الإمارات واليابان.. تعاون بناء لنهضة البلدين وخدمة البشرية
تعاون مثمر وبناء بين دولة الإمارات واليابان على مختلف الأصعدة السياسية والدبلوماسية والعلمية يصب في صالح نهضة البلدين وخدمة البشرية.
تعاون تعززه مباحثات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ورئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا خلال زيارته الحالية إلى دولة الإمارات، ولا سيما على صعيد مواجهة تغير المناخ، الذي يعد أكبر تحدٍّ يواجه البشرية في الوقت الراهن، وكذلك على صعيد تنسيق المواقف في ظل عضوية البلدين في مجلس الأمن الدولي، بعد أن أسهمت جهودهما المشتركة في تحقيق إنجازات عدة تسهم في دعم الأمن والاستقرار الدوليين.
ويحمل التعاون بينهما أهمية كبيرة، في قطاع الفضاء، لما يحققه من فوائد كثيرة، تصب في صالح البشرية.
تغير المناخ
ووصل كيشيدا إلى دولة الإمارات الإثنين في أول زيارة له للدولة الخليجية منذ توليه مهام منصبه أكتوبر/تشرين الأول 2021، في وقت تواصل فيه دولة الإمارات حشد الجهود الدولية لتحقيق أهداف مؤتمر المناخ "كوب 28".
وتستضيف دولة الإمارات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دروته الثامنة والعشرين COP28، في مدينة إكسبو دبي خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وتدعم اليابان جهود مواجهة التغير المناخي على أكثر من صعيد؛ فمن بين أحدث تلك الجهود، ما أعلن الموقع الرسمي للأمم المتحدة في مايو/أيار الماضي عن تجديد اليابان دعمها للدول النامية بتقديم مساعدات مادية جديدة، في مواجهة التغير المناخي، ودعمها في عملية التحول الأخضر، والتأكيد على تعزيز المقاومة في مواجهة آثار المناخ المدمرة ونشر أساليب الاستدامة.
وفي الشهر نفسه، أطلقت قمة مجموعة السبع التي عقدت في هيروشيما باليابان، “بيان عمل هيروشيما ”من أجل الأمن الغذائي العالمي القادر على الصمود مع البلدان الشريكة لتلبية الاحتياجات اليوم وفي المستقبل.
وأكد البيان العمل على الحفاظ على الكوكب من خلال تسريع إزالة الكربون من قطاع الطاقة ونشر مصادر الطاقة المتجددة، وإنهاء التلوث البلاستيكي وحماية المحيطات.
وشدد على تعميق التعاون من خلال شراكات الانتقال العادل للطاقة ونادي المناخ وحزم البلدان الجديدة للغابات والطبيعة والمناخ .
وتاريخيا، دعم البلدان جهود مواجهة التغير المناخي؛ فبعد إطلاق واعتماد بروتوكول كيوتو باليابان الملزم للدول المتقدمة بأهداف خفض الانبعاثات، صدقت دولة الإمارات في عام 2005 على البروتوكول كأول دولة من الدول الرئيسية عالمياً لإنتاج النفط.
مجلس الأمن
ويحمل التعاون بين البلدين والتنسيق بينهما أهمية خاصة؛ كونهما عضوين في مجلس الأمن الدولي، وتعاونهما معا يصب في صالح دعم الأمن والاستقرار الدوليين.
وتوج هذا التعاون في 28 أبريل/نيسان الماضي، باعتماد مجلس الأمن بالإجماع قراراً صاغته دولة الإمارات واليابان بصفتهما حاملتي القلم المشارك لملف أفغانستان يدين قرارات طالبان لحظرها عمل النساء الأفغانيات لدى الأمم المتحدة في أفغانستان.
ويدعو القرار إلى المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة والآمنة للنساء والفتيات في أفغانستان، ويؤكد الضرورة الملحة لمواصلة معالجة الوضع الاقتصادي والإنساني المتدهور في البلاد، ويقر بضرورة استخدام الأصول الخاصة بالبنك المركزي الأفغاني، بما يعود بالنفع على الشعب الأفغاني في أفغانستان.
كما يؤكد القرار مجدداً على الدور المهم الذي تلعبه المرأة والذي لا غنى عنه في المجتمع الأفغاني، ويعرب عن القلق العميق إزاء تراجع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمرأة في أفغانستان.
بالإضافة إلى ذلك، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع مارس/آذار الماضي خلال اجتماع بشأن أفغانستان، قرارين تقدمت بهما دولة الإمارات بالتعاون مع اليابان، يقضي الأول بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان لمدة 12 شهراً، بما يمكّن البعثة من مواصلة عملها حول تعزيز حقوق الإنسان، والتواصل مع جميع الجهات الأفغانية المعنية، وتنسيق المساعدات الإغاثية.
أما القرار الثاني فهو الطلب بإجراء تقييم مستقل حول النهج الدولي المتبع تجاه أفغانستان.
التعاون في مجال الفضاء
ويحمل التعاون بين دولة الإمارات واليابان في مجال الفضاء، أهمية خاصة، كونه يصب في صالح خدمة البشرية كلها.
تأتي زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى دولة الإمارات والتي بدأت اليوم الإثنين، في وقت يجني فيه البلدان والعالم، ثمار التعاون البناء بينهما في مجال الفضاء.
أحدث تلك الثمار، ما أعلن عنه مركز محمد بن راشد للفضاء، بالتعاون مع وكالة استكشاف الفضاء اليابانية “جاكسا”، في 22 يونيو/حزيران الماضي، بدء رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي تجربة إنتاج بلورات البروتينات الخاصة بالأجسام المضادة PCG2، على متن محطة الفضاء الدولية، داخل مختبر وحدة "كيبو" اليابانية.
ومن شأن تلك التجربة الإسهام في تعزيز فرص التعاون العلمي بين دولة الإمارات العربية المتحدة واليابان.
وقال عدنان الريس، مدير مهمة طموح زايد 2، التابعة لبرنامج الإمارات لرواد الفضاء: "تُعَدُّ هذه التجربة نقطة تحوُّل في مسيرة المساهمات العلمية لدولة الإمارات في مجال علوم الفضاء، فيما تؤكد التجربة كذلك التزامنا القوي بالتوسع في الشراكات العلمية الدولية، وتعزيز فهمنا للأنظمة البيولوجية المُعقّدة للمساهمة بشكل أكبر في إفادة البشرية".
وتم اقتراح موضوع التجربة من قبل فريق بحثي في جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، في دولة الإمارات، بالتعاون مع كلية الطب في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار التعاون بين مركز محمد بن راشد للفضاء، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية “جاكسا”، ووكالة الإمارات للفضاء، في مسعى لتأكيد أقصى فائدة ممكنة من الأبحاث العلمية في الفضاء، لدعم القطاعات الحيوية التي تخدم الإنسان على الأرض وفي مقدمتها قطاع الصحة.
وتركز تجربة إنتاج بلورات البروتينات الخاصة بالأجسام المضادة على جزيء البروتين GIRK2، الذي يؤثر في معدل ضربات القلب، كما أن له صلات بالعديد من الحالات الصحية الخطيرة، مثل الصرع، وعدم انتظام ضربات القلب، والإدمان.
وتهدف تجربة تطوير بلورات عالية الجودة لـ GIRK2 إلى تعزيز الفهم لهيكلها الخاص. وستسهم تجربة PCG2 في تحليل إنتاج البلورات الخاصة بالأدوية في بيئة الجاذبية الصغرى، ما يسهل إنتاجها على الأرض وفي الفضاء، ويقصر مدة إنتاج أدوية جديدة.
ويرتبط مركز محمد بن راشد للفضاء بشراكات استراتيجية طويلة الأمد مع عدد من الشركاء اليابانيين، تمتد لأكثر من عقد وتشمل إطلاق الأقمار الاصطناعية.
وتوجت مراحل التعاون بين الجانبين بإطلاق خليفة سات القمر الاصطناعي الإماراتي الأكثر تطوراً في الفضاء حاليًا من اليابان على متن صاروخ تابع لشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة من مركز تانيغاشيما الفضائي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، في إنجاز دشنت به دولة الإمارات عهد التصنيع الفضائي الكامل.
كما توج التعاون بينهما في إطلاق مشروع دولة الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل" على متن صاروخ تابع لشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة من مركز تانيغاشيما الفضائي الذي تشغِّله وكالة استكشاف الفضاء اليابانية "جاكسا".
وتم إطلاق مسبار الأمل إلى كوكب المريخ من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان يوم 20 يوليو/تموز 2020. ويواصل "مسبار الأمل" الإماراتي، أول مسبار عربي وإسلامي يصل إلى مدار كوكب المريخ، مهمته العلمية لجمع معلومات وبيانات لم تصل إليها البشرية من قبل.
وقدم "مسبار الأمل" منذ وصوله إلى مدار كوكب المريخ في 9 فبراير/شباط 2021 مساهمات علمية غير مسبوقة ومعلومات هي الأولى من نوعها حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر في أوقات مختلفة. ويستكمل الطرفان تعاونهما بهدف تحقيق المزيد من الإنجازات العلمية عبر مهمات مختلفة.
علاقات تاريخية
تعاون بناء في مجالات عدة يستند على علاقات تاريخية راسخة، يدعم نموها وتطورها قيادات البلدين.
وتعد اليابان من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية متينة مع دولة الإمارات منذ عام 1971، وتكللت بافتتاح سفارة دولة الإمارات بطوكيو في ديسمبر/كانون الأول 1973 وسفارة اليابان في أبوظبي شهر أبريل/نيسان 1974.
ومثلت الزيارة التي قام بها -المغفور له- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى اليابان خلال عام 1990، منعطفاً تاريخياً في مسار العلاقات الثنائية وأسهمت في وضع الأسس الراسخة التي تقوم عليها هذه العلاقات اليوم.
وفي تصريحات سابقة، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن العلاقات بين دولة الإمارات واليابان متجذرة وعميقة وشهدت قفزات نوعية مهمة في مجالات التجارة والطاقة والاستثمار والتكنولوجيا والفضاء والتعليم وغيرها، خلال العقود الماضية.
وأشار إلى أن ما يكسب العلاقات بين دولة الإمارات واليابان أهمية خاصة أنهما تعبران عن نموذجين تنمويين بارزين على المستويين الإقليمي والعالمي وتتفقان في منظومة القيم الحضارية الداعية إلى التسامح والتعايش والحوار ونبذ التطرف والإرهاب والكراهية والعنصرية أياً كان مصدرها.
ونجح البلدان في التأسيس لعلاقات تعاون ثقافية وعلمية مميزة وارتبطا بعلاقة طويلة الأمد تعود إلى ما قبل إنشاء النظام الاتحادي لدولة الإمارات، حيث شاركت إمارة أبوظبي بجناح خاص في معرض أوساكا إكسبو عام 1970، وبعد خمسين عاما، شاركت اليابان في معرض إكسبو دبي 2020، الذي شهد مشاركة يابانية واسعة.
فيما يعد التعليم أحد أبرز مرتكزات العلاقات الثنائية بين البلدين فمنذ عام 1978 تم افتتاح أول مدرسة يابانية في دولة الإمارات، توفر خدماتها التربوية للطلبة من مرحلة رياض الأطفال إلى الصف التاسع، وكانت قد بدأت في عام 2009 تدريس مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية والاجتماعيات للطلبة المواطنين الذين انتسبوا للمدرسة إضافة إلى المواد التابعة للمنهاج الوطني الياباني لذا فإن الطلبة المواطنين المنتسبين إلى المدرسة يكتسبون المعرفة بثلاث لغات.
وفي المقابل، يوجد عشرات الطلاب الإماراتيين يدرسون في الجامعات اليابانية ببرامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراه خصوصا في تخصصات الهندسة وتكنولوجيا المعلومات.
aXA6IDE4LjE4OS4xNzAuMjI3IA==
جزيرة ام اند امز