الإمارات واليابان.. "شراكة استراتيجية شاملة" تعزز العلاقات المتنامية
توقيع اتفاقية "شراكة استراتيجية شاملة" بين الإمارات واليابان يأتي تتويجا للعلاقات المتنامية بين البلدين على مدار نصف قرن.
إطلاق الاتفاقية جاء خلال لقاء جمع الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي، وفوميو كيشيدا، رئيس وزراء اليابان، قبل يومين.
قبل أن يتم الإعلان اليوم الأربعاء عن توقيع الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، مبعوث الإمارات الخاص إلى اليابان ويوشيماسا هاياشى وزير الخارجية الياباني على وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
يأتي إطلاق هذه الاتفاقية، تزامناً مع الاحتفال بمرور 50 عاماً على العلاقات الدبلوماسية المتينة بين البلدين الصديقين، تأكيداً على أهمية تعزيز أواصر التعاون المشترك بين دولة الإمارات واليابان في مختلف المجالات، بدعم ورعاية قيادة البلدين بما يحقق تطلعات الشعبين إلى مزيد من الازدهار والتقدم والنماء، وتعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي.
وتهدف اتفاقية الشراكة الاستراتيجية إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بما يخدم المصالح المشتركة، وذلك من خلال تشجيع المزيد من المشاركات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والتجارية وتشجيع الاستثمار في كلا البلدين.
وتشمل المجالات الرئيسية للشراكة التعاون في المجال السياسي والدبلوماسي بما في ذلك التعاون الثنائي، ومتعدد الأطراف إضافة إلى التعاون في مجال تقديم المساعدات الإنمائية والإنسانية، والتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والطاقة والصناعة عبر تعزيز بيئة الأعمال للتجارة والاستثمار في كافة القطاعات، مثل الصناعة والتكنولوجيا، والبنية التحتية والذكاء الإصطناعي والرعاية الصحية، والشركات الصغيرة والمتوسطة وغيرها من المجالات ذات الأولوية، بالإضافة إلى مجالات الزراعة والبيئة والتغير المناخي، والتعليم والعلوم والتكنولوجيا، والدفاع والأمن.
وبالتزامن مع توقيع الاتفاقية، أعلنت اليابان عن إعفاء مواطني دولة الإمارات من متطلبات تأشيرة الدخول إليها لحاملي جوازات السفر العادية، على أن يتم الإعلان عن تاريخ بدء سريان الإعفاء خلال الفترة المقبلة.
خطوة هامة تأتي ثمرة لجهود الدبلوماسية الإماراتية تحت إشراف الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وأن هذه الخطوة تساهم في تسهيل التعاون والتنقل، كما ستشجع زيادة التبادلات السياحية والثقافية والأكاديمية، إضافة إلى إيجاد فرص تعاون جديدة لإقامة الأعمال والتجارة والاستثمار.
مباحثات وزيارات
إطلاق اتفاقية الشراكة الاستراتيجية جاء خلال زيارة هامة يقوم بها الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي، لليابان، تضمنت برنامجا حافلا ومثمرا، يعزز العلاقات بين البلدين.
وخلال الزيارة، التقى الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، فوميو كيشيدا، رئيس وزراء اليابان.
وتم خلال اللقاء إطلاق اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين دولة الإمارات واليابان والتي تم الإعلان عنها عام 2018 خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي إلى دولة الإمارات.
أيضا التقى الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، حاكمة طوكيو "يوريكو كويكي"، تعزيزاً للعلاقات الاستراتيجية بين دولة الإمارات واليابان.
كما ترأس الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، وفد الدولة المشارك في مراسم تشييع جنازة رئيس الوزراء الياباني السابق "شينزو آبي" في العاصمة اليابانية طوكيو بحضور عدد من قادة وزعماء دول العالم.
تأتي زيارة الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان وإطلاق اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بعد نحو أسبوعين من مباحثات هاتفية بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات وفوميو كيشيدا رئيس وزراء اليابان، هي الثانية منذ مارس/آذار الماضي، تم خلالها بحث مختلف أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وتوسيع آفاقها.
وتبادل الجانبان - خلال الاتصال - وجهات النظر بشأن عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وسبل دعم أسس السلام والتعاون في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وتطرق الاتصال إلى استضافة دولة الإمارات الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ /كوب 28/ عام 2023، وأهمية هذا المؤتمر في دفع التعاون الدولي في مواجهة خطر التغير المناخي.
وسبق أن شارك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس وزراء اليابان في "منتدى الاقتصادات الرئيسية الخاص بالطاقة وتغير المناخ" الذي دعا إليه جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية 18 يونيو/حزيران الماضي وأقيم عن بعد.
وشهدت الفترة الماضية تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، ففي يونيو/حزيران الماضي أجرى الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، زيارة عمل إلى اليابان، أجرى خلالها عدداً من اللقاءات رفيعة المستوى مع مسؤولين في الحكومة اليابانية ورؤساء الشركات ركزت على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة والصناعة ودفع فرص النمو منخفض الانبعاثات.
وفي 20 مارس/آذار الماضي، استقبل الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي نظيره الياباني يوشيماسا هاياشى في أبو ظبي.
وجرى خلال اللقاء، بحث العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيز آفاق التعاون المشترك في المجالات كافة.
وبحث الجانبان الأوضاع في المنطقة والقضايا ذات الاهتمام المشترك إضافة إلى المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية ومنها التطورات في أوكرانيا وأهمية تعزيز الجهود العالمية المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة.
علاقات تاريخية
لقاءات ومباحثات تتوج العلاقات الثنائية التي تربط بين دولة الإمارات واليابان في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية.
وتعد اليابان من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية متينة مع دولة الإمارات وذلك منذ عام 1971، وتكللت بافتتاح سفارة الإمارات بطوكيو في ديسمبر/كانون الأول 1973 وسفارة اليابان في أبوظبي شهر أبريل/نيسان 1974.
ومثلت الزيارة التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى اليابان خلال عام 1990، منعطفاً تاريخياً في مسار العلاقات الثنائية وأسهمت في وضع الأسس الراسخة التي تقوم عليها هذه العلاقات اليوم.
وفي تصريحات سابقة، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن العلاقات بين دولة الإمارات واليابان متجذرة وعميقة وشهدت قفزات نوعية مهمة في مجالات التجارة والطاقة والاستثمار والتكنولوجيا والفضاء والتعليم وغيرها، خلال العقود الماضية.
وأشار إلى أن ما يكسب العلاقات بين الإمارات واليابان أهمية خاصة أنهما تعبران عن نموذجين تنمويين بارزين على المستويين الإقليمي والعالمي وتتفقان في منظومة القيم الحضارية الداعية إلى التسامح والتعايش والحوار ونبذ التطرف والإرهاب والكراهية والعنصرية أياً كان مصدرها.
بلغة الأرقام، تُعد دولة الإمارات عاشر أكبر شريك تجاري لليابان على مستوى العالم، وذلك وفقاً لإحصائيات عام 2021، وأكبر شريك استراتيجي لليابان في مجال الطاقة، حيث تستورد أكثر من 20% من احتياجاتها النفطية من الإمارات.
وقد بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين في عام 2021 أكثر من 49 مليار درهم، ليستمر في الانتعاش خلال النصف الأول من عام 2022 ويرتفع إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19، حيث بلغ حوالي 25.7 مليار درهم، محققاً نمواً بنسبة 2.7% مقارنة مع النصف الأول من عام 2021.
كما تحتضن الإمارات أكثر من 340 شركة يابانية تعمل في مختلف القطاعات بما في ذلك قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والنقل والرعاية الصحية والبنية التحتية والصناعة، وتجاوزت قيمة الاستثمارات اليابانية في الدولة 14 مليار دولار.
وشهدت الفترة الماضية المزيد من التعاون الاقتصادي بين دولة الإمارات واليابان، وذلك بعد إبرام "أدنوك" اتفاقية دراسة مشتركة مع ثلاث شركات يابانية هي إنبكس كوربوريشن /إنبكس/، و"جيرا"، و"المؤسسة الوطنية اليابانية للنفط والغاز والمعادن" لاستكشاف الإمكانات التجارية لإنتاج الأمونيا الزرقاء في دولة الإمارات.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، اتفقت دولة الإمارات واليابان على التعاون في مجال وقود الأمونيا وتقنيات إعادة تدوير الكربون، وذلك في أعقاب توقيع اتفاقية تعاون بين "أدنوك" ووزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية.
وفي يونيو/حزيران الماضي، تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" وشركة "ميتسوي وشركاه المحدودة" /ميتسوي/ تنضم بموجبها "ميتسوي" شريكاً إلى جانب "فيرتيجلوب" و"جي إس إنرجي" في تطوير المنشأة عالمية المستوى لإنتاج الأمونيا الزرقاء منخفضة الكربون ضمن "منطقة تعزيز للصناعات الكيماوية"، المشروع المشترك بين "أدنوك" و"القابضة" /ADQ/ في الرويس بأبوظبي.
ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في ترسيخ ريادة دولة الإمارات في مجال الوقود منخفض الكربون من خلال الاستفادة من الطلب العالمي على الأمونيا الزرقاء كوقود حامل للهيدروجين النظيف.
ويتوقع أن يبدأ مشروع إنتاج الأمونيا الزرقاء عالمي المستوى عمليات الإنتاج في عام 2025 بطاقة إنتاجية تبلغ حوالي مليون طن سنوياً.
أيضا يرتبط البلدان بعلاقات تعاون وثيقة في مجال علوم الفضاء وشهد شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018 إطلاق القمر الصناعي الإماراتي "خليفة سات" إلى الفضاء الخارجي من المحطة الأرضية في مركز "تانيغاشيما" الفضائي في اليابان على متن الصاروخ H-IIA في إنجاز دشنت به الإمارات عهد التصنيع الفضائي الكامل.
أيضا يشكل "مسبار الأمل" نموذجا مميزا للشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات واليابان وما شهدته العلاقات بين البلدين الصديقين من تطور مستمر وقفزات نوعية في المجالات كافة.
وتم إطلاق مسبار الأمل إلى كوكب المريخ من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان يوم 20 يوليو/تموز 2020.
ويواصل "مسبار الأمل" الإماراتي، أول مسبار عربي وإسلامي يصل إلى مدار كوكب المريخ، مهمته العلمية لجمع معلومات وبيانات لم تتوصل إليها البشرية من قبل.
وقدم "مسبار الأمل" منذ وصوله إلى مدار كوكب المريخ في 9 فبراير/شباط 2021 مساهمات علمية غير مسبوقة ومعلومات هي الأولى من نوعها حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر في أوقات مختلفة.