الإمارات لا تعترف بقرار سلطة بورتسودان.. دلالات ورسائل مهمة

رسائل مهمة حملها بيان دولة الإمارات ردًا على سلطة بورتسودان التي تجاوزت فيه كل الأعراف والقيم، محاولة ضرب علاقات الأخوة بين الإمارات والسودان.
وأكدت دولة الإمارات أنها لا تعترف بقرار سلطة بورتسودان، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات، باعتبار أن هذه السلطة لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان وشعبه الكريم.
- الإمارات: لا نعترف بقرار سلطة بورتسودان وحريصون على العلاقة مع السودان وشعبه
- الإمارات: قرار «العدل الدولية» رفض حاسم لمحاولة الجيش السوداني استغلال المحكمة
وأن البيان الصادر عما يسمى مجلس الأمن والدفاع لن يمس العلاقات الراسخة بين دولة الإمارات والسودان وشعبيهما الشقيقين.
سياقات زمنية وموضوعية
فهم بيان دولة الإمارات، يستلزم وضع دائرة ضوء حول ملابسات العلاقات بين دولة الإمارات وسلطة بورتسودان (حكومة الجيش السوداني التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقرًا لها) خلال الفترة الماضية، والمستجدات التي استبقت ذلك القرار غير المسبوق في تاريخ البلدين.
فلم تمضِ ساعات على قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي رفض الدعوى المقدمة ضد الإمارات من قبل سلطة بورتسودان، حتى فوجئ العالم بقرار من تلك السلطة تجاوزت فيه كل الأعراف والتقاليد والقيم.
فقد أعلن ما يسمى بـ«مجلس الأمن والدفاع» – التابع لسلطة بورتسودان – دولة الإمارات العربية المتحدة "دولة عدوان"، وأعلن "قطع العلاقات الدبلوماسية معها".
رغم أنه قرار مستهجن من قبل أبناء الشعبين الإماراتي والسوداني، إلا أنه ليس بغريب عن سلطة دمرت مقدرات الشعب بالتورط في حرب عبثية استمرت أكثر من عامين، ولم تستجب خلالها لدعوات ومبادرات دولة الإمارات والعديد من دول العالم لإنهاء تلك الحرب والبحث عن حل سلمي لحقن دماء أهل السودان.
ولم تكتفِ تلك السلطة بما فعلته في الشعب قتلًا وتجويعًا وتشريدًا وتدميرها لمقدرات وثروات بلاده، بل أخذت تحاول قطع علاقات الأخوة والصداقة مع الدول الصديقة والشقيقة، وعلى رأسها دولة الإمارات، التي لم تتوانَ على مدار 5 عقود في تقديم كل سبل الدعم الإنساني والدبلوماسي والاقتصادي والتنموي للسودان وأهله.
لماذا الإمارات؟
ولكن لماذا تستهدف سلطة بورتسودان دولة الإمارات تحديدا؟
الإجابة بوضوح: نظرًا لرفض دولة الإمارات تلك الحرب العبثية من البداية، وإعلانها بشكل واضح عدم الانحياز لأي من أطرافها، وأنها لم تدعم ولا تدعم ولن تدعم أيًّا من الأطراف المتحاربة، وأكدت أن الشعب السوداني يستحق حكومة يقودها المدنيون تضع مصالحه وأولوياته في المقام الأول.
- انحياز دولة الإمارات للشعب لم يرقْ إلى سلطة بورتسودان واعتبرته انحيازًا ضدها، ولا سيما بعد أن طرقت دولة الإمارات كل الأبواب لنقل رؤيتها لحل الأزمة، من خلال:
- المشاركة في مختلف المحافل الإقليمية والدولية والأممية المعنية بالأزمة.
- التواصل مع كل الأطراف المعنية والشركاء الإقليميين والمجتمع الدولي من أجل إيجاد حل سلمي للصراع سعيًا لوقف التصعيد وإطلاق النار.
وطوال تلك الفترة أكدت الإمارات على:
-أهمية بدء حوار سوداني-سوداني يضم جميع المكونات السياسية وأطراف النزاع ليحقق للشعب تطلعاته في التنمية والأمن والازدهار.
- دعم التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الاقتتال الداخلي.
- معالجة الأزمة الإنسانية الكارثية من خلال تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل للشعب السوداني الشقيق.
- الدعوة لاحترام القانون الدولي الإنساني ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
رؤية شاملة متكاملة أكدت عبرها دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات السياسية السلمية الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان بما يساهم في تعزيز استقراره وأمنه ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء.
تلك الرؤية أعلنت عنها دولة الإمارات مرارًا وتكرارًا في مختلف الفعاليات الدبلوماسية والإنسانية التي شاركت فيها، سواء عبر مجلس الأمن الدولي، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو قمة عدم الانحياز، أو القمة العربية، أو قمة الاتحاد الأفريقي.
أيضًا عبّرت عنها عبر بيانات فردية من وزارة الخارجية الإماراتية، أو بيانات مشتركة مع الدول المعنية بحل الأزمة، مثل تلك الصادرة عن مجموعة «أصدقاء السودان» (دولة الإمارات عضو فيها).
أو البيانات الصادرة عن منصة «متحالفون لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان»، والتي تعد أيضًا الإمارات عضوًا فاعلًا فيها، أو حتى بيانات من عدة دول معنية بحل الأزمة.
افتراءات
جهود دؤوبة وسعي حثيث لحل الأزمة عبر عملية سياسية سلمية، لم تَرُقْ لسلطة بورتسودان، فكان أن سعت - بتحريض من مجموعات سياسية وإعلامية تقودها عناصر «المؤتمر الوطني» (الجناح السياسي لتنظيم الإخوان) - لتشويهها.
افتراءات يُروّجون لها وتستهدف الدور الإماراتي النشيط لحل الأزمة، والزعم بأنها تدعم أحد أطراف الأزمة، في أكاذيب عارية من الصحة.
انحياز دولة الإمارات للشعب لم يَرُقْ إلى سلطة بورتسودان واعتبرته انحيازًا ضدها، فصبّت جهودها منذ وقت مبكر على محاولة تشويه صورة الإمارات وجعلها "عدوًّا وهميًّا" للسودان، فلجأت إلى مجلس الأمن الدولي مرّات عدة زاعمة أن دولة الإمارات تدعم قوات الدعم السريع، فنفت الإمارات مرارًا وتكرارًا – عبر بيانات رسمية في المجلس – تلك الادعاءات وفنّدت أمام المجتمع الدولي ما حاولت سلطة بورتسودان تقديمه للعالم بأنه دليل على مزاعمها.
وتأكد مجلس الأمن الدولي من صدق موقف الإمارات عبر فريق خبراء معني بالسودان، كشف تقرير نهائي أصدره عن زيف ادعاءات الجيش السوداني بحق دولة الإمارات، بشأن دعمها أحد أطراف النزاع.
وبدلًا من أن تتمهّل تلك السلطة وتراجع توجهها، بعد فشلها في تسويق أكاذيبها في مجلس الأمن الدولي، تمادت في افتراءاتها ضد الإمارات، وحملت نفس المزاعم في شكوى قدمتها إلى محكمة العدل الدولية في مارس/آذار الماضي.
وبدأت محكمة العدل الدولية، في 10 أبريل/نيسان الماضي، أولى جلسات نظر الدعوى المرفوعة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات والتي تتهمها فيها دون أي أساس قانوني أو مستند واقعي بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية فيما يتعلق بالهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع السودانية والفصائل المتحالفة معها ضد جماعة المساليت العرقية في غرب دارفور.
ورغم إيمان دولة الإمارات بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى من الناحية القانونية، حيث إنه لا أساس لسلطة المحكمة في هذه القضية، إثر تحفّظ دولة الإمارات على المادة التاسعة من "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" عند التوقيع عليها عام 2005، وهو حق مشروع لسيادة دولة الإمارات، وهو ما أوضحه ممثلو دولة الإمارات خلال الجلسة ذاتها، إلا أنهم آثروا الرد تفصيلًا على كل الادعاءات والأكاذيب التي أعاد ممثلو جيش السودان ترديدها في المحكمة، والتي لم تحمل أي جديد عما ظلوا يرددونه خلال الفترة الماضية، وردّت عليه أيضًا دولة الإمارات في حينه عبر رسائل رسمية إلى مجلس الأمن الدولي تم فيها تفنيد جميع تلك الأكاذيب ودحض صحتها.
وبالفعل – كما سبق أن توقعت الإمارات – قررت محكمة العدل الدولية في لاهاي، الإثنين 5 مايو/أيار الجاري، رفض الدعوى المقدمة من قبل القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات استنادًا إلى الغياب الواضح للاختصاص القضائي، وبناءً على هذا القرار سيتم رفع القضية من سجل المحكمة وإنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بها بشكل رسمي.
وفشلت سلطة بورتسودان مجددًا في محاولة إساءة استخدام سلطة منظمة دولية، بعد أن فشلت قبل ذلك في مجلس الأمن الدولي في إساءة استخدام منصاته، لتوجيه ادعاءات وافتراءات وترويج معلومات مضللة تستهدف:
- تضليل الرأي العام المحلي والدولي
- الإساءة لدولة الإمارات والنيل من مكانتها
- تشويه جهود الإمارات في إطار موقفها المعادي من تنظيم الإخوان – حليف سلطة بورتسودان – منذ أن صنّفته جماعة إرهابية
- سعي تلك الجهات لاستمرار الحرب ورفض أي جهود دولية أو إقليمية لاستئناف عملية التفاوض والتي ستقود حتمًا إلى عملية سياسية تستبعد الإخوان من مستقبل البلاد وتحاكمهم على جرائمهم السابقة
- صرف انتباه المجتمع الدولي عن أعمال العنف التي تُرتكب على الأرض من قبل الأطراف المتحاربة، وسط ارتفاع الأصوات بمحاسبة مرتكبيها، عبر خلق خلافات جانبية مع الإمارات.
بعد فشل سلطة بورتسودان الذريع في تحقيق تلك الأهداف عبر إساءة استخدام المنصات الأممية (مجلس الأمن الدولي – محكمة العدل الدولية)، حاولت مجددًا تحقيق الأهداف ذاتها من جانب ومحاولة صرف الانتباه عن إخفاقاتها المتتالية من جانب آخر، ولكن عبر قرارات محلية تتجاوز فيها كل الأعراف والتقاليد، فأعلن ما يسمى "مجلس الأمن والدفاع" – التابع لسلطة بورتسودان – دولة الإمارات العربية المتحدة "دولة عدوان"، وأعلن "قطع العلاقات الدبلوماسية معها".
سياسة حكيمة
لكن دولة الإمارات، التي اختارت منذ البداية الانحياز للشعب السوداني، والتي انتصر لها المجتمع الدولي والقانون الدولي مرارًا وتكرارًا في مواجهة ادعاءات وافتراءات سلطة بورتسودان، أصدرت بيانًا قطعت فيه الطريق مجددًا على كل محاولات سلطة بورتسودان لتحقيق أهدافها، ولا سيما بعد الإخفاقات المتتالية في المحافل الدولية، وآخرها محكمة العدل في لاهاي، في ظل إصرارها على محاولة تشويه صورتها بتوجيه اتهامات زائفة ومشينة لها، ومحاولة إبعادها عن الشعب السوداني.
صفعة قوية
وأكدت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها «لا تعترف بقرار سلطة بورتسودان، باعتبار أن هذه السلطة لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان وشعبه الكريم، وأن البيان الصادر عن ما يسمى مجلس الأمن والدفاع لن يمس العلاقات الراسخة بين دولة الإمارات والسودان وشعبيهما الشقيقين».
بيان حمل صفعة قوية جديدة لسلطة بورتسودان من دولة الإمارات بما تمثله من ثقة ومكانة إقليمية ودولية، بأنها لا تعترف بسلطة بورتسودان كممثل شرعي للسودان، وأن تلك السلطة لا تستطيع النيل من العلاقات التاريخية بين البلدين، مما يعكس موقف دولة الإمارات الثابت تجاه الشرعية والاستقرار.
وشددت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان لها، على أن قرار سلطة بورتسودان - أحد الطرفين المتحاربين في السودان - بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات، جاء كرد فعل عقب يوم واحد فقط من رفض محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة من قبل سلطة بورتسودان.
رسالة مهمة من دولة الإمارات تضع فيها سلطة بورتسودان في موقف محرج أمام المجتمعين المحلي والدولي، مشيرة إلى أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية جاء كرد فعل بعد رفض محكمة العدل الدولية دعوى سلطة بورتسودان، في محاولة منها لصرف النظر عن فشلها، والتشويش على انتصار القانون الدولي للإمارات.
ورفضت وزارة الخارجية الإماراتية التصريحات «المشينة» الصادرة عن سلطة بورتسودان، التي تُعتبر مناورة للتهرب من مساعي وجهود السلام، وشددت على أن السودان وشعبه الكريم بحاجة إلى قيادة مدنية مستقلة عن السلطة العسكرية، تضع أولويات الشعب الشقيق في المقام الأول، قيادة لا تقتل نصف شعبها وتجوّع وتهجّر النصف الآخر.
مجدداً، تقلب دولة الإمارات الطاولة على سلطة بورتسودان، وتعيد تقديم رؤيتها لحل الأزمة، والتي يقع في قلبها تشكيل «قيادة مدنية مستقلة عن السلطة العسكرية»، مشددة على رفضها استمرار تلك السلطة في إطلاق تصريحات «مشينة» ضد دولة الإمارات.
أخوة وتسامح
وأضافت الوزارة في بيانها أن دولة الإمارات تقف إلى جانب الشعب السوداني، وبشكل خاص الجالية السودانية الكبيرة المقيمة على أرض دولة الإمارات، والزائرين السودانيين، والذين لن يتأثروا بالقرارات الأخيرة.
رسالة أخوة ومحبة يحملها بيان دولة الإمارات لأهل السودان بشكل عام، وللمقيمين في دولة الإمارات بشكل خاص، عبر إعلانها دعمها الثابت للشعب السوداني، خاصة الجالية السودانية المقيمة على أراضيها، مما يبرز التزام دولة الإمارات بتعزيز الروابط الإنسانية والاجتماعية مع الشعب السوداني.
دعم تاريخي يتواصل
وجدد البيان التأكيد على أن دولة الإمارات تُعد في مقدمة دول العالم في دعم السودان على مدى العقود الخمسة الماضية، ولن تتوانى عن تقديم يد العون للشعب السوداني الشقيق.
التزام تاريخي بدعم السودان، منزه عن أي غرض، تعيد الإمارات التأكيد عليه.
وعلى مدار عامين من عمر الأزمة، شكّلت المبادرات والمساعدات الإماراتية، التي بلغت 600.4 مليون دولار، طوق نجاة لملايين المتضررين، حيث بلغ عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات ما يزيد على مليوني شخص، وسط جهود متواصلة لضمان وصول المساعدات إلى 30 مليون سوداني يواجهون خطر المجاعة، بينهم أطفال ونساء.
وبمساعداتها خلال الأزمة، يرتفع إجمالي مساعدات دولة الإمارات إلى السودان على مدار السنوات العشر الماضية إلى أكثر من 3.5 مليار دولار.
فمنذ بداية الأزمة، سيرت دولة الإمارات جسرًا جويًا وبحريًا نقل قرابة 13,168 طنًا من المواد الغذائية والطبية والإغاثية عبر 162 طائرة وعدد من سفن المساعدات.
أيضًا، في إطار الدعم الإنساني والإغاثي والطبي المقدم من دولة الإمارات للاجئين السودانيين المتأثرين بالأوضاع الصعبة التي تسبب بها الصراع في البلاد، أنشأت الإمارات ثلاثة مستشفيات لتوفير الخدمات الطبية للاجئين في دول الجوار، تنفيذًا لتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهما مستشفيان في أمدجراس وأبشي بتشاد، قاما بعلاج 90,889 حالة.
كما افتتحت دولة الإمارات، في 7 مارس/آذار الماضي، مستشفى ثالثًا في منطقة مادول في ولاية بحر الغزال في جنوب السودان، فضلًا عن تقديم الدعم إلى 127 منشأة صحية في 14 ولاية.
aXA6IDMuMTMzLjgzLjEyMyA= جزيرة ام اند امز