الإمارات وروسيا.. شراكة استراتيجية ضد الأزمات
وسط التحديات العالمية المتشعبة، تبرز العلاقات الإماراتية-الروسية؛ كنموذج يحتذى به نحو التكامل المؤسس لاقتصادات مرنة وصلبة تجاه الأزمات.
ولطالما تتسم العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وروسيا بالتميز، كونها مرتكزة على علاقات استراتيجية؛ تستهدف تطوير التعاون بمختلف المجالات التي من شأنها استشراف آفاق أرحب.
ويجمع دولة الإمارات وروسيا شراكة استراتيجية مثمرة تجسد الإرادة المشتركة من كلا البلدين من أجل بناء مستقبل مزدهر ومستدام للبلدين وشعبيهما.
وستشهد العلاقات دفعة تنموية أكبر مع زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات لروسيا، اليوم الثلاثاء، ويتوقع خلالها مناقشة علاقات الصداقة بين البلدين وعدد من القضايا والتطورات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
شراكة استراتيجية.. ونقلة نوعية بالعلاقات الثنائية
لقد توطدت روابط البلدين على مدار خمسة عقود (50 عامًا)، وواصلت ازدهارها حتى تكللت بالشراكة الاستراتيجية القوية التي تجمع البلدين اليوم، وتشمل كل مجالات التعاون والتنمية والمصالح المشتركة، ولا سيما في الجانب الاقتصادي، ففي عام 2018؛ شهدت العلاقات الثنائية بين الدولتين نقلة نوعية بتوقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية، الذي يعد بمثل القاطرة التي تقود العلاقات الاماراتية الروسية نحو المزيد من التقدم والازدهار.
كما وضع الجانبان إطارًا جديداً للتعاون الاقتصادي يشمل 12 قطاعاً ومجالاً حيوياً ومستقبلياً ترسم خريطة طريق للتعاون بين البلدين خلال المرحلة المقبلة، تتضمن التجارة والاستثمارات، والطاقة، والصناعة والابتكار، والخدمات المالية والمصرفية والجمارك، والأمن الغذائي والزراعة، والتعليم والنقل، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإعلام والثقافة والسياحة والرياضة، وحماية البيئة وإدارة الموارد الطبيعة، والاقتصاد الدائري، والثورة الصناعية الرابعة، والفضاء.
وتعد دولة الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، وتستأثر بنسبة 55% من إجمالي التجارة الروسية الخليجية. كما تصنف دولة الإمارات ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية حيث تأتي في المرتبة الثانية، كما تحتضن أسواق الإمارات أكثر من 4000 شركة روسية.
وبلغت قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين دولة الإمارات وروسيا خلال النصف الأول من عام 2021 نحو مليارَي دولار (7.34 مليار درهم)، محققة نمواً بنسبة تتجاوز 80% مقارنة مع النصف الأول من عام 2020، في حين بلغت قيمة التبادلات التجارية غير النفطية خلال عام 2020 نحو 2.6 مليار دولار. وبنهاية عام 2021 سجل التبادل التجاري بين البلدين نموًا تاريخيًا ليتراوح بين 4.5 - 5 مليارات دولار.
على صعيد الاستثمار، تعد دولة الإمارات الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90% من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية، وفي المقابل تعد دولة الإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بأكثر من 80% من إجمالي الاستثمارات العربية فيها.
كما بلغ رصيد الاستثمارات الأجنبية المتبادلة بين دولتي الإمارات وروسيا نحو 1.8 مليار دولار، وحققت الاستثمارات الأجنبية الروسية المباشرة في دولة الإمارات نمواً بنسبة 13% خلال عام 2019 مقارنة بعام 2018.
وتحتضن أسواق دولة الإمارات أكثر من 4000 شركة روسية، وتعد مساهماً رئيسياً في نمو البيئة التجارية في الدولة وتعزيز الفرص والشراكات أمام أسواق البلدين، وسنواصل مسيرة التعاون مع شركائنا في روسيا لتحقيق مزيد من الربط بين مجتمعي الأعمال في البلدين وتعزيز وصولهم إلى الفرص الواعدة في أسواقهما.
العمل المناخي المتنامي.. واستدامة الطاقة
ووسط تطلع العالم إلى مناخ آمن وطاقة مستدامة نظيفة ومتجددة، تعزز الدولتان التعاون بمجالات الاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر.
كما يطمح الجانبان إلى تعزيز الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في روسيا، واستكشاف فرص التعاون في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر وتسييل الكربون وحلول الطاقة المتجددة، وأقر البلدان تشكيل مجموعة عمل للتعاون في مجال الطاقة المستدامة.
"إعلان النوايا" المعزز لأمن واستدامة الطاقة والمناخ
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أبرمت دولتا الإمارات وروسيا "إعلان نوايا" للتعاون المشترك بين البلدين في مجالات الطاقة، لا سيما النظيفة منها، حيث أقر الجانبان خطط وآليات عمل جديدة لتطوير سياسات استباقية تصب في تعزيز العمل المشترك الداعم لمستهدفات البلدين المستقبلية في تحقيق متطلبات التنمية المستدامة، واتفاقية باريس للتغير المناخي، باعتبارهما من الرواد في مجال المحافظة على البيئة ومركزين عالميين لدعم الاقتصاد الأخضر، كما تم الاتفاق بين الجانبين على تشكيل فريق عمل في مجال الهيدروجين، وذلك بهدف تعزيز الطموحات الرامية إلى توسيع آفاق إنتاج الطاقة النظيفة.
ووفقاً لإعلان النوايا الذي تم توقيعه، سيتم بحث إمكانية التعاون في تطوير الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية وتبادل الخبرات والممارسات المثلى في قطاع الطاقة النظيفة، ومنها الهيدروجين باعتباره المصدر المقبل الجديد والواعد لطاقة المستقبل بفضل الجهود الدولية الضخمة لاعتماده مصدراً مهماً، إضافة إلى التعاون الهادف إلى تقليل أو إزالة الانبعاثات الكربونية المرتبطة بإنتاج الهيدروجين الذي يمثل أولوية للبلدين.
وتتضمن مذكرة التفاهم أيضاً التزام الطرفين بالتنمية المستدامة في تنفيذ سياسات الطاقة والعلوم والتكنولوجيا مع مراعاة الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتغيرة مثل تغير المناخ، وتعزيز الاستثمار والتجارة وفرص الوصول إلى الأسواق في مجال الطاقة والخدمات والمعدات ذات الصلة بالطاقة، والحرص على الأهمية الاستراتيجية لتطوير مناهج مشتركة على الصعيد الدولي من أجل تعزيز الوصول إلى الأسواق، إضافة إلى التنمية المستدامة لموارد الطاقة.
التأسيس لريادة متغيرات الثورة الصناعية الرابعة
وتشهد العلاقات الاقتصادية بين روسيا ودولة الإمارات تقدمًا سريعًا في مختلف المجالات، ولا سيما مجالات الاقتصاد الجديد، مثل الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والابتكار.
وقد حقق التعاون الاقتصادي بين البلدين قفزات مهمة في حجمه وتنوعه خلال السنوات القليلة الماضية في العديد من القطاعات الحيوية، مثل الطاقة المتجددة والفضاء والتكنولوجيا الحديثة والثورة الصناعية الرابعة وتطوير التعاون في تطبيقاتها؛ مثل البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والروبوتات، إلى جانب التقنيات المالية المتقدمة والبلوك تشين، بما يشمل الاستثمار والحوكمة وتبادل الخبرات في هذه المحاور.
المضي قدما نحو التكامل الاقتصادي
وكانت روسيا قد كشفت في مايو/أيار 2022 عن رغبتها في توقيع اتفاقية تكامل اقتصادي مع دولة الإمارات، بهدف تعزيز الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين.
وفي إطار ذلك، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 27 مايو/أيار الماضي، إن موسكو تدرس توقيع اتفاقية تكامل اقتصادي مع دولة الإمارات.
الاستثمار في الأمن الغذائي
وكانت الدولتان قد أقرتا خطة لزيادة حجم وتنويع التجارة في المنتجات الزراعية والحيوانية وتسهيل إجراءاتها.
وذلك بهدف تعزيز الاستثمار الزراعي وتكنولوجيا الزراعة ومجالات الأمن الغذائي، بما يشمل المنتجات الحيوانية والحيوانية الحية والمنتجات الغذائية المحلية.