إعدامات ونزوح ومجازر عرقية.. جرائم حرب تركية شمالي سوريا
سكان منطقة شمال سوريا يعيشون أوضاعا إنسانية صعبة جراء التصاعد الكبير في أعداد النازحين والقصف العشوائي فضلا عن قلة الإمدادات الطبية.
تشهد منطقة شمال شرقي سوريا انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان من قبل الجيش التركي والفصائل المسلحة الموالية له بما فيها نزوح مئات الآلاف ومجازر عرقية وأعمال إعدام واغتصاب وتعذيب تصل إلى "جرائم حرب".
ويعيش السكان بالمنطقة أوضاعا إنسانية صعبة جراء التصاعد الكبير في أعداد النازحين والقصف العشوائي للمدن والبلدات؛ ما يعرض حياة مئات آلاف المدنيين للخطر، فضلا عن خروج محطات تغذية كهرباء عن الخدمة بسبب القصف والاشتباكات وكذلك قلة الإمدادات الطبية.
وتستهدف تركيا من العملية العسكرية إنشاء منطقة آمنة عبر التخلص من اللاجئين السوريين بالقوة بتوطينهم فيها، وأن تجعل منهم حاجزا يحميها؛ ما ينذر ببداية فصل جديد من الصراع داخل البلد الذي أنهكته النزاعات والاضطرابات منذ 2011.
وأدانت دول عربية وغربية العملية العسكرية التي قالت إنها تفاقم الصراع الدائر في سوريا وتزيد مخاطر هروب أسرى تنظيم داعش الإرهابي من المعسكرات التي يحتجزون بها وسط الفوضى.
وبالفعل أنعش العدوان التركي على شمال سوريا تنظيم داعش وبدأت خلاياه في القامشلي والحسكة تنفذ هي الأخرى هجمات بسيارات مفخخة في المدينتين بين الحين والآخر.
جرائم حرب
اتهمت قوات سوريا الديمقراطية الجيش التركي والفصائل المسلحة المتحالفة معه بارتكاب مجازر بحق المدنيين في مدينة رأس العين.
وقالت القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية، في بيان، الأحد، إنه "أمام مرأى ومسمع العالم وبحضور العديد من وسائل الإعلام العالمية تستمر تركيا والفصائل المتحالفة معها بارتكاب المجازر بحق المدنيين في شمال وشرق سوريا وتمارس حرب إبادة عرقية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى".
وأضاف البيان: "في إطار عمله الممنهج لتهجير سكان شمال وشرق سوريا استهدف جيش الغزو التركي بشكل مباشر، الأحد، قافلة مدنيين كانوا قد توجهوا إلى مدينة رأس العين للتعبير عن رفضهم للغزو التركي فأوقعت عشرات الضحايا المدنيين قتلى وجرحى".
وأكدت "سوريا الديمقراطية" في بيانها أن "القافلة المتجهة إلى مدينة رأس العين، تم استهدافها بشكل مباشر ووحشي يعبر عما تخطط له تركيا حقيقة ويكشف عن نواياها الحقيقية".
واعتبرت أن هذه المجزرة المروعة "بحق أهلنا في شمال وشرق سوريا جريمة نكراء ترتكبها تركيا أمام أنظار العالم ضاربة بعرض الحائط كل القيم والأعراف الدولية والإنسانية".
وحملت قوات سوريا الديمقراطية "المجتمع الدولي مسؤولية ما يتعرض له المدنيون من مجازر على يد الجيش التركي"، داعية "كل القوى الدولية لإيقاف هذه المذبحة بحقنا".
إعدام 9 مدنيين
ولم تكتفِ القوات التركية بعمليات القصف العشوائي، بل أقدمت عناصر من الفصائل الموالية لها على تنفيذ عملية إعدام ميداني بحق 9 مواطنين بإطلاق النار المباشر عليهم عقب سيطرتهم على الطريق المؤدي إلى مدينة الحسكة جنوب تل أبيض.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، في بيان، إن "المدنيين التسعة أعدموا على دفعات إلى الجنوب من مدينة تل أبيض" الحدودية في ريف الرقة الشمالي.
وأشار إلى أن بينهم رئيسة حزب كردي محلي.
وتحمي اتفاقية جنيف الرابعة، التي وقعت عليها 196 دولة في أغسطس/آب 1949، الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وتحظر إصدار أحكام عليهم أو تنفيذ إعدامات في حقهم.
هفرين خلف.. اغتصاب وإعدام
في ظروف قاسية، قتلت هفرين خلف، الأمين العام لحزب سوريا المستقبل، السبت الماضي، وسط تنديدات وحالة غضب عارمة محلية ودولية وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
فيما وصفت إحدى وسائل الإعلام التركية تصفيتها بـ"العملية الناجحة".
روايات عديدة تتداول على منصات التواصل حول ظروف مقتل السياسية الكردية غير أن غالبيتها أكدت وقوف جماعات موالية لتركيا وراءها.
وتحدثت إحدى الروايات عن إيقاف قوات موالية للجيش التركي سيارة هفرين و"إعدام سائقها ثم اغتصاب السيدة عدة مرات قبل قتلها".
وتداول آخرون على "تويتر" مقطعا مصورا دمويا لما اعتبروه عملية إعدام سائق هفرين وتظهر خلاله على ما يبدو جثة امرأة قالوا إنها للسياسية الكردية يعتليها التراب.
ويتحدث في المقطع المصور أحد الإرهابيين قائلا إن من قام بعملية الاغتيال "لواء السلطان" المدعوم من الجيش التركي والمشارك في المعارك الدائرة حاليا.
ووصفت صحيفة "يني شفق" التركية المقربة من النظام التركي عملية قتل السياسية الكردية بأنها "ناجحة"، زاعمة أن هفرين عضوة في منظمة "إرهابية".
ومدينا للحادث الإجرامي، قال مجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، في بيان، إن استهداف سيارة المسؤولة الحزبية "التي تم إعدامها برفقة سائقها"، يعد دليلا واضحا على أن الدولة التركية مستمرة في سياستها الإجرامية تجاه المدنيين غير المسلحين.
استهداف الصحفيين للتعتيم
ومنعا لإظهار صورة العدوان الغاشم على المدنيين شمالي سوريا، تستهدف القوات التركية والمليشيات التابعة لها الصحفيين سواء بالقتل أو التوقيف للتعتيم على العملية التي تقابل بإدانات عربية ودولية كبيرة.
والإثنين الماضي، أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مقتل صحفيين اثنين وإصابة آخرين في قصف تركي استهدف قافلة للمدنيين في منطقة سري كانيه.
وقالت الإدارة الذاتية الكردية، في بيان، إن العدوان التركي قصف قافلة من المدنيين الموجودين في "سري كانيه" للتضامن مع أهلهم؛ حيث كان موجودا في الموقع مجموعة من الصحفيين لتغطية الحدث.
وأكدت أن هذا القصف تسبب في مقتل مراسل وكالة هاوار سعد أحمد ومراسل çiraTV محمد حسين رشو، وإصابة مجموعة من الصحفيين الآخرين من المؤسسات الإعلامية المحلية.
كما اعتقلت قوات العدوان التركي، مراسل قناة العربية الحدث زيدان زنكلو، أثناء قيامه بتغطية هجماتها على شمال وشرق سوريا، حيث ألغت إقامته في تركيا وأجبرته على مغادرة البلاد دون ارتكابه أي مخالفة مهنية في عمله.
واستنكر مكتب الإعلام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الانتهاكات الوحشية التركية بحق الصحفيين والإعلاميين من قبل نظام رجب طيب أردوغان وآلته الحربية الهمجية.
وطالب بحماية الصحفيين وضمان سلامتهم، تطبيقا للاتفاقيات الدولية، ومنها الفقرة الأولى من المادة 97 من البروتوكول الإضافي الأول من اتفاقية جنيف.
وتنص المادة 97 من البروتوكول الإضافي الأول من اتفاقية جنيف على: "يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصا مدنيين" أي تجب حمايتهم وعدم الاعتداء عليهم عسكريا.
نزوح 300 ألف
وعلى خلفية المعارك المتواصلة بعنف بمحاور عدة بالإضافة للقصف الجوي والبري، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن استمرار نزوح المدنيين من مناطقهم.
ووفقا لإحصائيات المرصد السوري وصل عدد النازحين إلى نحو 300 ألف مدني نزحوا نحو عمق المنطقة، وسط أوضاع إنسانية صعبة تعيشها المنطقة من التصاعد الكبير في أعداد النازحين ووجهتهم، وخروج محطات تغذية كهرباء عن الخدمة بسبب القصف والاشتباكات.
وبحسب المرصد فإن مدنا وبلدات وقرى عدة باتت خالية من السكان تماما، والكثير من النازحين يفترشون العراء لعدم وجود مكان يذهبون إليه.
مقتل 71 مدنيا و207 عسكريين
ووفق إحصاء للمرصد السوري لحقوق الإنسان؛ فإن العدوان التركي تسبب في مقتل 71 مدنيا بينهم مسؤولة حزبية ونساء وأطفال.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن المدنيين يتعرضون لقصف عشوائي من قبل قوات النظام التركي؛ ما دفع أغلبهم للنزوح.
وعلى الصعيد العسكري، ارتفع عدد القتلى في المواجهات بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش التركي والقوات التابعة له منذ بدء الهجوم إلى 207 قتلى.
وأوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 121 عنصرا من قوات سوريا الديمقراطية قتلوا منذ انطلاق الهجوم العسكري التركي جراء القصف الجوي والبري والاشتباكات.
وتابع: "كما ارتفع عدد قتلى الفصائل الموالية لتركيا إلى 86 بينهم 8 جنود أتراك واعترفت أنقرة بمقتل 5 منهم".
نقص حاد في الإمدادات الطبية
وأمام العدوان التركي وجرائم المليشيات التابعة له بحق المدنيين، تقف المراكز الطبية في الشمال السوري عاجزة عن تلبية الاحتياجات الإسعافية نتيجة النقص الحاد بالإمدادات الطبية، ونتيجة تعرض غالبية النقاط الطبية للاستهداف المباشر.
وحذرت منظمة "أطباء بلا حدود" من الضغط على المستشفيات شمال شرق سوريا جراء الهجوم، وقد جرى إغلاق مستشفى يدعمه في مدينة تل أبيض بسبب فرار أفراد الطاقم الطبي مع عائلاتهم.
وقالت المنظمة، في بيان، الجمعة: "لا تستطيع الخدمات الصحية في الأساس تلبية احتياجات السكان، ونتجت عن النزوح والإصابات المرتبطة بالقتال ضغوط إضافية على المستشفيات محدودة الموارد".
وناشد الطبيب حسن في مستشفى تل تمر "كل المؤسسات الدولية المتخصصة في المجال الطبي إرسال مساعدات عاجلة إلى مستشفيات شمال شرق سوريا"، مشددا "هناك الكثير من الجرحى وإمكانياتنا محدودة".
نشاط داعش
وأبدت دول أوروبية عدة أيضا قلقها البالغ من تداعيات الهجوم التركي كبيئة خصبة لعودة تنظيم داعش الإرهابي الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة رغم هزيمته الميدانية على يد المقاتلين الأكراد.
وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية، الأحد، أن 785 من عائلات الجهاديين الأجانب فروا من مخيم عين عيسى في ريف الرقة الشمالي بعد قصف تركي قربه.
كما اتهمت القوات التركية باستهداف سجنين على الأقل يقبع فيهما إرهابيون من التنظيم.
وتعتقل قوات سوريا الديمقراطية 12 ألف عنصر من التنظيم، بينهم 2500 إلى 3 آلاف أجنبي من 54 دولة.
الأمم المتحدة تحمّل تركيا المسؤولية عن عمليات الإعدام
وأثارت المقاطع المصورة لعمليات الإعدام ردود فعلية دولية كان أبرزها تصريحات مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الثلاثاء، عن تحميل تركيا المسؤولية عن عمليات إعدام تعسفية نفذتها جماعة مسلحة مرتبطة بها بحق عدد من المقاتلين الأكراد وسياسية (في إشارة إلى هفرين خلف).
وقال المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة روبرت كولفيل: "بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فإن الإعدامات التعسفية تعدّ انتهاكاً خطيراً ويمكن أن تصنّف جريمة حرب".
وأكد خلال مؤتمر صحفي في جنيف، الثلاثاء: "تجب حماية المدنيين ككل فرد خارج نطاق الأعمال القتالية مثل المقاتلين الأسرى".
ولفت كولفيل إلى أن "الحادث الأسوأ الذي علمنا به حتى الآن والذي نسعى للتحقق من صحته بشكل كامل، هو تقرير يفيد بمقتل 4 مدنيين على الأقل بينهم صحفيان وإصابة العشرات بجروح عند تعرّض موكب سيارات لضربة جوية تركية"، مشيرا إلى أن الهجوم وقع في 13 تشرين الأول/أكتوبر.
وتملك المفوضية أيضاً مقطعي فيديو نشرا على مواقع التواصل الاجتماعي ويظهران "ما يبدو أنه عمليات إعدام تعسفية ارتكبت في 12 تشرين الأول/أكتوبر من قبل مقاتلين ينتمون إلى فصيل أحرار الشرقية المسلح التابع لتركيا".
وأضاف "وفي اليوم نفسه تلقينا معلومات تفيد بأن السياسية الكردية المعروفة هفرين خلف قد أعدمت أيضاً على الطريق نفسه وعلى ما يبدو على يد مقاتلين من أحرار الشرقية كذلك".
وتابع "نحض السلطات التركية على فتح تحقيق فوري نزيه وشفاف ومستقل بهذين الحادثين وإلقاء القبض على المسؤولين عنهما".
عمليتان سابقتان
كانت تركيا قد نفذت عمليتين عسكريتين سابقتين داخل سوريا الأولى في عام 2016 تحت مسمى "درع الفرات".
وفي عام 2018، شنت تركيا عملية في عفرين تسببت في نزوح ما يقرب من نصف سكانها البالغ عددهم 300 ألف تقريبًا.
واتهمت منظمات حقوقية القوات المدعومة من تركيا بانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التهجير القسري ومصادرة الأملاك والنهب والتوقيف التعسفي والخطف والابتزاز.
aXA6IDMuMTM3LjE5OC4xNDMg جزيرة ام اند امز