الناخب التركي.. صوت تحت تهديد السلاح
التراجع الذي أظهرته استطلاعات الرأي لنوايا التصويت لصالح حزب أردوغان، أخرج تصريحات بعض المحسوبين على النظام عن السيطرة.
التراجع الملحوظ الذي أظهرته استطلاعات الرأي لنوايا التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أخرج -على ما يبدو- تصريحات بعض المحسوبين على النظام عن السيطرة.
فالجدل الصاخب المتفجر بالبلاد، في الفترة الأخيرة، عقب انهيار الليرة مقابل الدولار، وجه بوصلته هذه المرة نحو أحمد مارانكي، أحد الكتاب في صحيفة "يني عقيد"، والمقربة من الحزب الحاكم بالبلاد، وهو أيضا ممن يقدمون أنفسهم من المختصين في الطب البديل باستخدام الأعشاب، فضلا عن أنه موالٍ للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
مفاجأة بلجراد
مفاجأة من العيار الثقيل فجرها الرجل، حيث تحمس مارانكي بشكل محموم، إلى درجة نسي معها أنه في برنامج تلفزيوني يتابعه الملايين من الأتراك، ليقول: "في حال جاءت النتيجة صباح 25 يونيو/حزيران المقبل بعكس ما نريد، فسنخرج ما طمرناه تحت التراب في غابات بلجراد".
وتُعَد غابات بلجراد أكبر وأشهر المنتزهات في مدينة إسطنبول التركية، وهي محمية طبيعية تتميز بتنوع أشجارها ونباتاتها وحيواناتها.
ولئن حاول البعض من حاشية الحزب الحاكم إدراج تصريح مارانكي، في السياق السياسي الاستثنائي الذي تشهده البلاد قبل أقل من شهر عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 يونيو/حزيران المقبل، إلا أن الموضوع اتخذ أكثر من بعد.
تهديد بحمام دم
تصريح حاول البعض الزج به في خانة طبيعة هذا الكاتب المعروف بإثارته الجدل بشكل دائم، وقلب الصورة بسبب كتاباته ومواقفه، وخصوصا بسبب أسلوبه الحاد في الانتقاد، غير أن أصوات معارضة في تركيا تمسكت بأن الأمر مختلف تماما هذه المرة.
ومع أن مارانكي لم يوضح ما الذي "طمره" ورفاقه في غابات بلجراد، إلا أن كثيرين رأوا فيما قاله تهديدا مباشرا باستخدام السلاح والقوة في حال خالفت نتيجة الاقتراع آماله وآمال من وراءه.
قراءة فجّرت الهلع في صفوف المواطنين، خصوصا أن لغابات بلجراد تاريخا سيئ الصيت لدى الأتراك عموما، بل تُعَد من النقاط القاتمة العالقة بالذاكرة الجماعية.
فقبل سنوات، توجهت قوات أمنية إلى تلك الغابات بحثا عن أسلحة مطمورة فيها، وذلك بناء على إفادات بعض المعتقلين من المتهمين بالتحضير لانقلاب دموي ضد حكومة "العدالة والتنمية".
وقيل وقتها إنها كانت عملية لفقها الحزب الحاكم لتصفية بعض الضباط والأتاتوركيين المتشددين من المناهضين للحكومة.
أقلام تنتقد الصمت
ردود فعل واسعة شهدتها تركيا في أعقاب "تصريحات غابات بلجراد" المثيرة للجدل.
فقد تساءل الصحفي التركي الشهير، أحمد هاقان: "أين المدعي العام لإيقاف هذا الرجل عند حده؟ ألا يراه وهو يهدد بإشعال حرب أهلية بعد الانتخابات وعلى ضوء نتائجها؟".
فيما تقدم نواب في حزب الشعب الجمهوري المعارض، على الفور، ببلاغ ضد مارانكي أمام المدعي العام، مطالبين بفتح تحقيق فوري، والتعامل مع المسألة بجدية، ما يشي بعمق التأثير السلبي لتصريح يدرك الجميع ارتداداته، بشكل أو بآخر، على تصويت الناخبين، وذلك رغم الصمت المريب وتجاهل قيادات "العدالة والتنمية" حتى الآن للحادثة.
دنيز زيدك، وهو أيضا صحفي تركي، تناول الموضوع بالقول في عموده بصحيفة "حريت": "يبدو أن القضاء غير مستعجل لطرح هذا السؤال على مارانكي: أين خبأت ما تتحدث عنه، وذلك رغم أن فئة كبيرة في المجتمع التركي أخذت تهديداته على محمل الجد".
بدوره، عبّر أرصوي دادا، الصحفي المحسوب على الحزب الحاكم، عن غضبه من تصريح مارانكي، معتبرا أن "الرجل فشل في الطب البديل كما يبدو، فقرر التوجه نحو السياسة".
ودعا دادا القضاء والأجهزة الأمنية إلى التحرك بأسرع ما يمكن، مشيرا إلى أنه في حال كان مارانكي "مختلا" كما يقول البعض "فما الذي يفعله أمام الشاشات؟ وإذا لم يكن مختلا، فلماذا لم يتحرك المدعي العام للاستماع إلى أقواله؟".
سخرية عارمة
أما في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تعامل روادها مع تهديد مارانكي بالكثير من السخرية، حتى إن البعض ذهب إلى أن الرجل فقد أعصابه بسبب تراجع "العدالة والتنمية" في استطلاعات نوايا التصويت التي أجريت مؤخرا في البلاد، ولذلك لجأ إلى أسلوب التهديد والوعيد.
غير أن الاستغراب من عدم تحرك القضاء بهذا الشأن طغى على معظم التعليقات، ممن طالب أصحابها بالتخلي عن سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع المسألة مقارنة بحالات مشابهة.
وحتى إن اضطر القضاء التركي للتحرك تحت ضغط الرأي العام بالبلاد، إلا أن العديد من الأصوات تتعالى مؤكدة أن الرجل "سيخرج مثل الشعرة من العجين"، وما عليه سوى الزعم بأنه لم يكن يقصد أسلحة بل "أحجية وكتب أدعية أعددناها ووضعناها هناك لاستخدامها عند الضرورة".
مد وجزر يشيان بأن حالة الغليان على أشدها في تركيا التي تستعد لاستحقاق مصيري في ظل تراجع نوايا التصويت للحزب الحاكم، ووسط تصريحات مشابهة من شأنها أن تشكل نقطة ارتكاز حادة في النتائج المنتظرة.
aXA6IDE4LjE4OC4xMDcuNTcg جزيرة ام اند امز