حراك دبلوماسي واسع.. الإمارات تكثف جهودها لإنهاء حرب السودان
مباحثات إماراتية مع قادة ومسؤولين من أمريكا وأوروبا وأفريقيا خلال الأيام الماضية، ضمن حراك دبلوماسي وإنساني مكثف لإنهاء الحرب بالسودان.
حراك عابر للحدود والقارات، تخللته بيانات ودعوات وتصريحات إماراتية ترسم الطريق نحو "مسار موثوق يقود إلى سودان آمن وموحد وقابل للحياة"، أولى خطواته هي "وقف إطلاق النار فورا وبغير شروط ".
ودعت الإمارات إلى التنديد بمحاولات معرقلي هذا المسار، وعلى رأسهم قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان الذي رفض كل المساعي الرامية إلى إحلال السلام، وأحدثها رفضه لخطة السلام الأمريكية.
والأحد، ظهر البرهان في خطاب أمام كبار الضباط في أم درمان غرب العاصمة الخرطوم، معلناً رفضه خطة أمريكية لإنهاء الحرب في السودان وتسليم السلطة للمدنيين.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أكد الشهر الجاري عزمه العمل على وضع حد للحرب المستعرة في السودان منذ أبريل/نيسان 2023، بطلب من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي خلال زيارته لواشنطن.
وفي أعقاب إعلان ترامب، أكد مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية والعربية، مسعد بولس، أن لدى بلاده مقترحاً مفصلاً للحل يمكن أن يشكل خارطة طريق لإنهاء النزاع، مبيناً أن هذا المقترح يرتكز على وقف النار وإيصال المساعدات الإنسانية، إضافة إلى الدعوة لحوار وطني شامل.
كذلك يتضمن المقترح سبل إعادة الإعمار بعد الحرب، وآليات إعادة هيكلة الحكم في البلاد.
وقال البرهان الأحد إن ما طرح عبر المبعوث الأمريكي مسعد بولس هو "أسوأ ورقة يتم تقديمها".
غداة إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان رفضه مقترحا دوليا بالهدنة، أعلنت قوات "الدعم السريع" السودانية الإثنين هدنة إنسانية من طرف واحد تستمر ثلاثة أشهر.
وما بين تباين مواقف أطراف الصراع في السودان، يستمر حراك الإمارات لإنهاء الأزمة في إطار انحياز دولة الإمارات المطلق للشعب السوداني، عبر دعم أي حل سياسي سلمي، يُسكت أزيز الرصاص ويحفظ وحدة البلد الأفريقي، ويعيد الاستقرار والأمن والسلام إلى أراضيه، ويحقق تطلعات شعبه في التنمية والرخاء.
دعم الخطة الأمريكية
ضمن أحدث تلك الجهود، استقبل الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، الإثنين في العاصمة الإماراتية أبوظبي، مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية والعربية.
جرى خلال اللقاء بحث مجمل الأوضاع الإقليمية الراهنة، وفي مقدمتها التطورات المأساوية للحرب الأهلية في السودان، وسبل تعزيز الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لإنهاء الأزمة بما يسهم في حماية أرواح المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إليهم دون عوائق.
وثمن الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان خلال اللقاء مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق الأمن والاستقرار المستدام في السودان.
وأكد على ما يلي:
- دعم دولة الإمارات للمساعي الأمريكية لإنهاء الأزمة.
- دعم دولة الإمارات لجميع الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى التوصل إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، بما يسهم في إنهاء معاناة الشعب السوداني الشقيق.
- دعم دولة الإمارات التطلعات المشروعة للشعب السوداني إلى الأمن والاستقرار والحياة الكريمة.
- دعم دولة الإمارات للمسار السياسي بقيادة مدنية لحل الأزمة.
- ضرورة بذل كل جهد ممكن لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عامين.
جاءت تلك المباحثات بعد نحو يومين من مباحثات هاتفية، أجراها الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، مع ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، جرى خلاله بحث التطورات المأساوية في الحرب الأهلية في السودان ، وأهمية التوصل إلى وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار، والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين دون عوائق.
ورحب خلالها بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الداعية إلى وقف الاعتداءات المروعة التي تُرتكب بحق المدنيين خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عامين، وكذلك بقيادته الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في السودان.
نداءان في 48 ساعة
تخلل تلك المباحثات، توجيه الإمارات أكثر من نداء عبر أكثر من مسؤول لوقف إطلاق النار فورا وبغير شروط لإنهاء الحرب الأهلية في السودان، أحدثها أصدرته الإثنين، ريم بنت إبراهيم الهاشمي وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي، وذلك بعد يومين من نداء مماثل وجهه الدكتور أنور محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، السبت.
الهاشمي وضعت إضاءة أمام العالم لمن يحاول عرقلة جهود السلام في السودان، عبر رفضه كل خطط السلام المتعاقبة .
وقالت في هذا الصدد "إن الفريق البرهان يرفض مرة أخرى، كل المساعي الرامية إلى إحلال السلام".
وبينت "من خلال رفضه لخطة السلام الأمريكية للسودان، ورفضه المتكرر للقبول بوقف إطلاق النار، يُظهر باستمرار سلوكًا مُعرقلًا، يجب التنديد به، إذ يظل الشعب السوداني هو من يتحمّل الثمن الأكبر في هذه الحرب الأهلية".
وحذرت الوزيرة الإماراتية من أن الأمم المتحدة تصف الوضع القائم بأنه من أسوأ المآسي الإنسانية في التاريخ الحديث، إذ يتم استخدام وصول المساعدات كسلاح، وتجويع المدنيين بشكل متعمّد.
وأكدت أن دولة الإمارات تتابع بقلق بالغ سلوك طرفي النزاع، حيث يقود تصعيدهما العسكري ورفضهما المتكرر لتيسير وصول المساعدات الإنسانية السودان إلى حافة الانهيار.
وشددت على ضرورة "إعادة إرساء مسار موثوق يقود إلى سودان آمن وموحد وقابل للحياة"، وبينت أن الطريق إلى هذا المسار يمر عبر ما يلي:
- وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار لإنهاء الحرب الأهلية.
- توحيد الجهود الإقليمية والدولية لوضع حد للفظائع المرتكبة ضد المدنيين.
وأعلنت ترحيب بلادها بجهود الرئيس دونالد ترامب لمنع انزلاق السودان نحو التطرّف والتفكك، والحيلولة دون تفاقم الكارثة الإنسانية.
بدوره، أكد الدكتور أنور محمد قرقاش، أنّ الحرب الأهلية المأساوية في السودان لابد أن تتوقف فورًا.
وقال في تدوينة عبر حسابه على موقع "إكس" إن البلد انزلق إلى حافة الهاوية عندما أقدم طرفا الصراع على تقويض الحكومة المدنية الشرعية، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الأزمة وتعميق معاناة الشعب السوداني .
وشدد على أن الحفاظ على وحدة السودان ومنع عودة أي تيارات متطرفة، بما فيها جماعات مرتبطة بالإخوان المسلمين، يشكّل أولوية أساسية للأمن الإقليمي والاستقرار العربي.
ونوه إلى أنّ الطريق واضح أمام المجتمع الدولي والأطراف السودانية على حدّ سواء وهو :
-وقفٌ فوري لإطلاق النار.
- محاسبة شاملة عن الانتهاكات التي ارتكبها الطرفان.
- ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا قيود.
- الشروع في انتقال سياسي موثوق يقود إلى حكومة مدنية مستقلة تعبّر عن تطلعات الشعب السوداني.
جولة أفريقية
أيضا تصدرت الأزمة السودانية مباحثات أجراها الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير الدولة الإماراتي، خلال جولة أفريقية قبل نحو أسبوع زار خلالها الكونغو الديمقراطية وأنغولا.
وأجرى الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان محادثات مع فيليكس أنطوان تشيسيكيدي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، تناولت التطورات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وفيما يتعلق بالسودان، أدان الجانبان الهجمات على المدنيين التي يشنها طرفا النزاع في الفاشر وفي جميع أنحاء السودان، وطالبا الطرفين المتحاربين بحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني.
كما أكدت دولة الإمارات والكونغو الديمقراطية أن المسؤولية الرئيسية لإنهاء الحرب الأهلية تقع على عاتق سلطة "بورتسودان" وقوات الدعم السريع، مشددين على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة، وضرورة وقف استخدام الغذاء والمساعدات كسلاح ضد المدنيين.
وأكد الجانبان أن مستقبل السودان لا يمكن أن تُمليه الجماعات المتطرفة التي تنتمي أو ترتبط بشكل وثيق بجماعة الإخوان المسلمين والتي أدى نفوذها إلى زعزعة الاستقرار بالمنطقة.
ورحب الجانبان بجهود المجموعة الرباعية، التي تضم الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، الذين أكدوا أهمية التوصل إلى هدنة إنسانية تمهّد لوقف دائم لإطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة دون عوائق إلى كافة أنحاء السودان، والانتقال إلى حكومة مستقلة بقيادة مدنية لا تخضع لسيطرة الأطراف المتحاربة والشبكات المتطرفة.
كما اتفق الجانبان على التواصل بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لدعم الجهود الجماعية، ضمن إطار عمل مجموعة الرباعية بهدف إنهاء الحرب الأهلية وإعادة السلام والاستقرار والوحدة إلى السودان.
أيضا التقى الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، مع جواو مانويل لورينسو، رئيس جمهورية أنغولا في العاصمة لواندا، وتم خلال اللقاء بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية، بما في ذلك التطورات في السودان.
و أدان الجانبان جميع الانتهاكات ضد المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، و دعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وحماية المدنيين، والمحاسبة على الجرائم المرتكبة.

الإمارات وأوربا.. حراك إنساني
وإلى جانب الحراك الدبلوماسي الإماراتي الإماراتي المتواصل، واصلت الإماراتي جهودها الإنسانية للتخفيف من تداعيات الأزمة.
والتقت ريم الهاشمي، وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي، ببروكسل في 19 نوفمبر/تشرين الثاني مع حاجة لحبيب، المفوض الأوروبي لشؤون المساواة والتأهب وإدارة الأزمات.
وأكد الجانبان خلال الاجتماع على الالتزام المشترك لدولة الإمارات والاتحاد الأوروبي بتعميق التعاون الثنائي وعزمهما على تخفيف المعاناة الإنسانية حول العالم.
وشددت الهاشمي على نهج دولة الإمارات الثابت في تقديم المساعدة لكافة المناطق، والذي يستند إلى قيم التضامن والكرامة الإنسانية، وعلى التزامها الراسخ بتخفيف المعاناة.
وأعرب الجانبان عن قلقهما العميق إزاء الحرب الأهلية المأساوية في السودان، والتي تشهد تصاعداُ مستمراً للمجاعة والتهجير الجماعي والعنف.
وأكدت الهاشمي أن دولة الإمارات – وهي الدولة الثانية عالمياً في تقديم المساعدات للسودان بعد الولايات المتحدة – قد قدمت ما يزيد على 784 مليون دولار أمريكي من المساعدات الإنسانية منذ اندلاع الحرب الأهلية.
وأكد الطرفان على أهمية إيصال المساعدات دون عوائق، وعلى ضرورة الوقف الفوري لاستخدام المساعدات سلاحاً ضد المدنيين أو لأغراض سياسية.

ملحمة دبلوماسية وإنسانية
تأتي تلك الجهود ضمن حراك دبلوماسي وإنساني عابر للحدود والقارات انطلق منذ بداية الأزمة في أبريل/نيسان 2023، وتواصل على مدار 31 شهر، دعمًا لأي حل سياسي سلمي في السودان.
وكانت دولة الإمارات عضوا فعالا في مختلف الآليات الدولية التي تم تشكيلها لمعالجة الأزمة، بدءا من منصة «متحالفون لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان»، وصولا إلى المجموعة الرباعية التي تعمل على إنهاء الصراع وتهيئة الظروف للحوار.
ويتوافق التوجه الإماراتي لحل الأزمة بشكل كامل مع خارطة طريق الرباعية الدولية، التي تضع السودان وكرامة شعبه في صدارة أولوياتها، وتؤكد أن الحل السياسي المدني الشامل، هو الطريق الوحيد لإنهاء الصراع المستمر.
وتكشف التطورات المتلاحقة ومبادرات وخطط السلام المتتالية أن صوت السلام الذي رفعته دولة الإمارات عاليا، أصبح مدعومًا بإرادة دولية وإقليمية قوية، ويضع الأسس لعملية انتقالية شفافة وقيادة مدنية قادرة على إعادة السودان إلى طريق الوحدة والاستقرار والكرامة لشعبه.