب باللغة التركية، إضافة إلى عشرات الشركات التركية الخاصة، أطماع تركيا لم تتوقف عند سوريا فهي تريد التهام كل ما تستطيع هضمه بالمنطقة، وقد ذهب الخليفة العثماني إلى أبعد من سوريا حين هدد في مارس من هذا العام بدخول القوات التركية إلى قضاء سنجار شمالي العراق بحجة فارغة وهي تطهيره من العناصر الكردية.
تسير تركيا على خطى إيران في محاولاتها الدؤوبة لتزوير التاريخ وطمس حقائق الجغرافيا، ففي عام 2012 هددت إيران بمقاضاة ''جوجل'' واتهمته بالكذب لأنه سمى الخليج الذي يفصل بين إيران وشبه الجزيرة العربية على موقعه للخرائط "جوجل مابس" باسم الخليج العربي.
وقبلها حذرت طهران شركات الطيران من استخدام تعبير "الخليج العربي" تحت طائلة عدم السماح لها باستخدام المجال الجوي الإيراني، وفي الحالتين فشلت إيران فشلا ذريعا في تغيير حقائق التاريخ ووقائع الجغرافيا، وستفشل محاولات تركيا كما فشلت من قبلها محاولات إيران، فالتاريخ لا يوجد فقط بين صفحات الكتب، والجغرافيا لا ترسمها الخرائط ولا تحددها محركات البحث، فهناك حقائق تاريخية يستحيل تغييرها وهناك وقائع جغرافية لا يمكن طمسها، وهناك شعوب أبقى وأقوى وهي من تحدد بخياراتها الطرف المنتصر في أي معركة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة