لم تزل تجربة بناء اتحادنا المبارك تحتفظ بالكثير من الدروس المستفادة، ولم تزل هذه التجربة الكنز الفريد للباحثين والمتخصصين.
لم تزل تجربة بناء اتحادنا المبارك تحتفظ بالكثير من الدروس المستفادة، ولم تزل هذه التجربة الكنز الفريد للباحثين والمتخصصين، بل إن ازدياد توهجها وتألقها عالميا، على الصعد التنموية وغيرها، يدفعنا جميعا إلى إعادة قراءة هذه التجربة بمختلف جوانبها وأبعادها، كون تطور النمو يعني أن هناك أساسا قويا للقيم والمبادئ التي تأسست عليها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي الذكرى السابعة والأربعين للتأسيس نستطيع أن نعيد قراءة بعض السمات الاستثنائية في هذه التجربة الوحدوية الفريدة، ومن ذلك ما ذكره الباحث د. جون ديوك أنتوني، حين تحدث في كتابه "دولة الإمارات العربية المتحدة: القوة الفاعلة في تكوين الدولة"، مشيرا إلى أن تشكُّل الاتحاد دون أي عنف يمثل حدثا استثنائيا في تاريخ التجارب الوحدوية للأمم المستقلة في القرن العشرين، بل يعتبر أن استمرار هذا الاتحاد يمثل أمرا فريدا من نوعه في ظل معطيات العصر آنذاك، حيث صبغت أشكال مختلفة من العنف مسارات انتقال الكثير من الدول من وضعية الأقاليم والمناطق إلى وضعية الدول المستقلة ذات السيادة الوطنية، كما يمتلئ تاريخ نشأة دول جديدة بالحروب الأهلية والصراعات المسلحة، بل نشهد فيها بين فترة وأخرى عمليات انفصال وإعادة تشكُّل ومراوحة بين الفيدرالية والكونفيدرالية في بعض الأحيان، وفي بعض الحالات كانت القوة الغاشمة هي العنوان لتشكّل تجارب وحدة الدول، إذ كان يتم اللجوء إلى هذه القوة بشكل معلن وصريح لإتمام المشروع السياسي، ناهيك عن فشل التجارب الاتحادية بين دولتين عربيتين أو أكثر في القرن العشرين.
كان القائد المؤسس ينزع بالفطرة إلى الوحدة، حيث نجح في إقامة بنى وحدوية مع القرى المجاورة للعين خلال فترة ما قبل الاتحاد، وربما يستغرب الباحثون أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وإخوانه الآباء المؤسسين كانوا يتدارسون التجارب الوحدوية التي سبقتهم خلال محاولاتهم التوصل إلى الشكل السياسي للاتحاد.
والحقيقة أن هذا الأمر لا يعني بالمقابل أن مسألة تشكُّل اتحاد دولة الامارات كانت يسيرة وبسيطة، بل على النقيض من ذلك تماما، فقد واجهتها الكثير من التحديات المعقدة والعراقيل الصعبة، وهنا كان لشخصية القائد المؤسس، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- الدور الأبرز في تذليل تلك الصعوبات وتفكيكها والتغلب عليها وتجاوزها، ويكفي أن الباحثين يتفقون على أن شعب الإمارات كان محظوظا بوجود القائد الوحدوي المناسب في الزمان والمكان المناسبين، ويشير البعض منهم إلى السمات الفريدة للقيادة التي توافرت في القائد المؤسس، سيما ما يتعلق بمهارات التفاوض وحكمة التوصل إلى توافق وإجماع وتفاهمات حول بعض النقاط الخلافية، إذ كانت مثل هذه المهارات نادرة في بيئة كانت تندلع فيها الصراعات والأزمات لأسباب بسيطة للغاية، وتلك مسألة يسجلها التاريخ المعاصر في تناوله لتاريخ العرب.
هذه المهارات لم تأت من فراغ، حيث يسجل الباحثون والمؤرخون أن القبائل العربية الكبرى في منطقة الجزيرة العربية كانت تمتلك أنماط علاقات شبيهة بالاتحاد الكونفيدرالي، ولكن العلاقات بين هذه القبائل كانت غير رسمية وفضفاضة، بحيث لا يمكن اختبار عناصر الوحدة في أي منها، ولكن كان يمكن استخلاص بعض العبر والدروس من مثل هذه النماذج من قِبَل من يمتلك الحكمة والوعي الفطري من بين شيوخ هذه القبائل، وهكذا كان المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، طيب الله ثراه، حيث كان يستوعب جيدا دروس البيئة المحيطة، واستفاد من ذلك كثيرا خلال فترة حكمه للعين طيلة نحو عقدين من الزمن، كانا بمنزلة "المختبر السياسي" الذي ترعرعت فيه مهارات القيادة، واستكملت الكاريزما مقوماتها وبنيتها التي أبهرت العالم بعد ذلك.
كان القائد المؤسس ينزع بالفطرة إلى الوحدة، حيث نجح في إقامة بنى وحدوية مع القرى المجاورة للعين خلال فترة ما قبل الاتحاد، وربما يستغرب الباحثون أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وإخوانه الآباء المؤسسين كانوا يتدارسون التجارب الوحدوية التي سبقتهم خلال محاولاتهم التوصل إلى الشكل السياسي للاتحاد، فيدرالي أو كونفيدرالي، حيث كان الفشل يفوق بمراحل التجارب الناجحة، التي كانت تمثل استثناءا نادرا في التاريخ السياسي العربي.
لم يكن بناء دولة الاتحاد سهلا ولا قرارا بسيطا في ضوء تعقيدات المشهد السياسي والاستراتيجي في شبه الجزيرة العربية خلال ستينيات القرن العشرين، بل كان الأمر أشبه بالمشي فوق خيوط مشدودة للغاية، ولكن مهارات القيادة والوعي الاستراتيجي الفطري للقائد المؤسس قد لعب الدور الحاسم في هذه المسألة، لذا فإن القول بأن وجود حكيم العرب، طيب الله ثراه، في الزمان والمكان المناسبين هو بمنزلة منحة إلهية لشعب الإمارات.
رحم الله القائد المؤسس وإخوانه الآباء المؤسسين، وأطال الله في أعمار قادتنا، حفظهم الله جميعا، وحفظ إمارات الخير وشعبها ذخرا لأمتها وسندا وعونا للبشرية جميعا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة