اتفاقية لوزان.. بوابة أردوغان للمطالبة باحتلال الشرق الأوسط عام 2023
توقعات بأن تنسحب أنقرة من جانب واحد من معاهدة لوزان التي وقعتها مع أوروبا 1923 لكي تطالب بالعودة إلى حكم الشرق الأوسط.
امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة بدعوات لسوريين من أنصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضم سوريا إلى تركيا في "بلد واحد"، إضافة إلى التجنيد في صفوف الجيش التركي ليفرض سيطرته على ما يريد من سوريا، ما جدد التوقعات بإقدام أردوغان على الانسحاب من معاهدة لوزان والمطالبة بالعودة لاحتلال الشرق الأوسط.
هذه الدعوات المباشرة والمتلاحقة تتماشى مع الخطوات المتسارعة التي يتخذها أردوغان في فرض سيطرته بأكبر قدر ممكن على مناطق في سوريا والعراق، خاصة مدن حلب وإدلب والرقة والموصل وغيرها تحت ذريعة محاربة الإرهاب، في حين يفصح أردوغان ذاته عن الهدف الحقيقي في بعض خطبه عن هدفه؛ ألا هو استعادة "السيطرة العثمانية" على تلك المدن، معتبرا أنها "جزء من أملاك تركيا" التي "سُلبت" منها خلال معاهدة لوزان.
ومعاهدة لوزان تم توقيعها عام 1923 بين الدول الأوروبية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى وبين تركيا المنهزمة حينها، وبموجبها حصل المسؤولون الأتراك على اعتراف أوروبي بدولة تركيا الحديثة العلمانية ودعمها، على أن تحتفظ بالأناضول وتراقيا الشرقية (الجزء الأوروبي الحالي من تركيا) في مقابل أن ترضى باستقلال الدول والمناطق التي كانت تحت الاحتلال العثماني حتى ذلك التاريخ، ولو اسميا، ومنها مصر وبلاد الشام والعراق وليبيا وقبرص.. إلخ.
ودفعت هذه الخطوات -من جانب السوريين المنتمي كثير منهم إلى تنظيم الإخوان الإرهابي، ومن جانب أردوغان، والتركيز على ما يدعيه عن "أملاك" أجداده في الشرق الأوسط واليونان- إلى الربط بين هذا الأمر وبين المشروع الذي وضعه أردوغان حين كان رئيسا للوزراء بعنوان "تركيا 2023" قبل 2011، وادعى حينها أنه مشروع تحديثي لتركيا بمناسبة مرور 100 عام على تأسيسها.
ولكن بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي الذي دعمته تركيا بقوة لإسقاط نظم الحكم الرافضة لتنظيم الإخوان الإرهابي وللنفوذ التركي، بدأ لسان أردوغان يفلت بأهدافه الحقيقية من هذا المشروع، متشجعا برؤيته لبعض الجيوش العربية وهي تتهاوى، ما يفتح الباب لمليشياته للسيطرة على الحكم وتسليمه إلى الاحتلال التركي مجددا.
وفي الـ24 من يناير/كانون الثاني الماضي نشرت مواقع محسوبة على المعارضة السورية، المدعومة من أردوغان، أخبارا عن توجه لاجئين سوريين مقيمين بتركيا إلى مراكز التجنيد، وقدموا طلبات "للتطوع" في عملية "غصن الزيتون"، بهدف دعم الجيش التركي في حربه ضد الأكراد بشمال سوريا.
وردد بعض اللاجئين هتافات "تركيا وسوريا دولتان شقيقتان"، ورفعت الأعلام التركية بجانب ما يوصف بعلم الثورة السورية.
ضم سوريا لتركيا
وفي الـ26 من الشهر ذاته نشرت صفحة على "فيس بوك" -متخصصة في أخبار المجنسين السوريين بالجنسية التركية أو طالبي التجنس بها- منشورا تطرح فيه مسألة ضم سوريا إلى تركيا في "دولة واحدة وجيش واحد واقتصاد واحد"، بزعم الحفاظ على "أصولها الإسلامية" وتكون عاصمتها أنقرة، في إشارة إلى إعادة سوريا للاحتلال التركي.
ونشرت الصفحة صورة لخريطة مظللة فيها سوريا وتركيا بلون واحد، دليل على الاندماج التام.
وقامت تركيا بتجنيس الآلاف من السوريين، خاصة التابعين لفكر أردوغان الإخواني، بعد إغرائهم بفرص في تركيا باسم لاجئين، واتضح أن الهدف الحقيقي من تجنيسهم أن يكونوا أداة لأردوغان خلال الانتخابات وغيرها في تسهيل سيطرته على سوريا.
الانسحاب من لوزان
وتداولت أقلام بعض الباحثين توقعات بأن تكون التدخلات العسكرية لتركيا في سوريا والعراق وليبيا وقطر وغيرها تمهيد لقيام أردوغان في عام 2023 بالانسحاب من معاهدة لوزان، بدعوى أنها تمت وتركيا في حالة ضعف.
وفي 2016 قال كتاب أتراك مقربون من أردوغان إن تركيز الرئيس التركي في العام ذاته مع المخاتير الأتراك عما يصفونه بـ"جرح اتفاقية لوزان العميق" يحمل رسائل للداخل والخارج، منها أن الأتراك لم ينسوا ما فُرض عليهم في لوزان.
وحينها قال أردوغان: "هناك من يريد إقناعنا بأن معاهدة لوزان انتصار لتركيا وللأتراك.. لوّحوا لنا بالموت لنقبل بالعاهة الدائمة".
وفي العام ذاته نقلت وكالة "رويترز" عنه قوله إن الحدود بين بلاده وبين دول الجوار "ثقيلة على قلوبنا".
كما أعلن في تصريحات أخرى أن "الموصل كانت لنا، وكركوك كانت لنا".
وأضافوا أن حرص أردوغان على التدخل العسكري في دول الجوار لتحصين خط حلب الرقة الموصل، وضمان موطأ قدم جديد لتركيا في سوريا والعراق.
ملكية المساجد والشرق الأوسط
وسار الصحفي والباحث التركي صالح كمال في اتجاه احتمال إلغاء أنقرة الاتفاقية عام 2023.. ولو من طرف واحد.
وفي ذلك نقلت عنه مواقع مقربة من تنظيم الإخوان الإرهابي قوله إن ألمانيا ألغت معاهدة في الثلاثينيات بعد 20 عاما من إبرامها، وإذا كانت تركيا قوية فيمكنها فعل ذلك.
وأضاف أن أنقرة تروج حاليا عبر مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن معاهدة لوزان لشحن الوعي التركي بذلك، لتقويتها حين تطالب المجتمع التركي رسميا بإعادة النظر في بنود المعاهدة.
وقال أردوغان ذاته حين كان في زيارة لليونان 2017 إن معاهدة لوزان تحتاج إلى تحديث، كما أشار إلى أن لتركيا "مساجد ومقدسات" في اليونان.
وتحرص تركيا منذ سنوات على الاهتمام بترميم ورعاية المساجد التي تم إنشاؤها خلال فترة الاحتلال العثماني في عدة دول، ولا ينتبه الكثير من تلك الدول إلى أنها تفعل ذلك لتدعي أنها ضمن "أملاكها ومقدساتها" وتكون أحد مبررات المطالبة بالاستيلاء عليها.
وفي تقرير لوكالة الأناضول التركية تحدثت عن أن الأرشيف الرسمي يحتفظ بعشرات الآلاف من الوثائق عما أسمته بأملاك أصيلة تعود لفترة الحكم العثماني في الموصل وكركوك بالعراق وحلب بسوريا.
ونقلت تقارير إعلامية عن صحيفة "يني عقد"، المعروفة بقربها من أردوغان، في 2017 زعمها أن كركوك والموصل من أملاك السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، فيما ذهبت مجلة “جرتشاك حيات” التابعة لمجموعة "يني شفق" التركية لأبعد من ذلك حين قالت إن تركيا لديها صك ملكية الشرق الأوسط.
وفي الاتجاه ذاته، أظهر مقطع فيديو أردوغان وهو يتحدث عن أحلامه بالعودة إلى احتلال دول الشرق الأوسط التي كانت تحت الاحتلال العثماني بقوله، إنه يوجد هناك (في تلك الدول) الكثيرون "الذين ينتظرون عودتنا منذ 100 عام".
وتحدث عن أنه يوجد من بين شعوب هذه الدول من يرفض أن يوصف الحكم العثماني لبلادهم بالاحتلال، ويتمنون عودته مرة أخرى.
وردا على تلك الخطوات المتسارعة دعا عدد من رواد التواصل الاجتماعي تركيا، أنه إن كانت ترى أن احتلالها للدول العربية وغيرها يعطي لها "حقا" في العودة إليها، فإن لأوروبا "الحق" في العودة إلى تركيا واحتلالها لإخراج الأتراك الذين اجتاحوها وسيطروا عليها منذ 1435 وحتى الآن، وأخرجوا منها البيزنطيين حين كانت تسمى بيزنطة وعاصمتها القسطنطينية، ويعودون إلى بطون جبال آسيا التي أتوا منها قبل ذلك التاريخ.