ثمّة حل قريب يعمل عليه الرئيس الروسي قد يشمل بالضرورة بقاء الرئيس السوري
تقترب الحرب السورية من طيّ سنتها السابعة دون أن تجد الأطراف الدولية حلاً يُرضي المتصارعين فيها على الأرض، فالجامعة العربية لم تنجح بفرض وجهة نظرها عقب السنتين الأوليين، كذلك مبعوثا الأمم المتحدة كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي لم يكن بمقدورهما تقديم شيء لفض النزاع الدائر في هذا البلد رغم خبرتهما الكبيرة في هذا المجال .
ثمّة حل قريب يعمل عليه الرئيس الروسي، قد يشمل بالضرورة بقاء الرئيس السوري في منصبه وإن لفترة انتقالية، رغم الأصوات المتعالية من الحاضرين في مؤتمر الرياض 2 والمستقيلين كذلك بأنه لادور للرجل في مستقبل سوريا
مكالمات هاتفية عدة أجراها الرئيس الروسي فلادمير بوتين عقب لقائه في مدينة سوتشي نظيره السوري بشار الأسد، لعلّ أبرزها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أطلعهما على فحوى محادثاته مع الأسد واستعداد الأخير للتعاون مع جميع الأطراف الباحثة عن حل سياسي كما ذكر بيان الكرملين.
أربع محطات يجب التوقف عندها لتفسير هذا النشاط الديبلوماسي الكبير للرئيس الروسي فلادمير بوتين فيما يخصّ الملف السوري.
أولى هذه المحطات، ما أعلن عنه بوتين غير مرة بأن الحرب على الإرهاب في سوريا باتت في نهايتها بمعنى أنّه يريد من ذلك توجيه رسالة إلى الداخل الروسي بأنّ سياسته الخارجية نجحت على الأقل في ملف حساس بالنسبة لبلاده، التي تعاني عزلة دولية بسسب استخدامها الفيتو 11 مرة لحماية حليفها في دمشق (وملف أوكرانيا كذلك وما سببه من إحراج لموسكو)، فما يُطلق عليه بوتين نصراً عسكرياً لابدّ أن يرافقه آخر سياسي يكمن بفرض روسيا وجهة نظرها للحلّ، وهذه ورقة يشهرها زعيم الكرميلن بوجه خصومه الداخليين خصوصاً أن الانتخابات الرئاسية الروسية في شهر مارس/ آذار 2018 باتت على الأبواب.
أما المحطة الثانية، فهي المزاج الدولي المتغيّر لصالح أولوية واحدة في الشرق الأوسط وهي محاربة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، فرنسا بريطانيا والولايات المتحدة، كل هذه الدول بات سعيها محصوراً بكيفية التخلص من المتطرفين، وما عاد الملف السّوري ونقصد هنا شكل الحلّ يعنيها كثيرا سواء بقي الأسد في السلطة أو لا، نستذكر ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنّ الأسد ليس عدوّاً لفرنسا، لذلك نشهد تراجعاً في التصريحات المتعلقة بمصيره مقارنة مع المواقف السابقة من هذه الدّول التي ما برح وزراء خارجيتها تكرار عبارة أنه يجب على الأسد التنحي عن حكم سوريا.
تقلبُ المزاج الدّولي هذا وجد فيه الرئيس الروسي فرصة لتنصيب نفسه زعيماً لا على روسيا الاتحادية فحسب، ولكن على القرار في الشرق بعد تراجع الدور الأمريكي.
المحطة الثالثة، تكمن بفشل الأمم المتحدة حتى هذه اللحظة على الأقل، في إيجاد بوادر حلّ يمكن المضي بها لتسوية الأزمة السّورية التي قتل فيها نحو مليون شخص وشٌرّد ستة ملايين آخرون. فالتّعثر الأممي هذا، قاد موسكو لاقتراح مسارات موازية لمسار جنيف المتفق عليه بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا.
غايتها من ذلك حرف المسار عن إمكانية اقتراح تسوية لاتكون على مزاجها، لذلك جاء مؤتمر أستانا الذي رعته ودعت إليه كلا من تركيا وإيران لمشاركتها تثبيت مناطق التهدئة التي نجحت بتخفيف حدّة العنف وفق الكثير من المحلّلين العسكريين.
بعد أستانا تتحضّر موسكو لإطلاق ما سمّته مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري، ووضعت نصب عينها دعوة نحو ألف شخصية سورية تمثل جميع مكونات الشعب السوري وإثنياته.
المحطة الأخيرة، تشظّي المعارضة ودوام انقسامها، ما سهّل مهمة الروس في اللعب على هذا الحبل ومن ورائهم دمشق بأنّه لاطرف موحّد يجلس مع النظام من أجل الحوار، وبالتالي تبقى جولات جنيف عبارة عن لقاءات مابين طرفي النزاع لايتعدى فيها دور المبعوث الأممي عن كونه موظف علاقات عامة يساهم بجمع الطرفين، وأخذ الصور التذكارية معهما (راجع الانتقادات الحادة لـ دي ميستورا من الطرفين).
مما سبق نسنتنج بأنّ ثمّة حلاً قريباً يعمل عليه الرئيس الروسي قد يشمل بالضرورة بقاء الرئيس السوري في منصبه، وإن لفترة انتقالية رغم الأصوات المتعالية من الحاضرين في مؤتمر الرياض 2 والمستقيلين كذلك بأنه لادور للرجل في مستقبل سوريا.
نقطتان رئيسيتان سيعمل عليهما بوتين للتخفيف من حدة تصريحات المعارضة، والمضي بحلّه المرتقب والذي يحاول تسويقه دولياً وعربياً من تكثيف اتصالاته مع زعماء عرب ودوليين.
الأولى، هي ضمانة تقليص النفوذ الإيراني في المشهد السوري وصولاً لانحساره نهائياً، وهذا ماتمّ نقاشه بين بوتين والأسد حسب بعض التحليلات السياسية.
الثانية، قدرة الدبلوماسية الروسية على إيجاد صيغة لغوية ملتبسة فيما يتعلق بمصير الأسد، كما حدث في جنيف واحد عندما ذكر بيان القرار 2254 وجود هيئة حكم انتقالي من دون تفسير ماهيّة هذا الحكم هل يعني رحيل الأسد أم يُبقيه؟، وبالتالي باتت الأطراف تفسّر القرار على مزاجها مما يعطي فرصة لمضي المزيد من الوقت وهذا بالطبع ليس في صالح المعارضة ما يٌجبرها على القبول بأنصاف الحلول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة