كيف يعمق الاعتراف بمذابح الأرمن الهوة بين تركيا والغرب؟
عمقت أزمة الاعتراف الأمريكي بمذابح الأرمن، الهوة بين تركيا والغرب، الذي لم تستطع كبح مخاوفه بشأن عدد من الملفات أبرزها حقوق الإنسان والتدخلات الخارجية في شؤون الدول.
ورغم الإنكار التركي فإن توسع دائرة اعتراف العالم بالمذابح يضع تركيا أمام مسؤوليتها التاريخية عنها، ويزيد من معاناتها في لملمة أزماتها التي تتضاعف يوما بعد يوم.
واعترف الرئيس الأمريكي جو بايدن، السبت، بالمذابح التي تعرض لها الأرمن على يد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، ليصبح أول اعتراف رسمي من واشنطن بالمذبحة على أنها "إبادة جماعية".
- بعد اعتراف بايدن بإبادة الأرمن.. علاقات أمريكا وتركيا إلى أين؟
- الاعتراف والعقاب.. نائب تركي يثير قضية "إبادة الأرمن"
وكتب بايدن، في بيان بمناسبة الذكرى 106 لبدء المذبحة، أنه "في مثل هذا اليوم من كل عام، نتذكر كل من فقدوا أرواحهم في الإبادة الجماعية للأرمن في العهد العثماني ونعيد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه الفظائع مرة أخرى".
تأييد غربي
وقوبل اعتراف بايدن بإشادات دولية حيث قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "سنحارب معًا ضد الكراهية والعنف والشعبين الفرنسي والأرميني مرتبطين إلى الأبد".
فيما قال وزير خارجيته جان إيف لودريان، إنه "في ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 تقف فرنسا اليوم إلى جانب الشعب الأرميني"
وحتى الآن، اعترفت حوالي 30 دولة رسميًا بالمذابح باعتبارها أنها إبادة جماعية - من بينها فرنسا وروسيا وكندا ولبنان - وفقًا للمعهد الوطني الأرمني، وهو مؤسسة غير ربحية مقرها واشنطن العاصمة.
وبداية من عام 2019، تواترت اعترافات الدول والمنظمات الدولية بتلك المذبحة وهو قرار اتخذته حكومات وبرلمانات 31 بلدًا، من بينها روسيا، البرازيل، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، و كندا، وكذلك 49 ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب الأمم المتحدة اليوم في الذكرى الـ106 للمذبحة.
وتشمل الدول ذات السيادة التي تعترف رسميًا بالإبادة الأرمنية الأرجنتين وأرمينيا وبلجيكا وكندا وتشيلي وقبرص وفرنس وااليونان وإيطاليا وليتوانيا ولبنان وهولنداوبولندا وروسيا وسلوفاكيا والسويد وسويسر والأوروغواي، وتعد هذه الأخيرة أول دولة تعترف رسميا بالإبادة الجماعية للأرمن.
وكانت دولة الأوروغواي الأولى التي أقرت واعترفت رسميا بالإبادة الجماعية الأرمنية، هذا الاعتراف جاء سنة 1965 في الذكرى الخمسينية الأولى لأول تطهير عرقي في القرن العشرين.
أزمات تركيا تتزايد
ولم تكد تمر أيام على الانتقاد الشديد من رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضية الأوروبية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن ملف حقوق الإنسان في البلاد والتحركات شرق المتوسط، حتى تلقى ضربة جديدة بشأن الاعتراف بمذابح الأرمن.
وكان قادة الاتحاد الأوروبي قرروا، في وقت سابق، معاقبة أنقرة على تصرفاتها العدوانية في شرق المتوسط، بعد أيام من تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية كبيرة على توصية غير ملزمة بفرض عقوبات قاسية على تركيا بسبب تصرفاتها في قبرص التي تعيق عملية توحيد شطري الجزيرة.
وأعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أنّه أعرب للرئيس التركي عن "القلق البالغ" للاتحاد الأوروبي حيال انتهاكات لحقوق الإنسان، فيما شدّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين على "ضرورة أن تحترم تركيا حقوق الإنسان".
كما طالب رئيس المجلس الأوروبي، بضرورة "مغادرة كل المقاتلين الأجانب ليبيا".
ولا تزال تركيا تخرق اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، بالإبقاء على مرتزقتها في البلاد، رغم تصريحات أممية وليبية رافضة لوجود قوات ومرتزقة أجانب داخل الأراضي الليبية، والقرارات الأممية بحظر التسليح المفروضة على ليبيا منذ 2011 واتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جينيف 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كما دعا رئيس المجلس الأوروبي تركيا إلى مواصلة العمل لحل الخلافات مع اليونان وقبرص بشأن حقوق التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.
وأدى خلاف بين تركيا والدولتين العضوين بالاتحاد الأوروبي بشأن ترسيم الحدود البحرية إلى توتر في العلاقات، بلغ ذروته الصيف الماضي عندما رافقت فرقاطات تركية ويونانية سفن التنقيب عن موارد الطاقة في المياه المتنازع عليها.
وفي ذات السياق، أضاف الاعتراف بمذابح الأرمن أزمة جديدة في العلاقات الأمريكية التركية التي أصبحت تحتل الأسبقية على أجندة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
ومن بين هذه الأزمات شراء أنقرة لأنظمة الصواريخ الروسية الصنع إس 400 والعقوبات الأمريكية التي تلت ذلك على تركيا وأزمة الأكراد السوريين، وأزمة شرق البحر الأبيض المتوسط ، وغيرها من طابور الأزمات بين البلدين.
إنكار تركي لا يفيد
ورفضت تركيا بشكل تام اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، بالإبادة الجماعية بحق الأرمن في العهد العثماني.
وندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أول تعليق له، بالقرار الأمريكي، واعتبره "تسييسا" لجدل حول الإبادة الجماعية بحق الأرمن "من جانب أطراف ثالثة".
وبعث أردوغان برسالة إلى ساهاك ماشاليان، بطريرك الأرمن في تركيا، قال فيها إنه لا يمكن السماح بزوال ثقافة العيش المشترك لمئات السنين بين الأتراك والأرمن، وتسييس أطراف ثالثة النقاشات حول أحداث 1915 وتحويلها إلى أداة تدخل ضد تركيا لم يحقق منفعة لأي أحد.
وأكد أن ما يجمع الأتراك والأرمن ليست المصالح، بل ارتباط وثيق بالدولة التركية والقيم والمثل العليا ذاتها.
من جانبه، أكد وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، أن تركيا "ترفض تماما" اعتراف الرئيس الأمريكي بالمذبحة التي تعرض لها الأرمن عام 1915 أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية باعتبارها إبادة جماعية.
وقال جاويش أوغلو على تويتر: "ليس هناك شيء لنتعلمه من أي أحد بشأن ماضينا.. الانتهازية السياسية هي أكبر خيانة للسلام والعدل.. نرفض تماما هذا البيان الذي استند إلى الشعبوية فقط".
تاريخ المذابح
وبدأت حملة المذابح العثمانية بحق الأرمن ليلتي 23 و24 أبريل/نيسان 1915، عندما اعتقلت السلطات في القسطنطينية، العاصمة العثمانية حينها، حوالي 250 من المفكرين وقادة المجتمع الأرمني. وانتهى الأمر بالعديد منهم إلى الترحيل أو الاغتيال.
ويحيي الأرمن في 24 أبريل/نيسان من كل عام المعروف باسم" الأحد الأحمر" تلك في جميع أنحاء العالم.
كان عدد القتلى الأرمن نقطة خلاف رئيسية. حيث تتراوح التقديرات بين 300000 و2 مليون قتيل بين عامي 1914 و1923. لكن معظم التقديرات تتراوح ما بين 600000 و1.5 مليون.
ورغم الخلاف حول عدد القتلى توثق صور تلك الحقبة بعض عمليات القتل الجماعي. ويظهر في بعضها جنود عثمانيون ممسكون برؤوس مقطوعة، والبعض الآخر يقفون وسط جماجم في التراب. وبحسب ما ورد لقي الضحايا حتفهم في حروق جماعية وبسبب الغرق والتعذيب والغاز والسم والمرض والمجاعة. وحسب ما ورد تم تحميل الأطفال في قوارب ونقلهم إلى البحر والقذف بهم في البحر. كما تم الإبلاغ تعرضهم لعمليات اغتصاب.
في السياق ذاته، أشاد رئيس وزراء أرمينيا باعتراف الرئيس الأمريكي جو بايدن بمقتل 1.5 مليون أرمني في تركيا العثمانية باعتباره إبادة جماعية، ووصفها بأنها "خطوة قوية".
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن باشينيان، قوله إن هذه الخطوة "تؤكد من جديد سيادة حقوق الإنسان والقيم في العلاقات الدولية. ومن ثم فهي مثال ملهم لجميع الذين يرغبون في بناء مجتمع دولي عادل ومتسامح معا".