الذي يقلق الكثير من الأتراك.. هل هدف واشنطن التصعيد مع أنقرة أم استرداد القس برانسون؟
انتقل موضوع التأزم بين واشنطن وأنقرة إلى ملف اعتقال وسجن القس الأمريكي أندرو برانسون هذه المرة، وهو يعطي مؤشرات حول أن اشتعال فتيل انفجار الأزمة مسألة شبه محسومة، اللامحسوم هو مساحة انتشار شظايا الانفجار وأضراره وارتداداته السلبية على علاقات البلدين.
الرئيس الأمريكي لم يعجبه قرار القضاء التركي بتغيير شكل العقوبة المفروضة على برانسون، من السجن إلى الإقامة الجبرية في منزله، بسبب وضعه الصحي وانتظار الجلسة المقبلة للمحكمة في شهر أكتوبر المقبل لمعرفة مسار الأمور.
من الواضح أن التوتر المتبادل سيتصاعد مع الرسائل السياسية والتغريدات الحافلة بالتهديد والوعيد بين الجانبين، واشنطن هي التي تصعد أكثر، لكن الواضح أيضا أنه لا محكمة تركية بعد الآن تتحرك باتجاه إعطاء ترامب ما يريده.مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، لم يتوقف أيضا عن إرسال التغريدات العلنية الحادة لأنقرة بسبب استمرار سجن القس، أما أنقرة فتقول إنها لن ترضخ أو تتراجع عن مواقفها، رغم كل الضغوطات والتصعيد الأمريكي في هذا الملف، وأن "لهجة التهديد" التي استخدمتها الولايات المتحدة كانت "غير مقبولة" و"لا تحترم علاقات الشراكة" بين البلدين، كما أعلن بيان مجلس الأمن القومي التركي، أهم المؤسسات الأمنية في البلاد قبل يومين.
كل طرف يجهز نفسه كما يبدو لحرب طويلة معقدة متداخلة إذا لم يدخل الوسطاء على الخط، وهو أمر مستبعد في هذه الأجواء.
فهل تنفذ واشنطن تهديداتها ضد أنقرة؟ وكيف ستفعل ذلك؟ وما الأسباب التي تدفع إدارة ترامب للتصعيد في موضوع العقوبات التي تلوح باستخدامها ضد تركيا في موضوع القس الأمريكي المسجون في مدينة أزمير الجنوبية منذ 9 ديسمبر/كانون الأول 2016، بتهم، تضمنت "التعاون مع تنظيمين إرهابيين، "كولن وبي كا كا"، تحت مظلة رجل دين، رغم علمه المسبق بأهدافهما"؟
قيادات تركية قبلت ما نشر حول دخول ترامب على خط الأزمة بين أنقرة وتل أبيب في قضية توقيف المواطنة التركية إبرو اوزقان، بتهمة نقل الأموال كما قال الإعلام الإسرائيلي ثم الإفراج عنها لاحقا، لكن أنقرة رفضت ما نشره الإعلام الإسرائيلي نفسه حول وجود صفقة بهدف إخلاء سبيل المواطنة التركية مقابل إطلاق سراح القس الأمريكي.
الواضح هو أن الصفقة الحقيقية التي لا يتحدث عنها أحد والتي من المحتمل أنها استمرت أسابيع بعيدا عن الأضواء في إطار لقاءات مكثفة بين القيادات السياسية التركية والأمريكية، وكانت تهدف كما يبدو إلى إطلاق سراح القس برانسون مقابل الإفراج عن هاكان أتيلا، نائب المدير العام لبنك "هلق" التركي، والذي ألقت السلطات الأمريكية القبض عليه وحاكمته بتهمة الإخلال بقانون العقوبات المفروضة على إيران.
لا أحد يتحدث عن تفاصيل ما جرى وأسباب إلغاء الصفقة، على الرغم من أن القوانين التركية والأمريكية تعطي الرئيسين في البلدين حق اللجوء إلى مبادلة أجانب محتجزين أو مدانين في دول أخرى في حالات يفرضها الأمن القومي أو المصالح القومية.
ربما الذي أفسد الصفقة هو ليس موضوع الإفراج عن برانسون، بل مطالب واشنطن المرتبطة بالحصول على ما تريده من أنقرة في ملفات إيران، وشمال سوريا، والعلاقات التركية الروسية، وإنهاء التصعيد التركي المتواصل ضد إسرائيل.
20 مليار دولار من التبادل التجاري الأمريكي الروسي أمام امتحان برانسون هذه المرة، ما الذي قد تفعله واشنطن بشكل تدريجي متصاعد بهدف الوصول إلى ما تريد؟ محاولة منع تقديم أية قروض خارجية أمريكية لتركيا لتزيد من أعبائها المالية، التي تعاني من 453 مليار دولار من الديون الخارجية، حسب إحصاءات عام 2017.
الحديث منذ الآن في المحافل الأمريكية والدولية عن سيناريوهات سوداوية تنتظر الاقتصاد التركي تماما كما حدث مع إندونيسيا عام 1996.
إصدار حكم نهائي في المحاكمة المتواصلة لمسؤولي "هلق بنك" التركي بسبب المساهمة في الالتفاف على العقوبات الأمريكية على إيران، حيث يتوقع أن يفرض القضاء الأمريكي على البنك عقوبات تصل إلى مليارات الدولارات.
التضييق على الصادرات التركية إلى أمريكا، على غرار ما حصل في الأسابيع الأخيرة من رفع الضرائب على العديد من البضائع المستوردة من تركيا.
موافقة ترامب على مشروع قانون أقرّه مجلس الشيوخ؛ ينص على حظر بيع طائرات مقاتلة من طراز "إف 35" لتركيا.
تمرير قوانين في الكونجرس تتعلق بتقليص أو حظر أنواع من الأسلحة والقطع العسكرية التي تستوردها تركيا من شركات الصناعات الدفاعية الأمريكية.
لعب ورقة الوحدات الكردية في شمالي سوريا، لممارسة مزيد من الضغوط على أنقرة قد تصل إلى احتمال إعلان واشنطن تجميد التعاون فيما يتعلق بخريطة الطريق المتعلقة بالأوضاع في شمالي سوريا.
وقف التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين.
تحريك الورقة الإسرائيلية على المستوى الإقليمي من خلال التشجيع على التقارب الإسرائيلي اليوناني القبرصي، خصوصا في شرق المتوسط ومشاريع التنقيب عن الغاز واستخراجه لمحاصرة التحرك التركي هناك، هذا إلى جانب دفع تل أبيب إلى تقييد حركة المواطنين الأتراك المتزايدة في العامين الأخيرين باتجاه القدس والأقصى في إطار برامج سياحية مكثفة.
كيف سترد أنقرة على التصعيد الأمريكي؟.
أنقرة رغم كل رسائل الاستعداد للرد تعرف جيدا أن كلفة الدخول مع واشنطن في مواجهة من هذا النوع ستكون باهظة، وهذا ما أثبتته وقائع مشابهة في مطلع السبعينيات مع الأزمة القبرصية، والتوتر التركي الأمريكي عام 2003 بعد تخلي أنقرة عن واشنطن في عملية العراق.
لذلك نرى من يقول في كواليس العاصمة التركية أن هناك في أمريكا من يسعى إلى عرقلة عودة هذا القس من تركيا إلى بلاده، ويحاول استخدامه كبش فداء في سبيل إفساد العلاقات بين البلدين.
أنقرة ستحاول من ناحيتها الرد عبر الانفتاح أكثر فأكثر على روسيا وإيران ومجموعة دول بريكس، ومنظمة شنغهاي بين الخيارات طبعا.
ثم هناك محاولة صناعة تحالفات جديدة في التعامل مع ملفات إقليمية، مثل الدعوة التي وجهتها لعقد قمة رباعية، تشارك فيها روسيا وفرنسا وألمانيا في السابع من شهر سبتمبر المقبل في إسطنبول لإغضاب واشنطن.
ما يمكن أن تفعله القيادة السياسية التركية أيضا هو أن تتوجه أكثر فأكثر نحو روسيا في الملفات الثنائية والإقليمية، وهذا ما يجري الآن إذا أخذنا رسائل الرئيس التركي الافتتاحية على تكتلي "بريكس" و"منظمة شنغهاي" بعين الاعتبار.
أنقرة كما يبدو ستجد نفسها أمام ورطة إعادة ترتيب الخيارات والاصطفافات الإقليمية والدولية الأمنية والاقتصادية، فهل هي جاهزة للدخول في مغامرة من هذا النوع؟
اقتراحات ومطالب يومية تركية أمريكية تدعو إلى وضع ملفات التوتر الساخنة في ثلاجة تبريد الأجواء، لكن لا أحد في الجانبين يريد الذهاب بهذا الاتجاه.
من الواضح أن التوتر المتبادل سيتصاعد مع الرسائل السياسية والتغريدات الحافلة بالتهديد والوعيد بين الجانبين، واشنطن هي التي تصعد أكثر لكن الواضح أيضا أنه لا محكمة تركية بعد الآن تتحرك باتجاه إعطاء ترامب ما يريده.
الذي يقلق الكثير من الأتراك؛ هل هدف واشنطن التصعيد مع أنقرة أم استرداد القس برانسون؟
لذلك فإن مهمة وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو ونظيره الأمريكي مايك بومبيو على هامش قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تعقد هذا الأسبوع في سنغافورة ستكون شبه مستحيلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة