منتدى تعزيز السلم يختتم أعماله بمناقشة التسامح والرحمة والتعارف
الجلسة الأولى ناقشت موضوع "التسامح بين إطلاقية المبدأ ونسبية التنزيل"، والثانية "عام التسامح في الإمارات.. من الوثيقة إلى الميثاق"
اختتم الملتقى السنوي السادس لمنتدى تعزيز السلم، الأربعاء، فعالياته التي انعقدت في العاصمة الإماراتية أبوظبي، خلال الفترة من 9 حتى 11 ديسمبر/كانون الأول.
وعقدت الجلسة الأولى في اليوم الأخير من أعمال الملتقى برئاسة الدكتورة بيسا إسماعيل، الأستاذة بكلية الدراسات الإسلامية في كوسوفو، وناقشت موضوع "التسامح بين إطلاقية المبدأ ونسبية التنزيل".
وتحدث في الجلسة الدكتور عبدالله السيد ولد أباه، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، فطرح تساؤلات عدة مرتبطة بإشكالات تعريف مصطلح التسامح، مستنكراً أن تكون إجراءات التعايش القانوني كافية لبناء مجتمعات متسامحة.
وأشار إلى محاولات فلسفية لتضمين عنصرين مختلفين في هذا الإطار مرتبطين بالمستوى السياقي للتسامح، والعلاقة مع الذات المعتزة بنفسها، وصولاً إلى تصور يدمج الذاتية في الغيرية، ملحاً، في إطار متوالية اختلاف الفلاسفة في تعريف التسامح، إلى حد التناقض، وإلغاء مبدأ الحرية نفسه، في ظل الإطارين السياسي والاقتصادي، في مقابل مفهوم العدالة التي هي يقينية مطلقة.
وتوقف ولد أباه عند موقع الأخلاق في إطار القيم المطلقة، لافتا إلى أن أدبيات منتدى تعزيز السلم، تكرس إطارها المعرفي والقيمي العام للمفاهيم الثلاثة: التعارف، والتأويلية القيمية، والرحمة، وطالب أن يخرج مفهوم التسامح من إطار الدوائر القانونية.
أما الدكتور عارف النايض، رئيس مجلس إدارة شركة "كلام" للبحوث والإعلام - ليبيا، فطالب بتأسيس دلالة التسامح على قاعدة مفاهيمية قوامها الرحمة، مشيراً إلى أن التسامح يعني السماحة، خلافاً لمعناها الحرفي المتداول المشير إلى الصبر على الآخر.
وقال: "من غير المنصف ترجمة التسامح واختزاله في معنى القبول، وفي المعنى المطلق للتسامح حسبما استقر عليه الكثير من الفلاسفة، فهو يعود لله المولى، فهو وحده المطلق، لكن في علم الكلام هناك تأصيل للمطلق الإنساني المتعلق بالمشيئة الإلهية، فالله أقر للإنسان أن تكون له كرامة مطلقة.
وتحدث القس جويل ريني، أستاذ علم اللاهوت المسيحي - الولايات المتحدة، فعرض تجربة شخصية، تمحورت حول مشكلة الإدمان، عندما كان راهباً في فيرجينيا.
وأوضح: "كانت الصورة العامة سوداوية، فالآباء والأمهات في حال عجز تام، ولم يكن أمامنا إلا التحرك مع إخواننا المسلمين واليهود للتصدي لهذه المشكلة على أساس من تعاليم الأديان الإبراهيمية، وبالمناسبة بيننا الإمام ماجد، الذي شاركنا هذه المحنة".
وأضاف: "هذا ما يسر بث الأمل في روح الآباء والأمهات، واستنهض عزائمهم في التصدي للإدمان، وهو ما يجعلني على ثقة تامة بأننا سنتعاون مع إخواننا الذين ذكرتهم في تفعيل مبادئ ميثاق حلف الفضول".
وأشار ريني إلى أن التسامح يوجب على الأكثرية الحفاظ على حقوق الأقليات، ويلزمنا بأن نرى الأفراد بشراً، دون تصنيفهم حسب معتقداتهم أو سوى ذلك من معايير التمييز، والاحتفاظ بعلاقات تسمح للآخرين دائماً بممارسة خصوصيتهم.
وقالت منى صديقي أستاذة الدراسات الإسلامية والأديان المقارنة في جامعة إدنبرة-المملكة المتحدة، إن المواطنة جزء رئيس من التسامح، فعلينا أن نعمل لتحقيقه من خلال الانفتاح المجتمعي والحراك الثقافي تحت سقف القانون، فبغض النظر عن كون التسامح فضيلة، تترفع عن الموبقات أو الدناءات، إلا أن الضابط الأساس هو المساواة المحمية بالقوانين، لذلك يتعين البحث في تفعيل قيم التسامح في إطار من التعاون المجتمعي التوافقي.
ولفتت إلى أن التسامح ليس علامة تجارية/دينية، وإنما يجب أن يكون سلوكاً يومياً، وفق ضوابط يلتقي حولها الجميع؛ لأن التسامح مع الشر يشكل كارثة مجتمعية، فالمطلوب قوننة التسامح بضوابط ميسرة، تأخذ بعين الاعتبار حدوده ومداه وإمكانية تنزيله على الوعي الجمعي.
وخلصت صديقي إلى أن لغة التعاطف التي تعترف بالجميع هي الحل لسيادة التسامح، الذي يجب أن يكون متأصلاً في أعماقنا كي نصل إلى الممارسة الواقعية للكرامة الإنسانية.
وشددت على العلاقة البينية بين حماية الدولة والحكومات للتسامح، وبين التزام الأفراد بقيم المواطنة الصالحة والإيجابية، مستشهدة بمقولة توماس مان: "التسامح يصبح جريمة حينما يتم تطبيقه على الشر".
الجلسة الثانية
عقدت الجلسة الثانية برئاسة الدكتور محمد البشاري، أمين عام المجتمعات المسلمة في العالم، وناقشت موضوع "عام التسامح في الإمارات - من الوثيقة إلى الميثاق".
وتحدث في الجلسة الحاخام يهودا سامرا، المدير التنفيذي لمعهد في جامعة نيويورك/أبوظبي - الإمارات العربية المتحدة، مختزلاً مداخلته بـ3 مسائل، تؤشر على الحال في دولة الإمارات.
1. شهد العام الجاري هجمات غير مسبوقة على المعابد اليهودية في مناطق عدة من العالم، في حين نرى دولة الإمارات تبني بيت العائلة الإبراهيمية، المعد لاستضافة أنشطة هذه الأديان الثقافية، وهو من ثمرات عام التسامح في الإمارات.
2. نجد الناس يتحدثون على وسائط التواصل عن آرائهم ويتخللها الكثير من التشدد، بينما وجدت هنا في هذه المنطقة تفاهماً وانسجاماً وتناغماً بين المسلمين واليهود والمسيحيين والعديد من الأديان الأخرى والإثنيات والعرقيات.
3. الجالية اليهودية في دولة الإمارات تعيش بسلام ووئام مع مكونات المجتمع، معتبراً أن هذه النقاط هي أفضل تعبير عن حال التسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويعتقد كنت هيل مدير المعهد الحريات الدينية في واشنطن، أن ميثاق حلف الفضول الجديد، الذي ترعاه دولة الإمارات سيساعد في انتقال التسامح من الإمكان إلى الإلزام بشكل فعلي وحقيقي، معتبراً أن الممارسة الحرة للدين هي العلاج للكثير من الأمراض المجتمعية، وعلى رأسها الكراهية.
وقال إن من أهم الأسباب لكل ما نشهده من كراهية وعنف في هذه المرحلة من التاريخ، يعود إلى تراجع الحس الإنساني.
وأضاف: "ما تقوم به الإمارات من خلال منتدى تعزيز السلم وبشكل خاص حلف الفضول، الذي شهدنا التوقيع على ميثاقه، بقيادة العلامة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى تعزيز السلم، يلعب دوراً بارزاً في استنهاض الروح الإنسانية في الضمير والوجدان البشري؛ رغم أن ميثاق الحلف تناول موضوعات الحرية وحماية الكرامة على أساس ثقافي؛ من دون تفريق".
aXA6IDMuMTUuMjExLjcxIA== جزيرة ام اند امز