قبول أردوغان خسارة إسطنبول كان ظاهريا، فالرجل يعرف ثقل هذه المدينة التي انطلق منها في بداية مشواره السياسي.
لم يكد يمضي شهر على تسلم رئيس بلدية إسطنبول الجديد مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو، وثيقة رئاسة بلدية إسطنبول في قصر العدل من لجنة الانتخابات في المدينة، وسط احتفالات عارمة من قبل أنصاره، حتى جاء قرار هيئة الانتخابات العليا بإعادة الانتخابات في هذه المدينة المهمة جداً من الناحيتين السياسية والاقتصادية، والتي تغلبت فيها المعارضة على حزب العدالة والتنمية بعد خسارة مرشحه بن علي يلدرم الذي سارع إلى إعلان الخبر واعداً بتقييم شامل عقب صدور الإعلان الرسمي من قبل اللجنة العليا للانتخابات، وفي هذا إشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية كان على دراية كاملة بأن معركته الانتخابية في إسطنبول لم تنته بعد.
لا شك أن قرار هيئة الانتخابات سيدخل البلاد في دوامة من التنافس السياسي الحاد ولا نبالغ إن قلنا إن الأيام المقبلة قد تكون حبلى بما لا يحمد عقباه نتيجة هذا التفرد بالحكم وعدم قبول ما اختاره الأتراك في انتخاباتهم المحلية وهذا ما يفسر الغضب الشديد لدى المعارضة عقب تلقيهم نبأ إعادة الانتخابات.
كثيرون هم الذين واصلوا ترويجهم لسياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضرب المثل فيه بتطبيقه الديمقراطية أساساً لحكمه والقبول بنتيجة الانتخابات الأخيرة وخسارته أنقرة وإسطنبول، وهذا بالتأكيد يفيد بأن ثمة تغيراً في مزاج المواطن التركي تجاه أردوغان ومن خلفه حزبه وطريقة أداء هذه المنظومة الحاكمة التي وإن خطت بتركيا نحو اقتصاد قوي إلا أنها على ما يبدو تهوي به نحو جرف لا يمكن للأتراك تحمله، خاصة بعد تدني سعر صرف سعر الليرة مقابل الدولار الأمريكي، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على أنقرة من واشنطن، وتبعات ذلك على الشعب التركي.
إن قبول أردوغان خسارة إسطنبول كان ظاهرياً، فالرجل يعرف ثقل هذه المدينة التي انطلق منها في بداية مشواره السياسي عندما تولى رئاسة بلديتها قبل 25 عاماً. ولكنه لم يحرك ساكناً في هذا الشأن كي لا يقال إنه يعارض صناديق الاقتراع ولم يسعَ إلا لمخاطبة المؤيدين له بأنه يجب عليهم إعادة ترتيب صفوفهم ضد من وصفهم أردوغان بأعداء الداخل، في إشارة إلى رئيس وزرائه وعراب السياسة الخارجية التركية أحمد داود أوغلو، وهو الرئيس الثاني للحزب في الفترة ما بين 2014- 2016 خلفاً لأردوغان سابقاً، الذي وجّه سهام انتقاده لأردوغان علناً، محمّلاً إياه تدني شعبية حزب العدالة والتنمية، وهو الموقف الصريح له عقب إبعاده عن المشهد السياسي في مسرحية صامتة حينها.
ما سكت عنه أردوغان نطقت به أذرعه داخل الحكومة وفي اللجنة العليا للانتخابات التي أتت على قرار وصفه رئيس بلدية أسطنبول الجديد بالخيانة.إنها كلمة تلخص حقيقة حاكمهم وطريقة إدارته الدولة التي باتت تفقد الصديق تلو الآخر، نتيجة سياسته، وهذا ما لا يُرضي الشعب التركي.
إن تصعيد المعارضة ضد قرار اللجنة العليا للانتخابات يحبس وراءه الضجر والتملل الكبيرين من تغيير وجه الجمهورية التركية، لتكون على مقاس حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، وهذا ما يؤكده كلام نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس أونورسال أديغوزيل، حين قال إنه من غير المشروع لدى أردوغان الانتصار على حزب العدالة والتنمية، مضيفاً أن هذا النظام الذي يلغي إرادة الشعب ويتجاهل القانون، ليس ديمقراطياً ولا شرعياً بل إنها ديكتاتورية صريحة.
لا شك أن قرار هيئة الانتخابات سيدخل البلاد في دوامة من التنافس السياسي الحاد، ولا نبالغ إن قلنا إن الأيام المقبلة قد تكون حبلى بما لا يحمد عقباه نتيجة هذا التفرد بالحكم وعدم قبول ما اختاره الأتراك في انتخاباتهم المحلية، وهذا ما يفسر الغضب الشديد لدى المعارضة عقب تلقيهم نبأ إعادة الانتخابات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة