دعما لفلسطين واستقرار المنطقة.. الإمارات تتمسك بالسلام والتنمية
ثمة مبادئ ومحددات رئيسية ترسم ملامح سياسة الإمارات الخارجية، من أبرزها تبني السلام والتنمية كخيار استراتيجي لدعم الاستقرار والازدهار.
ومع تبنيها هذا الخيار، كانت تدرك الإمارات جيدا أن الطريق إلى تحقيق الاستقرار والازدهار والتنمية في المنطقة بشكل عام، لن يتم دون تصفير خلافات وحل أزمات المنطقة، وعلى رأسها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
إضاءة مطلوبة
وبعد عقود من الصراع، لم تسفر عن أي تقدم على أرض الواقع نحو حل تلك القضية، لجأت الإمارات إلى مقاربة جديدة ضمن خياراتها الاستراتيجية التي تحدد ملامح سياستها الخارجية، وأخذت زمام المبادرة بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، مع تأكيدها أن تلك المعاهدة لم ولن تكون على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وإنما توظفها دولة الإمارات العربية المتحدة دائما لدعم حقوق الشعب الفلسطيني.
عندما لجأت الإمارات إلى هذا الخيار كانت تدرك جيدا أن الطريق إلى تحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة بين إسرائيل وفلسطين ليس مفروشا بالورود، كما أنه لن ينتج عنه حلول سريعة، وأن هناك أطرافا من كلا الجانبين ستتآمر وتضع العراقيل في طريق السلام لاستمرار وتأجيج الصراع، ومحاولة إفشال أي خطوات جدية لنشر السلام والاستقرار بالمنطقة، عبر استفزازات وقرارات وسياسات تحاول تأجيج الصراع.
لكن السياسة الحكيمة لدولة الإمارات ضيعت الفرصة على هؤلاء، عبر تمسكها بخيار السلام والتنمية كخيار استراتيجي لدعم الاستقرار والازدهار بالمنطقة، وعدم الانجراف وراء تلك الاستفزازات والسياسات بقرارات متسرعة.
دعم المسارين
على العكس تماما، سارت الإمارات في المسارين معا السلام والتنمية وجعلت كلا منهما يدفع الآخر، في تحقيق المزيد من المكاسب والفوائد لصالح المنطقة بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص.
ففي الوقت الذي كانت تمض فيه الإمارات قدما لتعزيز العلاقات مع إسرائيل لصالح تنمية وازدهار البلدين والمنطقة، تحركت في مجلس الأمن الدولي باعتبارها عضوا غير دائم به وتمكنت أكثر من مرة من الانتصار للقضية الفلسطينية، من أبرزها في 21 فبراير/شباط الماضي عندما تمكنت من اقتناص نصر حيوي للقضية الفلسطينية من داخل مجلس الأمن الدولي باعتماده بياناً رئاسياً يعارض الإجراءات أحادية الجانب التي تعرقل عملية السلام في الأرض الفلسطينية، ويؤكد التزامه بحل الدولتين.
قبل أن تعود مجددا في المجلس ذاته يوم 22 مارس/آذار الماضي وتوجه رسائل قوية لدعم القضية الفلسطينية وضعت من خلالها خارطة طريق لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على المدى القصير والطويل، من خلال رؤية واضحة شاملة تحمل كل طرف مسؤولية سياساته وأفعاله بشفافية مطلقة، وتدعو إلى خلق بيئة تتيح إعادة إطلاق عملية سلام جدية وذات مصداقية.
مواقف سياسية متتالية تخللها موقف إنساني هام، عبر توجيه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في 16 مارس/آذار الماضي بتقديم 3 ملايين دولار لدعم إعادة إعمار بلدة حوارة الفلسطينية.
جاءت هذه المبادرة بعد نحو 3 شهور من تسلم قطاع غزة أكبر قافلة مساعدات طبية، تضم أدوية ومستلزمات طبية ضرورية، بتبرع سخي من دولة الإمارات.
ووصلت القافلة، التي تضم أكثر من 85 طنا من الأدوية والمستلزمات الطبية بتكلفة 10 ملايين دولار عبر شاحنات ضخمة، من خلال معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر.
وجاء إرسال القافلة الطبية لغزة بعد نحو شهر من قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بتوقيع اتفاقية تعاون مع منظمة الصحة العالمية، لدعم مستشفى المقاصد الذي يعد أكبر مستشفى أهلي خيري تعليمي في القدس الشرقية بـ25 مليون دولار، تنفيذاً لتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
أيضا لم تخل علاقات الإمارات مع إسرائيل دون اتخاذ مواقف قوية مساندة للقضية الفلسطينية، وأصدرت في أكثر من مرة بيانات إدانة شديدة اللهجة رفضا لمواقف وسياسات من أطراف إسرائيلية.
إلا أن تلك المواقف القوية الصادقة المساندة للقضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة السياسية والإنسانية والدبلوماسية، لم تجعل الإمارات أيضا تتخلى عن خيار السلام.
ضمن هذا الإطار يمكن فهم لماذا أصدرت الإمارات بيانا يوم 26 مارس/آذار الماضي أدانت فيه بشدة قرار إسرائيل السماح بإعادة الاستيطان وطرح عطاءات وحدات استيطانية جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي اليوم التالي تم توقيع اتفاقية تعاون جمركي لتفعيل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين دخلت حيز التنفيذ مطلع أبريل/نيسان الجاري.
وتستهدف اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تم توقيعها 31 مايو/أيار الماضي توطيد العلاقات التجارية والاستثمارية وتحفيز التجارة البينية غير النفطية بين البلدين وصولاً إلى 10 مليارات دولار سنوياً في غضون الأعوام الخمسة المقبلة.
ويتوقع أن يسهم توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولتي الإمارات وإسرائيل، في تصنيع منتجات أفضل وتقديم خدمات نوعية بسعر أقل، والمساهمة في زيادة المنافسة، بما سيؤدي إلى خفض تكاليف المعيشة ورفع مستوى جودة السلع والخدمات، وصولا لمستقبل اقتصادي أفضل للبلدين.
وتأمل الإمارات بتعزيز مكاسب الاتفاق الإبراهيمي للسلام وإضافة مكاسب جديدة تصب في صالح دعم الأمن والاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة مع حلول الذكرى الثالثة لتوقيعه في 15 سبتمبر/أيلول عام 2023، بعد أن نجحت بذلك بالفعل خلال العلاقات الثنائية مع إسرائيل.
اتفاقية جديدة تثبت نجاح معاهدات السلام بتوفير مظلة للتعاون العلمي والاقتصادي والتنموي بما يصب في صالح شعوب المنطقة والبشرية.
تلك المظلة توظفها الإمارات دائما في صالح دعم أمن واستقرار وازدهار المنطقة، وتفتح من خلالها بابا واسعا لدعم القضية الفلسطينية وخفض التصعيد والدفع باتجاه حلول عملية لإنهاء الصراع بدلا من إدارته بالتعاون مع أشقائها العرب والشركاء الدوليين كافة.
رسائل هامة
وهي رسالة أكد عليها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، خلال الاتصال الهاتفي، الذي تلقاه الثلاثاء، من بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل جرى خلاله بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على العلاقات الثنائية، واصفاً العلاقة مع إسرائيل بالخيار الاستراتيجي لصالح السلام والتنمية والذي ننشده للمنطقة بأسرها.
كما أكد تطلع دولة الإمارات إلى مضاعفة الجهود في هذه العلاقة الواعدة.
وأشار خلال الاتصال إلى أن "الاتفاق الإبراهيمي" وفر الإطار المناسب لتنمية العلاقات الثنائية، وقال إن دولة الإمارات ماضية في العمل المشترك لتعزيز التعاون الثنائي في المجالات كافة.
كما أثنى على دخول الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين حيز التنفيذ في الأول من شهر أبريل/نيسان 2023 وعلى العمل المشترك حول ملف المناخ وإنجاح انعقاد مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 28 " في الإمارات هذا العام، مشيراً إلى أن هذه الجهود ما هي إلا أمثلة عملية لما يتحقق عبر هذه العلاقة المتنامية.
وأكد أن الإمارات ستعمل مع إسرائيل وأشقائها العرب والشركاء الدوليين كافة لتفادي التصعيد الإقليمي ودعم مسار السلام والاستقرار، وأن دولة الإمارات ستساند جميع الجهود الخيرة في هذا الاتجاه.
خيار استراتيجي
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أكد حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على العلاقات الثنائية مع إسرائيل، واصفاً العلاقة مع إسرائيل بالخيار الاستراتيجي لصالح السلام والتنمية للمنطقة بأسرها.
هذا الخيار الاستراتيجي الهادف لتحقيق السلام والتنمية لصالح المنطقة بأسرها أكد الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنه يأتي ضمن التوجه السياسي لدولة الإمارات.
وقال قرقاش في تغريدة عبر حسابه في موقع "تويتر"، اليوم الأربعاء: "التوجه السياسي لدولة الإمارات نحو استقرار وازدهار المنطقة واضح المعالم، ويستند بكل شفافية إلى ضرورة تبني خيار السلام والتنمية باعتباره الخيار الاستراتيجي والنهج الأمثل نحو مستقبل زاهر لشعوب المنطقة وهذا ما أكده رئيس الدولة خلال الاتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي".
وأردف :"الإمارات وضمن هذا التوجه ماضية نحو تعزيز علاقاتها الثنائية مع كافة دول العالم، وتدعم مسار السلام والاستقرار بالتعاون مع الأشقاء العرب وإسرائيل والشركاء الدوليين في سبيل تفادي التصعيد الإقليمي والالتفات إلى فرص التنمية والتطور. الإمارات داعم دائم للجهود الخيرة في هذا الاتجاه".
مجددا يؤكد المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات تمسك أبوظبي بتوجهها السياسي الهادف إلى تعزيز علاقاتها الثنائية مع كافة دول العالم، وتدعم مسار السلام والاستقرار بالتعاون مع الأشقاء العرب وإسرائيل والشركاء الدوليين في سبيل تفادي التصعيد الإقليمي والالتفات إلى فرص التنمية والتطور.
ثمار السياسة الحكيمة
تلك السياسة الحكيمة التي تنتهجها الإمارات نجحت بالفعل في تحقيق مكاسب كثيرة، حيث أثمرت معاهدة سلام تاريخية مع إسرائيل تم توظيفها أكثر من مرة لدعم القضية الفلسطينية، وعودة العلاقات مع تركيا إلى مسارها الطبيعي، بل وتدشين حقبة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين بتوقيع اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مارس/آذار الماضي.
وتعد هذه رابع اتفاقية من نوعها، بعد اتفاقيات مماثلة وقعتها الإمارات مع الهند وإندونيسيا وإسرائيل ضمن جهودها المتواصلة لتعزيز شراكاتها مع مختلف دول العالم.
أيضا أثمرت الدبلوماسية الإماراتية الهادفة لتعزيز الجسور وتصفير المشاكل والبناء الجاد للمستقبل، عن تعزيز العلاقات الأخوية مع قطر، وتطوير العلاقات إيجابيا مع إيران، ودعم عودة سوريا لحاضنتها العربية ومساندتها إنسانيا للتخفيف من آثار الزلزال.
يأتي هذا فيما تستعد الإمارات لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28، نهاية العام الجاري، والذي يستهدف مواجهة التحدي الأكثر تهديداً لمستقبل كوكب الأرض، وهو تغير المناخ.
تقدير عالمي
دبلوماسية رائدة وجهود استثنائية توجت قبل شهر بإنجاز هام حققته الإمارات بدخولها قائمة الدول العشر الأولى لأول مرة في مؤشر القوة الناعمة العالمي للعام 2023.
إنجاز يبرز التقدير العالمي لمكانة دولة الإمارات والثقة الدولية المتزايدة في سياساتها الخارجية، ودبلوماسية بناء الجسور الإماراتية الساعية لمد جسور الصداقة والتعاون والتسامح بين الشعوب وبناء علاقات متوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة كافة.
كما يبرز التقدير العالمي لتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورؤيته الحكيمة لدعم الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم.
وجاءت الإمارات في المرتبة الثامنة عالمياً في التقدير العالمي للقيادات، وفي المرتبة التاسعة عالمياً في "التأثير في الدوائر الدبلوماسية"، وفي المركز السابع في قوة الاقتصاد واستقراره وتنوع قطاعاته، وفي المركز 10 في متابعة الجمهور العالمي والمركز 11 في التأثير الإعلامي، وفي المركز الثالث عالمياً في "الكرم والعطاء".
تتويج الإمارات بالمرتبة العاشرة عالمياً والأولى إقليمياً في المؤشر العالمي للقوة الناعمة، والذي يشمل 121 دولة حول العالم، هو شهادة دولية جديدة بحجم إنجازاتها ونجاحاتها، وتعبيرا عن التقدير لسياساتها الداعمة لنشر السلام والتسامح والتعايش والخير والعطاء الإنساني التي شكلت ركائز أساسية في مسيرة دولة الإمارات.
يأتي هذا الإنجاز فيما تشهد دولة الإمارات عقد قمم وزيارات ومباحثات وفعاليات خلال الفترة الماضية، جددت بها قبلة معتادة لقادة دول العالم ومسؤوليها.
قمم وزيارات تبرز تعاظم مكانة دولة الإمارات وحضورها الفاعل، وحرصها على تعزيز التعاون الدولي والتضامن الخليجي والعربي لمواجهة مختلف التحديات الإقليمية والدولية، وتحقيق رخاء وازدهار شعوب دول المنطقة ودعم الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم.
كما تبرز العلاقات القوية التي تربط الإمارات ومختلف دول المنطقة والعالم والثقة الكبيرة بقيادتها وتقدير قادة العالم لدورها الفعال المهم.
وزار دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ مطلع العام الجاري، العشرات من قادة وملوك الدول ورؤساء وزراء، ومئات الوزراء والمسؤولين ورؤساء برلمانات من عشرات الدول حول العالم.
وتنوعت تلك الزيارات ما بين رسمية للدولة لقاء القيادة الإماراتية أو حضور قمم سياسية بدعوة منها، أو للمشاركة في الفعاليات العديدة التي استضافتها الدولة خلال تلك الفترة.
ولعل أبرز القمم السياسية التي استضافتها دولة الإمارات هو "اللقاء التشاوري الأخوي" الذي عقد 18 يناير الماضي، تلبية لدعوة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وحضره قادة سلطنة عُمان والبحرين وقطر ومصر والأردن.
أما أبرز الفعاليات فهي "أسبوع أبوظبي للاستدامة" الذي عقد خلال الفترة من 14 إلى 19 يناير/كانون الثاني، وحضره أكثر من 4000 ضيف عالمي، من بينهم شخصيات قيادية بارزة ورؤساء 11 دولة ورئيسا وزراء وصناع سياسات ومديرون تنفيذيون وعلماء وأكاديميون ورجال أعمال بارزون.
أيضا جمعت القمة العالمية للحكومات التي عقدت في دبي خلال الفترة من 13 إلى 15 فبراير/شباط الماضي، على منصتها هذا العام 20 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 250 وزيراً و10 آلاف من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين وقادة الفكر والخبراء الأبرز في العالم، وأكثر من 80 منظمة عالمية.
يأتي هذا فيما تواصل الإمارات جهودها البارزة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين، من خلال عضويتها بمجلس الأمن الدولي على مدار عامي 2022 و2023.
جهود يتوقع أن تتعزز وتتزايد خلال الفترة القادمة حيث تترأس الإمارات المجلس لشهر يونيو/حزيران المقبل، بعد أن ترأسته مارس/آذار 2022.