الزيارة أكدت ومن جديد أن عالما آخر يتجلى في الآفاق، بخطوط وخيوط تختلف مظهرا ومخبرا عن عالم ما بعد الحرب الباردة
أظهرت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة أن هناك قولا وفعلا آفاق عريضات للتعاون المستقبلي بين دولتين لهما مستقبل على الخارطة الجيوسياسية العالمية، وأن بوصلة التوجه لديهما تكاد تكون مضبوطة على مسارات ومساقات مشتركة عديدة، فيها كل ما هو نافع ومفيد للشعبين.
الزيارة أكدت ومن جديد أن عالما آخر يتجلى في الآفاق، بخطوط وخيوط تختلف مظهرا ومخبرا عن عالم ما بعد الحرب الباردة من جهة، وعقد من النظام الأحادي الدولي، وصولا إلى عقدين من صورة كوسمولجية مضطربة في الطريق إلى ترتيب أوراق عالم جديدالزيارة أكدت ومن جديد أن عالما آخر يتجلى في الآفاق، بخطوط وخيوط تختلف مظهرا ومخبرا عن عالم ما بعد الحرب الباردة من جهة، وعقد من النظام الأحادي الدولي، وصولا إلى عقدين من صورة كوسمولجية مضطربة، في الطريق إلى ترتيب أوراق عالم جديد.
العالم الجديد فيه الإمارات حجر زاوية في منطقة الخليج العربي، وكذلك في الشرق الأوسط، ولا نغالي إن قلنا رمانة ميزان ما أحوج الجميع إليها، وهي تكتسي ثوبا حداثيا وأفكارا إبداعية عالمية، وجرأة في الابتكار والإبداع، وجيشا حديثا نموذجيا، عطفا على علاقات دبلوماسية تتحدث بها الركبان.
وفيه أيضا روسيا جديدة مغايرة عن عالم الإمبراطورية السوفيتية التي شاخت وقضت وما حققت طوال سبعة عقود من إنجازات حول العالم، بقدر ما حققت روسيا الاتحادية من قفزات جلها إيجابي وخلاق في عقدي الرئيس فلاديمير بوتين، الرجل الذي حول الدب الروسي بطيء الحركة إلى ثعلب رشيق قادر على المناورة ذات اليمين وذات اليسار، ومن غير خشية أو خوف من أحد، معتبرا أن حالة المذلة العضوية التي اعترت الجسد الروسي في سنوات الانكسار بسبب مؤامرات الغرب كانت أكبر مأساة لحقت بالعالم في القرن العشرين.
الذين تابعوا ورصدوا بكثير من التحقيق والتدقيق لقاءات وتصريحات الرئيس بوتين أدركوا تمام الإدراك أن آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين ماضية قدما ومرتفعة في أعلى عليين، وكذلك الأمر بشأن التنسيق الاقتصادي والأمني، إلى درجة استخدام رجل الكرملين تعبيرا له دلالاته التي لا تخفى على أحد، حين أشار إلى أن ساعتي روسيا والإمارات مضبوطتان على توقيت واحد لمجابهة ومواجهة نوازل الحاضر بكل يقظة وانتباه.
على أن هناك بعدا آخر ضمن مسارات ومساقات التعاون البناء الذي يشمل البلدين، وهو رؤيتهما للعيش المشترك، وإيمانهما بسردية التعاون الإنساني، ذاك الذي تلعب فيه الأديان عبر قيم التسامح والتصالح دورا بالغا في اختراق ضباب التعصب والتمذهب، والقفز على أسوار التطرف والشوفينيات، تلك التي باتت تزعج الغرب من جهة، في حين تطل الأصوليات برأسها في الشرق الذي اعتبر أبدا دوما "الشرق الخلاق والفنان"، في محاولة لأن تستدرجه إلى نقاط الظلمة وظلال الموت.
حين نتحدث عن روسيا اليوم -تلك التي يمثلها الرئيس بوتين- فإننا أمام مشهد مغاير بدرجة مائة وثمانين عن زمن الأسر الشيوعي ذاك، الذي كان يناهض الأديان وإقامة الشعائر والطقوس الدينية، بل كان يترصد كل من يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وربما عانت المسيحية القيصرية بنوع خاص في زمن الاتحاد السوفيتي بأكثر مما عانت الحواضن والحواضر الإسلامية في جمهوريات سابقة كانت ضمن ذلك الكيان الغابر.
المشهد اليوم مختلف طولا وعرضا، شكلا وموضوعا، ومساحة إجمالية، فعلى سبيل المثال في نهاية شهر أغسطس/آب الماضي كانت موسكو تستضيف مؤتمرا بين أتباع الأديان، جاء تحت عنوان "الكراهية في عالمنا.. الكراهية في مدننا"، وقد بان جليا أن الهدف الرئيسي من ورائه هو زيادة الوعي بالمشاكل المرتبطة بجرائم الكراهية ومناقشة الدور الذي يمكن للزعماء الروحيين أن يقوموا به.
هذا العمل البديع والتقدمي بلغة اليسار كان ثمرة تعاون مجلس حاخامات أوروبا بالاشتراك مع تحالف الأديان لأجل أمن المجتمعات في الإمارات، وبمشاركة ممثلين عن مختلف الطوائف في روسيا، إضافة إلى مسؤولين رسميين من الجانب الروسي.
شيء ما يتغير بعمق في العالم، فالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، القوتان اللتان عبرتا كثيرا وطويلا عن اليقين الثابت بحقوق الإنسان والحريات والأديان، تتعمق فيهما اليوم ومن أسف كبير دعوات الكراهية وقلاقل العصبيات والعنصريات، فيما روسيا وبالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة تفتح الأبواب واسعة أمام التلاقي والتنافح والتثاقف.
تشيد "دانا حميد" المتحدثة باسم تحالف الأديان لأمن المجتمعات في الإمارات بتجربة التفاعل بين مختلف الطوائف والأديان في روسيا، وتعتبر ذلك مثالا لبقية العالم، خاصة في بلدان أوروبا وأمريكا؛ حيث يتزايد مستوى الكراهية بين أتباع الأديان، وتتصاعد معدلات العنف الأعمى، والأخطر هو تعميق الإسلاموفوبيا من جهة وعودة غير محمودة لمعاداة السامية من جانب آخر.
تبدو روسيا اليوم بقعة مضيئة على خريطة عالمنا المتناحر، ومن خلالها يمكن استخدام المثال الروسي كنموذج يحتذى به.
وفي الإمارات يجد العالم دولة معاصرة بملمحها وملمسها الإسلامي الوسطي السمح، المتسامح والمتصالح مع الذات والآخر، وهي تسعى لانتشال العالم من وهدة الكراهية، وجب العدوات الإثنية والدينية، ومحاولة تصحيح أوضاع العالم المختل الهويات، والذي تكاد تغرق حواضره في بحر صراع الحضارات، وعلى غير المصدق ما نقول به أن يراجع ما قدر له من مراجعة، وثيقة الأخوة الإنسانية التي ولدت على أرض الإمارات في شهر فبراير/شباط الماضي، برعاية الدولة الإماراتية وقيادتها، وبتوجيه ديني وإيماني خلاق من بابا الكنسية الكاثوليكية ومن شيخ الأزهر.
من أبوظبي إلى موسكو آفاق جديدة لسردية التسامح والتصالح الخلاق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة