أذربيجان - الدولة المسلمة الوحيدة في منطقة القوقاز، تقع في موقع فريد حيث يتلاقى الدين الإسلامي مع ديانات أخرى. منذ السنوات الأولى لاستعادة استقلالها، حدّدت أذربيجان تعزيز العلاقات مع الدول الإسلامية كأحد الأولويات في سياستها الخارجية.
تستند هذه العلاقات إلى روابط تاريخية ودينية وثقافية، وقد أظهرت في المراحل اللاحقة اتجاهاً ديناميكياً للتطور في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. في هذا السياق، تحظى العلاقات التي تتطور بين أذربيجان ودولة الإمارات العربية المتحدة بأهمية خاصة، فالتعاون بين البلدين، المبني على القيم المشتركة والمصالح المتبادلة، يرتقي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات.
منذ تلك الفترة، تطورت علاقات التعاون بين البلدين بنجاح في مختلف المجالات إلى جانب الحوار السياسي. وحتى الوقت الحاضر، تم توقيع أكثر من أربعين وثيقة ثنائية تشمل مجالات استراتيجية مثل الاجتماعي والاقتصادي، والطاقة، والنقل، والأمن، والسياحة، والطيران، والتجارة، والاتصالات.
الإمارات هي الشريك الرئيسي لأذربيجان في قطاع الطاقة وأكبر شريك تجاري لها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 104.6 مليون دولار أمريكي، ما يمثل زيادة بنسبة 76.1 بالمائة مقارنةً بنفس الفترة من عام 2024. وهذا يدل على أن الحجم الإجمالي للتبادل التجاري قد تجاوز 77.3 مليون دولار. ومن الجدير بالذكر أن لأذربيجان ممثلية تجارية في مدينة دبي منذ عام 2017، وأن "بيت التجارة الأذربيجاني" يعمل هناك منذ عام 2019.
فيما يتعلق بقطاع الطاقة، فإن الانتقال من مصادر الطاقة التقليدية إلى "الطاقة الخضراء" يُعد في الوقت الراهن أحد الأهداف الرئيسية لكلا البلدين. وتتمثل الأولوية الأولى في سياسة أذربيجان في مجال الطاقة في رفع حصة مصادر الطاقة المتجددة إلى 30 بالمائة من القدرة الإنتاجية للكهرباء بحلول عام 2030، وتحويل الأراضي المحررة إلى منطقة "الطاقة الخضراء".
في نوفمبر 2024، استضافت أذربيجان في مدينة باكو، التي تُعد مهد صناعة النفط في العالم، الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، وذلك تأكيداً على الاحترام والدعم الكبيرين اللذين تحظى بهما من المجتمع الدولي. وفي مايو 2023، تقدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة باقتراح استضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف على أراضيها. وبالفعل، استضافت الإمارات، بصفتها واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، المؤتمر في نوفمبر من نفس العام، وأنهته بنجاح.
تجدر الإشارة إلى أن أذربيجان ودولة الإمارات العربية المتحدة تنفذان مشاريع واسعة النطاق في مجال الطاقة. وفي هذا السياق:
في 9 يناير 2020، تم توقيع "اتفاقية تنفيذ" بين وزارة الطاقة في جمهورية أذربيجان وشركة "مصدر"، أكبر شركة في دولة الإمارات العربية المتحدة، لتنفيذ مشاريع تجريبية في مجال الطاقة المتجددة.
في 6 أبريل 2021، تم توقيع اتفاقيات بين وزارة الطاقة الأذربيجانية وشركة "أذر إنرجي المساهمة المفتوحة" وشركة "مصدر" الإماراتية، وذلك في مجالات الاستثمار، وشراء الطاقة، والربط بشبكة النقل الكهربائي.
في 15 مارس 2022، أُقيم حفل وضع حجر الأساس لمحطة "قره داغ" للطاقة الشمسية بقدرة 230 ميغاواط، التي تقوم شركة "مصدر" ببنائها في أذربيجان.
في 26 أكتوبر 2023، أُقيم الحفل الرسمي لافتتاح محطة "قره داغ" للطاقة الشمسية. تُعد هذه المحطة أكبر محطة للطاقة الشمسية في منطقة بحر قزوين وفي رابطة الدول المستقلة. وقد تم بناؤها بتمويل أجنبي بلغت قيمته 262 مليون دولار أمريكي. وهي أول محطة طاقة شمسية على نطاق صناعي يتم تنفيذها في أذربيجان من خلال استثمارات أجنبية.
في 15 يناير 2023، تم في العاصمة أبوظبي توقيع اتفاقيتين للتطوير المشترك بين شركة البترول الوطنية الأذربيجانية وشركة "مصدر" الإماراتية، وذلك لتنفيذ مشاريع طاقة متجددة في جمهورية أذربيجان. تشمل الاتفاقية الأولى تطوير مشاريع لطاقة الرياح البحرية والهيدروجين بقدرة إجمالية تبلغ 2 غيغاواط، في حين تنص الاتفاقية الثانية على تطوير مشاريع للطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح البرية بقدرة 1 غيغاواط لكل منهما.
في نوفمبر 2024، وفي إطار مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، تم توقيع اتفاقية تمويل لبناء محطتي طاقة شمسية بقدرة 445 ميغاواط في بيلاسوفار و315 ميغاواط في مدينة نفتشالا. تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع أكثر من 600 مليون دولار أمريكي، ومن المخطط الانتهاء من أعمال البناء بحلول الربع الأول من عام 2027.
يُجدر التأكيد على الدور البارز الذي تلعبه الزيارات رفيعة المستوى في تطوير العلاقات الثنائية. وفي هذا الإطار، اكتسبت الزيارة الرسمية التي قام بها فخامة رئيس جمهورية أذربيجان، إلهام علييف، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في 15 يناير 2023، بدعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، أهمية خاصة. وخلال الزيارة، تم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي شملت مجالات مختلفة من الاقتصاد، مما أسّس لقاعدة قانونية وسياسية قوية لتوسيع التعاون الثنائي.
إن كون أول رئيس دولة يزور أذربيجان رسميًا في عام 2024 هو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، يُعد دليلاً واضحًا على أن العلاقات بين البلدين تشهد تطورًا مستمرًا وتصاعديًا. ومن الجدير بالتأكيد أن زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الأراضي المحررة في أذربيجان في سبتمبر 2025 سُجّلت في التاريخ كأول زيارة من قبل زعيم عربي إلى هذه المناطق. وقد كانت الزيارة لحظة مهمة وحافلة بالأحداث البارزة لكلا البلدين. ففي المرحلة الأولى من الزيارة، تم توقيع 14 وثيقة بين الجانبين شملت مجالات الطاقة، والنقل، والنيابة العامة، والسياحة، والذكاء الاصطناعي، وبناء السفن، وغيرها من القطاعات.
وفي المرحلة الثانية من الزيارة، اطّلع الرئيسان والوفدان المرافقان لهما على سير أعمال البناء في مسجد "شوشا الجديد". وتجدر الإشارة إلى أن حجر الأساس لهذا المسجد وُضع في عام 2021 من قبل فخامة الرئيس إلهام علييف، ومن المتوقع أن يُشكّل هذا المسجد نموذجًا للعمارة الحديثة في مدينة شوشا التاريخية.
بعد ذلك، قام رئيسا البلدين بزيارة فرع متحف السجاد الوطني في مدينة شوشا. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال فترة الاحتلال، واصل هذا الفرع أنشطته ضمن متحف السجاد الوطني الأذربيجاني في باكو. ويُعرض في المتحف حالياً عدد من القطع التي تم إجلاؤها سابقاً، والتي تعود في غالبيتها إلى القرنين الثامن عشر والعشرين، إلى جانب سجاد ثمين أُضيف مؤخرًا إلى مجموعة الفرع.
في 16 سبتمبر، شاهد فخامة رئيس جمهورية أذربيجان، السيد إلهام علييف، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، عرضاً لخيول قره باغ في سهل جِدر دوزو. وقد أهدى رئيس جمهورية أذربيجان إلى رئيس دولة الإمارات جواداً من سلالة قره باغ يُدعى "أرغوناش" (البطل الشمسي).
يتضح مما سبق أن العلاقات بين جمهورية أذربيجان ودولة الإمارات العربية المتحدة قد تطورت إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد. وهذه العلاقات تستند إلى الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة والرؤية المستقبلية المشتركة، مما يضمن استمرار نموها بشكل مستدام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة