بدلاً من إطلاق التهديدات فارغة المضمون، على النظام التركي أن يعيد النظر في كل سياساته وتصرفاته التي جعلت من تركيا دولة منبوذة.
تكشف تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الأخيرة وتهديداته فارغة المضمون والمعنى ضد دولة الإمارات، عن حقد دفين وعنجهية مزيفة لا تجد ما يبررها. والحقد التركي أسبابه مفهومة، وتتمثل بالأساس في الدور النشط الذي تلعبه الإمارات في تحصين النظام الإقليمي العربي في مواجهة تدخلات القوى الإقليمية التي تحاول فرض هيمنتها على المنطقة العربية ومواردها ومقدراتها وعلى رأسها تركيا، وذلك بالتنسيق والتعاون مع أشقائها في السعودية ومصر وباقي الدول العربية الحريصة على حماية الأمن القومي العربي. وهذا الدور الذي تقوم به الإمارات والسعودية ومصر تحديداً يزعج بطبيعة الحال النظام التركي ورئيسه أردوغان المسكون بأوهام استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية؛ لأنه لا يريد أي مقاومة لمخططاته الاستعمارية في المنطقة العربية ولاسيما في سوريا وليبيا، وهما البلدان اللذان أشار إليهما الوزير التركي في معرض تهديداته الوقحة.
الوزير التركي الذي يستنكر على الإمارات ومصر دورهما القومي والعروبي في حفظ الأمن القومي العربي من عبث نظامه والأنظمة الأخرى الطامحة لفرض هيمنتها على المنطقة، لا يستنكر ولا يعطي تفسيراً لسبب تدخل بلاده الفج وغير الشرعي في شؤون منطقتنا العربية، والتعامل معها وكأنها لازالت تحت سلطة الباب العالي، أو كأن السلطان العثماني لايزال قائماً يمارس مهامه.
هذه التهديدات التركية يمكن أيضاً فهمها أيضاً في ضوء العجز التركي عن تخطي الخطوط الحمراء التي رسمتها القاهرة لأردوغان وقواته والمليشيات الإرهابية الموالية له في ليبيا، وبالتالي فهي محاولة لصناعة بطولات مزيفة وصرف الأنظار بعيداً عن هذا العجز، حتى لا تزداد الصورة السلبية لهذا النظام أمام شعبه وأمام حلفائه من الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
أما الحديث عن أن هذه التهديدات تنطوي على نوع من العنجهية التركية المزيفة فهذا يجد ما يؤكده في العديد من الأمثلة الحية التي تثبت أن تركيا أردوغان لم تكسب أي معركة سياسية أو عسكرية دخلت فيها في السنوات الأخيرة، على عكس ما تحاول أن ترسمه لنفسها هي والقوى التي تدور في فلكها من بطولة مصطنعة وقوة مزيفة. فتركيا حتى الآن لم تتدخل سوى في دول منكوبة أو مفككة، وحتى مع ذلك لم تستطع أن تحقق طموحاتها المشبوهة. ففي سوريا تقهقرت الفصائل الموالية لها ولم تعد تسيطر سوى على بقع محدودة بعد أن نجحت الدولة السورية في استعادة سيادتها على معظم أراضيها، وعندما تجرأت أنقرة وأسقطت طائرة روسية في الحرب السورية عام 2015، لم تصمد أنقرة طويلاً أمام الانتقام الروسي حتى جاء رئيسها صاغراً معلنا اعتذاره لموسكو التي فرضت كل شروطها لقبول هذا الاعتذار. وفي ليبيا ورغم قيامها بإرسال آلاف المرتزقة الإرهابيين من سوريا والصومال وغيرها وإرسال المعدات العسكرية، وقفت أنقرة عاجزة عندما أعلنت القاهرة أن قواتها المسلحة ستتدخل بشكل مباشر إذا تجاوزت الميليشيات الموالية التركية خط سرت- الجفرة.
بطبيعة الحال لن تثني هذه التصريحات الإمارات ومصر عن القيام بدورهما القومي في حماية الأمن القومي العربي بالتنسيق والتعاون مع باقي الدول العربية الحريصة على حماية أمن واستقلال واستقرار هذه المنطقة، فـ"منطق الباب العالي والدولة العليّة وفرماناتها مكانه الأرشيف التاريخي"، كما قال معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، وبدلاً من إطلاق التهديدات فارغة المضمون، على النظام التركي أن يعيد النظر في كل سياساته وتصرفاته التي جعلت من تركيا دولة منبوذة في المنطقة والعالم كله، والتوقف عن أوهامه التاريخية التي قد تودي به إلى مزبلة التاريخ، فلا مكان للأوهام الاستعمارية في هذا الزمن، وإذا أرادت أنقرة أن تعزز موقعها فعليها أن توقف تدخلها في الشأن العربي، وتعود إلى سياسة "صفر مشكلات" التي حققت من وراءها مكاسب كبيرة، وبدون ذلك لن تجني تركيا وشعبها سوى مزيد من الخسائر والأزمات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة