«تجار الدم» يفتكون بالسودان.. إحباط الإمارات تهريب أسلحة «يكشف المستور»

لم ينجح الأمن الإماراتي في إحباط محاولة غير مشروعة لتمرير أسلحة لجيش السودان فحسب، بل كشف أيضا المتاجرين بدماء شعب البلد الأفريقي.
شخصيات نافذة في الجيش تتحصل على عمولات وأرباح من تجارة الأسلحة، الأمر الذي يكشف سر حرصهم على استمرار الحرب في السودان، بغض النظر عن تداعياتها الإنسانية الكارثية على الشعب، غير عابئين بالدعوات الدولية المتتالية لبدء حوار بين الأطراف المتحاربة يقود إلى حل سلمي ينهي الحرب المستمرة منذ عامين.
تلاقت مصالح تلك الشخصيات مع جماعة الإخوان، التي تؤجج الحرب عبر رموزها في المؤسسة العسكرية، في إطار حرصهم على استمرار الحرب ورفض أي جهود دولية أو إقليمية لاستئناف عملية التفاوض، التي ستقود حتما لعملية سياسية تستبعد الإخوان من مستقبل البلاد وتحاكمهم على جرائمهم السابقة.
وما بين مصالح المتاجرين بدماء الشعب السوداني والطامحين للعودة للسلطة مجددا، وقع شعب السودان بين فكي رحى، ليدفع ثمن حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.
المتاجرون بدماء الشعب السوداني، التي كشفت الإمارات أسماءهم في القضية التي أحبطتها، كثير منهم سبق أن فرضت دول ومنظمات عقوبات ضدهم بسبب أدوارهم في إطالة أمد الحرب وارتكابهم انتهاكات جسيمة خلالها.
لكل تلك الأسباب، بدلًا من أن يتجاوب النظام السوداني مع مبادرات السلام التي طرحتها دولة الإمارات وغيرها من الدول لوقف الحرب، لجأ إلى تلفيق الافتراءات والادعاءات ضدها أمام المنظمات الدولية.
ادعاءات وأكاذيب يتكشف زيفها تباعا بقرارات أممية ونجاحات أمنية وبدعم دولي وحقوقي وشعبي.
تفاصيل القضية
وكشف النائب العام الإماراتي د. حمد سيف الشامسي، أن أجهزة الأمن في الإمارات تمكنت من إحباط محاولة تمرير كمية من العتاد العسكري إلى القوات المسلحة السودانية، بعد القبض على أعضاء خلية متورطة في عمليات الوساطة والسمسرة والاتجار غير المشروع في العتاد العسكري، دون الحصول على التراخيص اللازمة من الجهات المختصة.
وبين أنه جرى ضبط المتهمين، أثناء معاينة كمية من الذخائر داخل طائرة خاصة، كانت تحمل نحو 5 ملايين قطعة ذخيرة عيار (62×54.7)، من نوع جيرانوف من العتاد العسكري، في أحد مطارات الدولة، بالإضافة إلى ضبط جزء من متحصلات الصفقة المالية بحوزة اثنين من المتهمين داخل غرفهم الخاصة بأحد الفنادق.
وأوضح النائب العام الإماراتي أن التحقيقات كشفت تورط أعضاء الخلية مع قيادات الجيش السوداني، إذ تضم المدير السابق لجهاز المخابرات السوداني صلاح قوش وضابطا سابقا بالجهاز، ومستشار وزير المالية السابق، وسياسيا مقربا من عبدالفتاح البرهان وياسر العطا، وعدداً من رجال الأعمال السودانيين.
وأشار إلى أنهم أتموا صفقة عتاد عسكري شملت أسلحة من نوع (كلاشنكوف)، وذخائر، ومدافع رشاشة، وقنابل، بقيمة تجاوزت ملايين الدولارات، تم تمريرها من الجيش السوداني إلى الشركة المستوردة داخل الدولة، باستخدام طريقة (الحوالة دار) من خلال شركة مملوكة لأحد أعضاء الخلية الهاربين، يعمل لصالح القوات المسلحة السودانية، بالتنسيق مع العقيد عثمان الزبير مسؤول العمليات المالية بالقوات المسلحة السودانية، بعد اصطناع عقود وفواتير تجارية مزورة تثبت -على خلاف الحقيقة - أن الأموال مقابل صفقة استيراد سكر.
وخلصت التحقيقات إلى أن تلك الصفقات تمت بناءً على طلب من لجنة التسليح بالقوات المسلحة السودانية برئاسة عبدالفتاح البرهان، ونائبه ياسر العطا وبعلمها وموافقتها، وبتكليف مباشر لأعضاء الخلية بالتوسط وإتمام الصفقات، بواسطة أحمد ربيع أحمد السيد، السياسي المقرب من القائد العام للجيش السوداني ونائبه ياسر العطا المسؤول عن إصدار الموافقات وشهادات المستخدم النهائي.
وأكدت التحقيقات ضلوع المتهم صلاح قوش، في إدارة عمليات الاتجار بالعتاد العسكري غير المشروع داخل الدولة، بالتعاون مع باقي أعضاء الخلية، حيث تحصلوا على 2.6 مليون دولار كفارق سعر (هامش ربح) عن القيمة الحقيقية للصفقتين، جرى اقتسامها بينهم وبين عدد من معاونيهم.
وتم ضبط حصة المتهم صلاح قوش، من هامش الربح مع المتهم خالد يوسف مختار يوسف، الضابط السابق بجهاز المخابرات السودانية ومدير مكتب صلاح قوش سابقًا.
كما أوضحت التحقيقات أن الشحنة التي تم ضبطها في العملية الأخيرة في أحد مطارات الدولة على متن طائرة خاصة كانت قادمة من دولة أجنبية هبطت للتزود بالوقود، وأعلنت رسمياً أنها تحمل شحنة أدوات طبية، قبل أن يتم ضبط العتاد العسكري تحت إشراف النيابة العامة، وبناءً على أذون قضائية صادرة من النائب العام بالضبط والتفتيش.
وتم ضبط صور العقود الخاصة بالصفقتين، ومستندات الشحن المزورة، والتسجيلات والمراسلات المتبادلة بين أعضاء الخلية.
وكشفت التحقيقات عن وجود عدد من الشركات المملوكة لرجل أعمال سوداني الأصل أوكراني الجنسية، من بينها شركة تعمل داخل الدولة، شاركت في توفير احتياجات الجيش السوداني من أسلحة وذخائر وقنابل وطائرات بدون طيار، بالتعاون مع أعضاء الخلية والمسؤول المالي بالقوات المسلحة السودانية، وهي مدرجة ضمن قوائم العقوبات الأمريكية.
وأكدت التحقيقات الجارية ارتباط مصالح المجموعة المتورطة وما يحققونه من أرباح مالية كبيرة باستمرار حالة الاقتتال الداخلي في السودان.
وأكد النائب العام أن هذه الواقعة تشكل إخلالًا جسيمًا بأمن الدولة، بجعل أراضيها مسرحاً لأنشطة اتجار غير مشروع في العتاد العسكري الموجّه إلى دولة تعاني من اقتتال داخلي، فضلًا عما تنطوي عليه من ارتكاب لجرائم جنائية معاقب عليها قانونًا.
واختتم النائب العام تصريحه بالإشارة إلى أن النيابة العامة تواصل استكمال إجراءات التحقيق مع المتهمين تمهيداً لإحالتهم إلى محاكمة عاجلة، وستعلن النتائج النهائية فور انتهاء التحقيقات.
التجارة بالدم
وما بين تلك التفاصيل، كشفت التحقيقات عن ضلوع المتهم صلاح قوش المدير السابق لجهاز المخابرات السوداني، في إدارة عمليات الاتجار بالعتاد العسكري غير المشروع داخل دولة الإمارات، وبالتعاون مع باقي أعضاء الخلية، حيث تحصلوا على 2.6 مليون دولار كفارق سعر (هامش ربح) عن القيمة الحقيقية للصفقتين، جرى اقتسامها بينهم وبين عدد من معاونيهم.
وأكدت التحقيقات الجارية ارتباط مصالح المجموعة المتورطة وما يحققونه من أرباح مالية كبيرة باستمرار حالة الاقتتال الداخلي في السودان.
تلك التفاصيل تكشف جانبا هاما من أسباب إطالة أمد الحرب لمصالح شخصية لأطراف بعينها تجني أموالا طائلة من تجارة الدم.
عقوبات دولية
أيضا من بين الأسماء الواردة في القضية شخصيات عدة كانوا في مرمى عقوبات دولية صدرت ضدهم خلال الفترة الماضية لدورهم في إطالة أمد الحرب.
وعلى مدار الفترة الماضية، فرضت دول ومنظمات عقوبات على طرفي الصراع في السودان، وهما الجيش وقوات الدعم السريع، بسبب ارتكابهما انتهاكات جسيمة خلال الحرب التي دخلت عامها الثالث.
وكانت أحدث العقوبات قد أعلنت عنها كندا في مارس/آذار الماضي، وشملت قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، ورئيسي جهاز الأمن السوداني السابقين صلاح عبد الله قوش، ومحمد عطا المولى عباس.
وسبقت هذه العقوبات الكندية، عقوبات أمريكية شملت البرهان أيضًا، حيث نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن أربعة مسؤولين أمريكيين أن الجيش استخدم أسلحة كيماوية خلال المعارك.
وفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، عقوبات على البرهان، بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098، الذي ينص على: «فرض عقوبات على أشخاص معينين يزعزعون استقرار السودان ويقوضون هدف الانتقال الديمقراطي».
واتهمت واشنطن القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان بارتكاب "هجمات مميتة على المدنيين، بما في ذلك الغارات الجوية ضد البنية التحتية المحمية، بما فيها المدارس والأسواق والمستشفيات".
أيضًا، على مدار عام 2024، أعلن الاتحاد الأوروبي أكثر من مرة فرض عقوبات على أطراف الصراع في السودان، أحدثها في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وشملت العقوبات مدير الاستخبارات في الجيش السوداني محمد أحمد صبير، ومدير جهاز المخابرات الأسبق صلاح عبدالله قوش.