تساؤلات واحتمالات جديدة بدأنا نناقشها في تركيا حول ما وصفه زعيم المعارضة بالمحاولة الانقلابية المدبرة المبرمجة والموجهة
اتهم تقرير لجنة تقصٍّ برلمانية تركية، جماعة فتح الله غولن، بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة، في 15 تموز/يوليو 2016 .
وقال رئيس لجنة جمع المعلومات والتدقيق في المحاولة رشاد بتك، في تقرير أعدته اللجنة بحدود 600 صفحة يتضمن العشرات من الإفادات لمدنيين وعسكريين ومئات المستندات والوثائق التي حصلوا عليها من مؤسسات رسمية وخاصة بناء على معلومات قدمها في مؤتمر صحفي بالبرلمان، إن نتيجة التقرير أكدت وقوف غولن وما سمي في تركيا بالكيان الموازي وراء العملية في الإعداد والتخطيط والتنفيذ .
وأشار إلى أنه عند تقييم كافة الأدلة والمعلومات والتسجيلات الصوتية والمراسلات، نجد أن التنظيم اخترق وتمركز لأكثر من نصف قرن في المؤسسات التركية الرسمية والخاصة، وأنه تلقى دعماً من بعض الجهات الخارجية في الغرب التي ما زالت تحميه حتى الآن .
لكن أهم المسائل التي توقفت عندها اللجنة البرلمانية والتي نجحت في الحصول على إفادتي رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاقان فيدان ورئيس الأركان خلوصي أقار التي قلبت الأمور رأسا على عقب هي :
- إبراز وجود ضعف استخباراتي فشل في اكتشاف المحاولة الانقلابية مسبقاً وقطع الطريق عليها .
- دور الصدفة وحدها في تحريك جهاز الاستخبارات للتعامل مع المسألة بعدما أفشى أحد الضباط المكلفين بالمشاركة في العملية بجزء من المعلومات والاستعدادات لعمل أمني ما سينفَذ من قبل ضباط الجماعة في الجيش ليلة 15 يوليو 2016 .
- التقصير في عدم إبلاغ رئيسي الجمهورية والحكومة بالعملية إلا بعد انطلاقها واستهدافهما مباشرة من قبل الانقلابيين .
- دعوة إلى مراجعة نقاط الضعف والمشاكل في بنية جهاز الاستخبارات، وإعادة هيكلته بشكل يلبي الأهداف والاحتياجات الاستخباراتية على الصعيدين الداخلي والخارجي .
- أن يكون العامل الأول في إفشال المحاولة هو ليس تحرك الأجهزة الأمنية بل النداء الذي وجهه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المواطنين ودعوتهم للنزول الى الشوارع والتصدي للانقلابيين بالتنسيق مع المجموعات الامنية والعسكرية الرافضة للانقلاب .
- عدم نجاح تركيا حتى الآن في استرداد العشرات من المدنيين والعسكرين الفارين إلى العواصم الغربية حيث تمكن بعضهم في الحصول على اللجوء والإقامة وتحديداً غولن نفسه المتهم الأول حسب القضاء التركي بمقتل 250 شخصاً وإصابة 2700 مواطناً وتمسك واشنطن برفض إعادته وتسليمه إلى تركيا حيث يقيم هناك منذ عام 1999.
بعد أشهر على المحاولة الانقلابية وانطلاق عمليات الاعتقال والاستجواب والطرد من الوظائف العامة لعشرات الآلاف ما زلنا نسمع أصواتا وأقلاما كثيرة في صفوف المعارضة التركية التي وقفت إلى جانب حزب العدالة والتنمية في رفض المحاولة وأعلنت تمسكها بالمسار الديمقراطي في البلاد تكثف في الآونة الأخيرة من تحركاتها وتصريحاتها الرافضة لأسلوب الحكومة والقضاء في التعامل مع ملف القضية . رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليشدار أوغلو يركز في انتقاداته وحملاته على العديد من النقاط والقضايا الحساسة التي تتجاهلها السلطتين السياسية والقضائية بينها :
- نجاح جماعة غولن في العقد الأخير من التوغل والانتشار الواسع في مؤسسات الدولة وتحديداً القضاء والتعليم والجيش .
- محاولات إخفاء الأسباب الحقيقية للتباعد بين حزب العدالة والتنمية الذي كان يشيد ويفتح الطريق أمام الجماعة للانتشار والتمركز داخل تركيا وخارجها ثم أعلن الحرب عليها بشكل مفاجىء مُنهياً الشراكة وتحولها إلى عداوة وحرب مفتوحة على كافة الجبهات .
- توسيع رقعة الاعتقالات والتهم ضد مئات الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالمحاولة وبينهم رموز علمانية أتاتوركية معروفة لاستغلال القضية باتجاه تضييق الخناق على هذه الفئات أيضا .
- إعلانه أن تركيا تواجه انقلابًا مضادًا تنفذه السلطة السياسية .
- تمسكه في رفض ما قاله رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، بأن الانقلاب ليس له جناح سياسي، ودعوته للكشف عن ما أسماه "نعرف جميعا بأمر المحاولة الانقلابية التي وقعت في الخامس عشر من يوليو الماضي لكننا لا نعرف شيئا عن الجانب السياسي فيها " .
- إعلانه وجود دلائل تتكشف رويدا رويدا تؤكد أن المحاولة الانقلابية كانت مدبرة وأنهم سيثبتون هذا قريباً .
- قوله إن تركيا أصبحت حالياً الدولة الأولى في عدد الصحفيين المعتقلين بوجود أكثر من 150 صحفياً داخل السجون .
فيما ينتظرالجميع في تركيا الآن قرار رئيس البرلمان اسماعيل كهرمان للموافقة على التقرير البرلماني وقرار تقديمه إلى الجهات القضائية كبلاغ باسم البرلمان يطالب باتخاذ الخطوات القانونية أو تشكيل لجنة تحقيق موسعة ، تتحدث المعارضة التركية عن 120 الف مواطن اأُعدوا من وظائفهم في القطاع العام وعن 50 ألف معتقل وآلاف المؤسسات التي أغلقت او تم وضع اليد عليها. وقوانين الطوارىء التي تحرك المرحلة الحالية في البلاد .
اللجنة تتحدث عن هيكيلية تنظيمية متشابكة متداخلة فيها الكثير من السرية والبنية العنقودية وعن وجوه كثيرة بأسماء وأدوار ومهام متعددة لقيادات التنظيم الذي نجحت في الاختراق والتمركز في أهم المواقع والمناصب الرسمية والخاصة ، لكن المعارضة تبرز مسألة من فتح الطريق سياسيا أمام جماعة غولن للتمدد والانتشار على هذا النحو؟ لماذا لم يعتقل حتى الآن وجهاً سياسياً واحداً يساهم في كشف النقاب عن الجانب السياسي في المحاولة ؟ من يحول دون ذلك ولماذا ؟
حنفي آفجي أبرز الشخصيات الأمنية في جهاز الشرطة التركية الذي كان أحد أهم الرموز التي أعلنت الحرب باكراً على الجماعة فدفع الثمن باهظاً بعدما فقد عمله واُعتقل وحُوكم وسجن قبل 5 سنوات، ينتقد أساليب التعامل مع الآلاف من المعتقلين والمفصولين عن أعمالهم على هذا النحو ، ويحذر من انفجار أزمة اجتماعية أسرية كبيرة وتراجع في الثقة والعلاقة بين المواطن والدولة إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه اليوم مما يعني تكرار ما جرى قبل أعوام في قضية ارغنيكون والمطرقة التي أشرفت عليها جماعة غولن ضد العلمانيين والأتاتوركيين والمعارضين لها .
أسئلة بارزة تحتاج إلى إجابات وتتقدم المشهد السياسي التركي اليوم :
هل نجح حزب العدالة والتنمية على ضوء نتائج الاستفتاء الدستوري الأخير في إقناع المواطن بخططه ومشاريعه السياسية والدستورية في المرحلة المقبلة؟
هل يكفيه نجاحه بفارق ضئيل في تمرير التعديلات الدستورية بعد تحالفه مع حزب الحركة القومية اليميني ومجموعات إسلامية وقومية صغيرة في الوصول إلى هذه النتيجة ؟
هل سيتحرك العدالة والتنمية لاستخلاص الدروس باتجاه تغييرات حزبية محدودة أم أنه سيتحرك باتجاه تغيير أسلوبه ونهجه على مستوى البلاد باسرها حزبياً وسياسياً ودستورياً ؟
لماذا فرّط سريعاً تحالف الاحزاب السياسية التركية ضد المحاولة الانقلابية ودعوات التهدئة والتنسيق بعد أسابيع قليلة فقط على المحاولة الانقلابية ؟.
هل سيكون هناك المزيد من عمليات الاستقطاب والاصطفاف الحزبي والسياسي في تركيا على ضوء دخول التعديلات الدستورية حيز التنفيذ ؟ كيف ستتعامل احزاب المعارضة وقواها السياسية والفكرية والإعلامية مع المرحلة المقبلة ؟.
هل سنشاهد في الأيام القادمة أسلوباً ونهجاً وسطياً انفتاحياً جديداً في التعامل مع عمليات الاعتقال والاستجواب وتوجيه التهم كما تطالب بذلك قوى المعارضة ؟.
المعارضة السياسية والإعلامية والفكرية في تركيا ترى أن حزب العدالة وقياداته تغامر بالتفريط في فرصة منحها لها الشعب التركي ليلة المحاولة الانقلابية وهي فسرت الدعم والتأييد والاصطفاف وراء السلطة السياسية على أنه اصطفاف وراء الحزب الحاكم وهي رسالة لم يحللها العدالة والتنمية رغم رسالة نتائج الاستفتاء الدستوري الأخير التي كانت مؤشراً آخر حول ضرورة تخفيف التوتر وتهدئة الأمور وتجنب القيام بحملات تغيير دستوري حساس من هذا النوع خصوصا في هذه الظروف والاجواء الداخلية والخارجية الصعبة التي تمر بها البلاد .
أسئلة تناقَش الآن بعد تقرير اللجنة البرلمانية وإرسال رئيس الأركان التركي خلوصي أقار نص ردوده على أسئلتها الموجهة له . محاولة انقلابية تم تقديم موعدها حسب كل الإفادات المعلنة بسبب اكتشافها، فكيف لا يتم إعلام الرئيس التركي ورئيس الوزراء بها ؟
الكاتب والإعلامي التركي المعارض أرطوغرول أوزكوك يتساءل هم يقولون إن موضوع المحاولة الانقلابية لم يطرح بل الذي نوقش هو مخطط لاختطاف رئيس جهاز الاستخبارات هاقان فيدان . لماذا يتصل جهاز الاستخبارات بمدير أمن الرئيس التركي إذن، ويسأله عما إذا كانوا يحتاجون إلى دعم لمنع أية محاولة استهداف للرئيس ؟
الإعلامي غونغور منغي يقولها بشكل أو بآخر بعد البلاغ المقدم من قبل أحد الضباط حول تحركات استثنائية تجري في ثكنات أنقرة ما الذي دار أمنيا وسياسيا خلال الساعات الأربع الأخيرة التي سبقت تحريك القوات إلى خارج الثكنات من الانقلابيين ؟
الكاتب التركي المعروف فهمي قورور يتساءل من ناحيته لماذا لم يتم تنفيذ قرار منع دخول أو خروج العسكريين من الثكنات كتدبير احتياطي لقطع الطريق على أي تحرك عسكري محتمل بعد المعلومات المتبادلة على خط مقر جهاز الاستخبارات التركي وقيادة الأركان قبل ساعات من إصدار الأوامر بتقريب ساعة الصفر في المحاولة من الثالثة فجرا إلى الثامنة مساء ليلة الأحد في 15 تموز يوليو المنصرم ؟
تساؤلات واحتمالات وسيناريوهات جديدة بدأنا نناقشها في تركيا حول ما وصفه زعيم المعارضة كمال كيليشدار أوغلو بالمحاولة الانقلابية المدبرة المبرمجة والموجهة .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة