هل لنا أن نتخيل ماذا كان يمكن أن تعانيه بقية الشعوب العربية لو وقفت الإمارات والسعودية مكتوفتيْ الأيدي أمام الفوضى والاضطرابات؟!
في أدبيات العلوم السياسية والعلاقات الدولية مفاهيم ومصطلحات استقر عليها الرأي بين الخبراء والمتخصصين في توصيف العلاقات بين الدول، وهي علاقات تراوح في حالتها الطبيعية المتعارف عليها بحثياً وأكاديمياً، بين التعاون والصداقة والشراكة والتحالف، ولكن واقع العلاقات التي تربط الأشقاء في الإمارات والسعودية بات يفوق دلالات ومعاني هذه المفاهيم والمصطلحات، حيث لم يعد التحالف يعبر بشكل كامل وتام عن مكنون هذه العلاقات ومستهدفاتها الاستراتيجية. ولذا، عندما أراد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التعبير عن المستوى الذي ارتقت إليه علاقات البلدين الشقيقين، التي يعبر عنها دائماً بأنها في مستوى التحالف الاستراتيجي، أشار سموه إلى أن "دولة الإمارات العربية المتحدة ستظل دائماً في خندق واحد مع أشقائها السعوديين؛ لأن لديها إيماناً مطلقاً بوحدة الهدف والمصير"، وهذا التصريح التاريخي المهم يؤطر لهذه العلاقات وينطق بمفردات تعبر عما يجيش بصدور مواطني الشعبين، حيث اختار سموه مفهوم "الخندق الواحد" الذي يشير إلى حالة الاصطفاف، التي يشعر بها كل من يقف في صفوف المواجهة ضد أي خطر خارجي محتمل، كأصدق وأبلغ وصف للعلاقات التي باتت تعيش مرحلة ما بعد التحالف، وأصبحت نموذجاً يحتذى به واقعاً لا كلاماً.
لا أحد يمكن أن يستوعب أبعاد معنى الخطر الإيراني الذي يهدد الأمن الخليجي أكثر من أبناء المنطقة أنفسهم، لذا فإن البقاء في خندق واحد يجمع الأشقاء هو السبيل الحازم والصارم للتصدي للتهديدات الآنية والمحتملة، فالتنمية التي تحققها الدولتان تحتاج إلى درع قوية تصون مكاسب شعبينا وبلدينا
هو تصريح قوي ومعبر؛ لأن البقاء داخل خندق واحد لا يتحقق سوى في حالة استشعار الإيمان المطلق والتام بوحدة الهدف والمصير، واليقين بذلك، فقد أراد سموه أن يشير إلى أن ما يربط الشعبين الإماراتي والسعودي قد بلغ بالفعل هذه المرحلة من الإيمان المطلق بوحدة الهدف والمصير بين الأشقاء.
لم يكن هذا التعبير القوي الصريح موجهاً إلى شعبي الإمارات والسعودية، بل كان بالأساس رسالة مباشرة إلى من يسعون ليل نهار للوقيعة بين البلدين الشقيقين باستغلال أحداث مختلفة، واختلاق وقائع لا أساس لها، وكلنا يعلم ما تفعله المنصات الإعلامية المعادية للإمارات والسعودية، قيادة وشعباً، سواء كانت تابعة لدول إقليمية حاقدة ومعادية للتحالف الإماراتي السعودي، أو كانت تابعة لتنظيمات الإرهاب، التي تصدت لها الدولتان بكل حزم وإصرار.
لم يكن استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية، لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مؤخراً في الرياض، سوى برهان جديد على إرادة قيادتي البلدين الشقيقين على المضي بهذه العلاقات إلى مستويات أعمق وأرحب، وآفاق أوسع، من التعاون والتضامن والتنسيق المشترك، بما يحقق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، ويسهم في تعزيز التنمية والرخاء لشعوب دولنا الخليجية والعربية.
إن من لا يدرك قيمة البقاء الإماراتي-السعودي في خندق واحد، عليه أن يعود بالذاكرة سنوات قليلة إلى الوراء ويستعيد شريط الماضي القريب الذي خيمت فيه الفوضى والاضطرابات وغياب الأفق على مستقبل الكثير من دولنا العربية، حيث شعر الملايين في دول عدة أن الفوضى والتفكك والاحتراب الأهلي هو المصير المنتظر لهذه الدول، ولولا حزم وقوة إرادة القيادتين الإماراتية والسعودية لكان الحال غير الحال في المشهد العربي، وعلينا فقط أن نتخيل سيطرة جماعة الحوثي على اليمن تماماً، ووصول قبضة ملالي إيران إلى جنوب شبه الجزيرة العربية وإحكام قبضتهم على أمن الخليج العربي وباب المندب جنوباً، وشمالاً عبر وكلائهم في سوريا وحزب الله اللبناني؟!
هل لنا أن نتخيل ماذا كان يمكن أن تعانيه بقية الشعوب العربية لو وقفت الإمارات والسعودية مكتوفتيْ الأيدي أمام الفوضى والاضطرابات التي سادت الكثير من الدول العربية منذ عام 2011؟!
الإشكالية أن البعض يسيء للتحالف الإماراتي-السعودي ويتهمه بالتسبب في معاناة الشعب اليمني، ويتناسى هؤلاء أن الدولتين لم تذهبا لليمن سوى لنجدة هذا الشعب الشقيق، والاستجابة لنداء الشرعية الدستورية، التي اختطفها الحوثي بدعم إيراني، كما يتناسى هؤلاء أيضاً أن التحالف العربي قدم مساعدات إنسانية للأشقاء في اليمن تقدر بنحو 17.6 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، وأن الدولتين قدمتا تضحيات غالية من دماء أبنائهما من أجل تحرير الشعب اليمني من قبضة جماعة الحوثي الانقلابية.
لا أحد يمكن أن يستوعب أبعاد معنى الخطر الإيراني الذي يهدد الأمن الخليجي أكثر من أبناء المنطقة أنفسهم، لذا فإن البقاء في خندق واحد يجمع الأشقاء هو السبيل الحازم والصارم للتصدي للتهديدات الآنية والمحتملة، فالتنمية التي تحققها الدولتان تحتاج إلى درع قوية تصون مكاسب شعبينا وبلدينا، وتذود عن ترابهما، وتردع كل من تسول له نفسه التفكير في النيل من أمن واستقرار البلدين الشقيقين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة