أردوغان تحول بعد هذا التاريخ إلى سياسي خائف متشكك في كل من يحيطون به، وبالتالي حدث ما تابعه الجميع وهو حالة الانفضاض السياسي.
تصريحات خلوصي أكار وزير الدفاع التركي مؤخراً على "الجزيرة" تؤكد تلك الحقيقة التي يرددها العارفون في الداخل التركي، بأن تركيبة الدولة التركية بعد محاولة الانقلاب في 2016 قد تمت على قاعدة "أهل الثقة وليس أهل الخبرة".
أردوغان تحول بعد هذا التاريخ إلى سياسي خائف متشكك في كل من يحيطون به، وبالتالي حدث ما تابعه الجميع وهو حالة الانفضاض السياسي التي تمت في الدائرة الأقرب إليه وتلك التي تمت في الانشقاقات داخل حزبه "العدالة والتنمية".
الخائفون في السياسية يتحولون إلى فشلة وقد أثبت التاريخ ذلك كثيراً، وجزء من تركيبة الخوف للنظام الأردوغاني هو ما يمكن أن نطلق عليه "مناصب رد الجميل"، أبرز الأمثلة على ذلك "خلوصي أكار" الذي أصبح وزيراً للدفاع في يوليو عام 2018، تكريماً لدوره في إفشال محاولة الانقلاب كما قيل وأعلن وقت تسليمه المنصب .هذا الرجل الذي كان مجرد قائد قوات برية منذ 2007 تم اختياره رئيساً لأركان الجيش التركي في أغسطس 2015.
محاولة هدم أي منظومة وإعادة تأسيسها من جديد تنتج بالتبعية نوعاً من الفراغ الوظيفي أحياناً والعجز المهني أحياناً أخرى ،
تجلى ذلك بوضوح في حوار الرجل الذي أذيع على شاشة قناة الجزيرة. مبدئياً واضح أن هذا الحوار تم إعداده خصيصاً من أجل انتزاع تصريحات تجاه دولتين بعينهما الأولى هي مصر والثانية هي الإمارات وتلك عادة هذه القناة منذ فترات طويلة. وهنا علينا تحليل بعض ما قاله خلوصي أكار لمعرفة هل كان الرجل يعرف حدود وظيفته باعتباره وزيراً للدفاع وليس وزيرا للخارجية؟
في أول تصريح له قال "على كل من مصر، الإمارات وفرنسا وروسيا أن يدعموا حكومة الوفاق ويتوقفوا عن دعم " خليفة حفتر ".هنا عدة تجاوزات أولها تجاوز الدور الوظيفي فهو ينتقل من وزير دفاع إلى وزير خارجية لا يجيد فن إطلاق التصريحات، فقد تحول الكلام من تصريحات إلى اتهامات وتحول بعد ذلك إلى تهديدات تأتي من أعلى، على خلفية وهم التاريخ العثماني القديم .ثم يقول في جزء آخر " أنصح مصر بالابتعاد عن التصريحات التي لا تخدم السلام وتؤدي إلى تأجيج الحرب .ثم يضيف : و"إن لم تبتعد مصر عن ذلك ستشهد المنطقة ازدياد المشاكل والحروب"، وهنا لا يمكن لأي مسؤول سياسي لأية دولة مهما علت أو انخفضت مكانتها أن يهدد أو يتعالى لأن كل كلمة تكون محسوبة .
حين انتقل "خلوصي أكار" إلى الإمارات العربية المتحدة ساق مجموعة من الاتهامات التي بدت ساذجة حين خلط الأمور والملفات، فقد قدم اتهامات وأكاذيب تتعلق بدعم أبوظبي لملفات لم يثبت يوماً أن هناك علاقة بها، وبقليل من التدقيق والتمحيص نكتشف أن الرجل مرتبك لا يفهم أبعاد وعلاقة تلك الملفات مع دول المنطقة، فعامين فقط في منصب وزير الدفاع لا يمكن أن تمكنه من فهم تداخلات الأحداث في المنطقة المرتبكة، فتلك ملفات تتعلق أكثر بدول الجوار والإمارات ليست من دول الجوار التركي أو السوري أو العراقي حتى تكون لها علاقات بتنظيمات تأسست بناء على حقوق لها عند تركيا .والأزمة الكبرى التي لم يستطع الأتراك نسيانها لبعض الدول ومنهم مصر أنه حين تم تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية هناك دول رفضت ذلك من ضمنها روسيا، الصين، الهند ومصر، وهذا جزء من تصفيات حسابات مع مصر والدول العربية الأخرى .
خلوصي أكار استمر في بعثرة تهديداته على دول المنطقة حتى تجاوزت التهديدات، وهنا أشير إلى رد وزير الدولة الإماراتي "الدكتور أنور قرقاش " بأن علاقات الدول لا تدار بالتهديد والوعيد"، وتلك هي الحكمة المفقودة عند "خلوصي أكار وعند النظام الأردوغاني كله. ولعل الجزء الأبرز في تحليل تصريحات وزير الدفاع التركي هو إمكانية أن تكون تلك التصريحات انتكاسة حقيقية للحالة لما يريدون تسويقه إقليمياً من قوة تركية وهو شيء غير حقيقي نهائيا، فتركيا من الداخل عكس تركيا التي يسعون لتسويقها لنا، تركيا من الداخل تمثل صورة الدولة التي مازالت عاجزة في مواجهة حزب، وفي مواجهة أزمات داخلية وعلى الحدود .لذا يسعى أردوغان فيما يسعى إليه إقليمياً لأن يهرب بأزماته إلى الأمام، إلى الخارج ليغطي على فشل ذريع في الداخل .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة