زايد مثلما وحد الإمارات وجعلها دولة منيعة أصيلة متوثبة نحو التقدم والرقي فقد وحد حبه القلوب رغم ما يكتنفها من تنافر
لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع فيه ذكراً للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- إما في سياق دعاء له بالرحمة والمغفرة، أو ثناء عليه شعراً أو نثراً أو استشهاداً بقول من أقواله، أو فعل من أفعاله، مضى على رحيله من الزمن ما يستبد فيه النسيان بالإنسان، إلا أن سيرته العملاقة ورؤاه الخلاَّقة معين لا ينضب، ونور لا يحجب.
ما دفعني للكتابة عن الشيخ زايد هو هذا الاصطفاف الشعبي الواسع الذي نشهده هذه الأيام للدفاع عنه، والدعاء له، وذكر مناقبه ومآثره، وليست تلك الإساءة التي أطلقها ذلك المتطاول، فهو أقل بكثير من أن أكتب عنه أو أذكر اسمه إلى جانب شخصية عظيمة مثل شخصية الشيخ زايد
كل الناس تحب زايد إلا من أبى أن يكون من الناس! اختلفوا في كل شيء، واتحدوا في حبه وإكباره، فمثلما وحد زايد الإمارات وجعلها دولة منيعة أصيلة متوثبة نحو التقدم والرقي فقد وحد حبه القلوب على رغم ما يكتنفها من تنافر! يا لهذا الرجل، كيف استطاع أن يسكن كل هذه القلوب، أن يملأ كل تلك العيون، أن يصبح ربيعاً في كل فصول السنة، وشمساً تبصر العقول وتلهمها، وبدراً يطل من أحاديث السمر الساحرة، وبنداً ثابتاً في جدول أعمال الحياة؟
في تقديري أن سر هذا التزاحم في حبه وتوقيره يكمن فيما تتسم به شخصيته من حكمة استغرقت كل خصاله فهذّبتها، فكان مقداماً في الحق، متواضعاً في غير هوان، سخياً بقوام، عدله مقدم على كل اعتبار في سياسته، وحنكته مؤطرة بمبادئه وقيمه، جعل من نفسه أباً حانياً لشعبه فملك بذلك قلوبهم، وأخاً وفياً وصديقاً صادقاً لنظرائه من القادة فاستحق تقديرهم واحترامهم، واجه صلف الأعداء بحلمه حتى أُعذر، وبحزمه حتى اشتفى، جعل المال دواء لكل حليف، وداء لكل عدو، وتمثل قائلاً بلهجته الإماراتية الأصيلة:
والمال لي نكرم به الضيف
نهين به في الضيق عدوان
ماذا نتج عن تمازج هذه السمات الطيبة في هذه الشخصية القيادية الفذة؟ ما عليك أيها القارئ الكريم إلا أن تقارن بين إمارات ما قبل الاتحاد وبين الإمارات العربية المتحدة، عندها ستعرف النتيجة، وستدرك -تصوراً- الفكر النيّر، والتخطيط العبقري، والجهد الكبير، والعمل الدؤوب وغير ذلك مما اضطلع به الشيخ زايد بن سلطان -جعل الله قبره روضة من رياض الجنة- لبناء هذه الدولة التي يُعانق السحاب عمرانها، وينعم برغد العيش إنسانها، وتحفظ حق جيرانها! دولة ذات سيادة وريادة، ومكانة عالمية مرموقة، وغيرها من شواهد التطور الماثلة، والتي كانت هواجس وأفكاراً يخطها الشيخ زايد بعصاه على رقعة من الرمل.
ما دفعني للكتابة عن الشيخ زايد هو هذا الاصطفاف الشعبي الواسع الذي نشهده هذه الأيام للدفاع عنه، والدعاء له، وذكر مناقبه ومآثره، وليست تلك الإساءة التي أطلقها ذلك المتطاول، فهو أقل بكثير من أن أكتب عنه أو أذكر اسمه إلى جانب شخصية عظيمة مثل شخصية الشيخ زايد، وإن كانت إساءته مثار ذلك الاصطفاف والتلاحم، فضلاً عن أن اسم الشيخ زايد هناك حيث النجوم، أبعد من أن تصل إليه مثل هذه الإساءة، وأقول بالشعر النبطي:
لا تنتـظـر مني جـــوابٍ يكبّـرك
وش عاد لو حقدك تكاثر رواته
عبّر عن شعورك وماني معبّرك
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة