بأمر من "الخليفة" تحركت جيوش ومدرعات "الإمبراطور" لتضرب الأكراد الذين يحاربون داعش في شمال تركيا.
بأمر من "الخليفة" تحركت جيوش ومدرعات "الإمبراطور" لتضرب الأكراد الذين يحاربون داعش في شمال تركيا.
هكذا قرر أردوغان، الحاكم الحالم الذي يريد بناء إمبراطوريته على التمييز والتفرقة والإقصاء القاتل، ليس عبر التصفيات الجسدية والاستهداف الجماعي لجماعات لا تخدم طموحه الشخصي فحسب، بل الإقصاء القاتل للأفكار والحريات بكل أنواعها وفي مختلف المجالات.
وليس الإقصاء الذي يؤدي إلى تمييز في التعامل الاقتصادي، أو خلق الطبقية اجتماعيا، لكن الإقصاء القاتل على مختلف الأصعدة وفي كل المجالات.
يحبس كل من يخالفه الرأي حتى ولو بمقال أو كلمة في الإعلام، وخير دليل على ذلك مئات الإعلاميين القابعين في السجون التركية.
يتوعد أصحاب النوايا قبل أن يشرعوا حتى في احتجاجات سلمية، وهي أبسط سبل المطالب التي تضمن الحفاظ على حقوق الإنسان.
استهداف الأكراد حرك القناع عن وجه أردوغان، الذي يستغل كل المحافل ليتقدم ويتبنى قضايا المسلمين، متحدثا عنهم كأمة هو "خليفتها".
يتصيد الفرص ليبدو بهذا المظهر الخادع الكاذب، مثلما فعل في قضية القدس بعد تصريحات ترامب وموقفه بالاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، قفز أردوغان على الحدث وحرك كل آلياته ليبدو في الواجهة وكأنه البطل الوحيد والفارس النبيل الذي يعبأ لشأن "أمة الإسلام" التي يرى نفسه قائدها.
وللعاقل أن يفهم ويرى الحقيقة اليوم، حقيقة "رجل" يدعو إلى الوحدة في خطاباته، يهاجم ألمانيا حينا، والغرب أحيانا بحجة الدفاع عن انتهاكات في المساجد، مثلما يحدث حاليا.
والسؤال هنا.. من الذي استدرج الإرهاب والتخريب للمساجد؟ لولا قتله الأكراد عسكريين ومدنيين بغير حق شمال سوريا لما تحرك إخوانهم في الغرب للدفاع عنهم ولو بكلمة، لكنه بدوره يحرك أعوانه في كل مكان في العالم لمواجهتهم واستفزازهم.
في هجومه العسكري على عفرين يتذرع أردوغان بتأمين الحدود التركية التي كان قد فتحها على مصراعيها للدواعش، ولولا دعمه الذي كشف للعالم ما كان الإرهاب استفحل بهذه الدرجة، ليس في المنطقة العربية فحسب بل في دول العالم
ولا مشكلة لـ"إمبراطور" المستقبل -كما في ذهن الرئيس التركي الذي يقتات من تاريخ مكتوب بحبر من دم وكلمات كاذبة- أن يغير تحالفاته في زمن قياسي.
فمرة يتحالف مع الأمريكان حول الأزمة السورية، ثم سرعان ما يغير اتفاقاته ليتحالف مع الروس، وإيران هي الجزء الثاني من الحائط المنخور الذي يتكئ عليه.
"تركيا لا تطمع بأراضي أي دولة في العالم، وعفرين ستُسلم لأصحابها الحقيقيين" تصريح أخير خرج به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمشكل هنا ليس متعلقا بعفرين التي لم نفهم من تصريحه المبطن من هم الذين يريد إعادتها إليهم، لكن المشكل الحقيقي لعب أردوغان في العديد من الأراضي خاصة التي دمرتها "الثورات "التي صنعها بالتعاون مع قطر ودعم إيران، هل سيأتي يوم ونسمع التصريحات نفسها عن أراض في ليبيا ومناطق أخرى في سوريا أو العراق؟ ولعل طموحاته أكبر بكثير.
وفي هجومه العسكري على عفرين يتذرع أردوغان بتأمين الحدود التركية التي فتحها على مصراعيها للدواعش، ولولا دعمه الذي كشف للعالم ما كان الإرهاب استفحل بهذه الدرجة، ليس في المنطقة العربية فحسب بل في دول العالم.
هو من يتحدث عن نصرة الإسلام والمسلمين كان واحدة من أهم الحلقات التي شوهت الإسلام دوليا وخلقت "الإسلاموفوبيا" في الغرب، وجعلت الإعلام الغربي يستعمل نتاج أردوغان وحمد ليألب الرأي العام في الغرب على الدين، الذي في أصله التسامح وقبول الآخر وتحريم قتل مسلم لمسلم بغير حق.
سلسلة الإرهاب التي قادت دولا وشعوبا إلى كوارث إنسانية يصعب تجاوزها، وقد يستغرق أجيالا؛ تدبير إخواني وتمويل قطري واحتواء تركي عبر دعم بفتح الحدود والتسليح ومعالجة قادة الدواعش وجنودهم، والملاءة الإيرانية هي مظلتهم "المباركة التي يسيرون تحتها".
ولكن عملية عفرين العسكرية وراءها أكثر من حرب ميدانية، هي استعراض لعضلات تركيا عسكريا، وفيها رسائل سياسية لدول خاصة لشعوب المنطقة والمجتمع الدولي.
فرغم الإدانات الدولية والمنظمات الإنسانية ما زال أردوغان يواصل قصفه عفرين تحت شعار "غصن الزيتون" رمز السلام، وهذا الواقع وهذه العملية العسكرية باسمها وتفاصيل خطتها تعكس مخططات صانع حرب.
مدرعات وطائرات وقصف متواصل تحت شعار "غصن الزيتون"، شخصية مريضة وحشية تضع يدها في يد الشيطان إن أمكن من أجل توسيع خريطتها.
والإخوانجية مهللون سعداء متأهبون لالتهام ما سيلقيه لهم من فتات المناصب، لكن المأزق الكبير هنا الشعوب التي آمنت بمن دخلوا عقولهم باسم الدين والله و"إعادة القدس"، ليضعوهم في منظومتهم الإيديولوجية ويحبسوهم داخلها لأجيال.
بـ"غصن الزيتون" وبركات العمائم والعباءات.. وتحت عناوين أخرى منها "الدفاع الشرعي عن النفس" قادت القوات التركية هجماتها العسكرية المتواصلة، التي خلّفت عشرات النساء والأطفال تحت الأنقاض.
أنقاض ربما يحلم الأتراك يوما أن يزرعوا عليها أشجار زيتون لتعم بركاتهم، وليكتبوا قصصا جديدة عن أمجاد يورثونها للأجيال القادمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة