الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في رحلة التحول الرقمي، وعلى رأسها مبادرات المدن الذكية التي من شأنها ترسيخ الانتقال إلى اقتصاد معرفي
قبل الخوض في هذا الموضوع لا بد من التعريف بمكتبة أوروبيانا، التي هي أول مكتبة رقمية في أوروبا. ورغم عمرها الطويل في التدوين وأرشفة الكتب، فهي بحاجة إلى البحث عن هويتها عن طريق كتبها على الشبكة العنكبوتية، فهل حان الوقت لأن نبدأ بمشروع مماثل؟ أي أن نضع موروثنا الثقافي الأدبي والعلمي على الشبكة العنكبوتية لكي يستفيد مها القارئ العربي عامة.
في هذه المكتبة الرقمية الشاملة والموحدة لأوروبا، يمكن العثور على أمهات الكتب الأوروبية المهمة مثل الكوميديا الإلهية لدانتي، أو أعمال شكسبير أو أعمال جويس ورسومات عمالقة الفن التشكيلي أمثال بيكاسو ورينوار، ووثائق تاريخية من الموسوعة البريطانية، وتسجيلات لموسيقى بيتهوفن وموزارت وشوبان، وصور مثل سقوط جدار برلين وغيرها. فالأهمية العظيمة لهذه المكتبة هو توحيد الجهود والأموال من أجل تقديم التراث الإنساني المشترك في موسوعة رقمية عملاقة، باعتبارها هدفاً استراتيجياً ثقافياً كبيراً لإثبات حقيقة أن الوحدة لأوروبية لا يمكن أن تتحقق إلا عبر الثقافة، ودمج تعددها الثقافي بتعددها اللغوي مع تقدمها التكنولوجي. فيما نحن نتميّز عن أوروبا بمميزات لا تتمتع بها أي أمة على الأرض، وهي أننا نشترك في اللغة والثقافة والدين والتراث، لا نعاني مثل الأوروبيين من التعدد اللغوي. تحتوي "أوروبيانا" على ثقافات الدول الأعضاء من 23 لغة مختلفة، لكنها رغم ذلك، ستكون بوابة أوروبا الثقافية.
الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في رحلة التحول الرقمي، وعلى رأسها مبادرات المدن الذكية التي من شأنها ترسيخ انتقال اقتصاد الإمارات إلى اقتصاد معرفي. كما أن إنشاء مكتبة محمد بن راشد التي سوف تفتتح في 2020 خطوة نحو هذا الطريق لأنها ستركز على المحتوى الرقمي
ورغم كل الجهود التي تظهر هنا وهناك في العالم العربي فإنها تبقى مبعثرة، وغير موحدة ضمن استراتيجية ثقافية مستقبلية. ولا يزال المحتوى العربي الثقافي والعملي موزعاً على مكتبات العالم الرقمية. هناك جامعة نيويورك أبوظبي، تحتوي على ما يقارب 25 ألف كتاب من جامعة نيويورك، وجامعة پرنستون، وجامعة كورنيل، وجامعة كولومبيا، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، والجامعة الأمريكية في بيروت.
وتتيح المكتبة الرقمية العالمية على الإنترنت، وبعدة لغات، مواد أساسية مهمة من دول وثقافات عديدة حول العالم، ومنها اللغة العربية، وهي تابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة، ويشارك في الدعم والتمويل 26 مكتبة أو هيئة ثقافية من 19 دولة، منها دول عربية، كالعراق ومصر والسعودية، وتحتوي على قرابة 2400 وثيقة. وتعد المكتبة الرقمية أحد المشروعات المهمة الّتي أنشأتها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في إطار اتفاقية تعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات. والقرية الإلكترونية، هي شركة إماراتية غير ربحية مقرها أبوظبي، تأسست عام 1998، تعمل في مجال النشر الإلكتروني وتطوير المحتوى الرقمي والمزج بين الوسائط المتعددة، فتركز اهتمامها على التراث العلمي العربي، وعلى العلوم الإسلامية، واللغة العربية، والشعر العربي، وأدب الرحلة، وحضارة المكان. استطاعت خلال عشر سنوات إنشاء وتطوير العديد من المواقع على شبكة الإنترنت، منها: الوراق، والمسالك، والرحلات، وواحة المتنبي، وتأويل رؤياك. ومكتبة هنداوي التي تأسست عام 2007، وهي متخصصة في نشر وترجمة الكتب والمقالات العلمية والثقافية والأدبية بلغت 325 1 كتاباً. وهناك كتب جوجل، وتحتوي على الملايين من الكتب العظيمة من بينها الكتب العربية.
ولا بد من الاعتراف بأن مشروع الفهرس العربي الموحد يُعتبر نقلة نوعية في تاريخ العمل العربي والثقافي المشترك، وأسهم في جمع المحتوى الثقافي لأبناء الأمة، وتدشين 11 بوابة لمكتبات الدول العربية (السعودية، والإمارات، والبحرين، وعمان، والأردن، والسودان، والمغرب، والكويت، والجزائر، وموريتانيا، وتونس)، فهو حدث مهم على هذا الطريق في استكمال بقية بوابات مكتبات الدول العربية مستقبلاً. هذا جزء من جهود مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ومشاريعها الثقافية وفق رؤية المملكة 2030. ومما لا شك فيه أن الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في رحلة التحول الرقمي، وعلى رأسها مبادرات المدن الذكية التي من شأنها ترسيخ انتقال اقتصاد الإمارات إلى اقتصاد معرفي. كما أن إنشاء مكتبة محمد بن راشد التي سوف تفتتح في 2020 خطوة نحو هذا الطريق لأنها ستركز على المحتوى الرقمي.
ولكننا نتحدث عن مشروع عربي موحد، ويمكن اعتبار كل ما تم إنجازه في العالم العربي بنية أساسية للمكتبة العربية الرقمية المستقبلية، خاصة ونحن ندخل في مرحلة التحول إلى مجتمع واقتصاد المعرفة. مما لا شك فيه أن المكتبة الرقمية العربية الموحدة من شأنها أن تواكب التقدم التقني والحضاري العالمي، والعمل على تحويلها رقميا والإنفاق عليها والعمل على إتاحتها عبر شبكة الإنترنت. ولكن الأهم في ذلك هو توحيد الجهود العربية، وتشكيل هيئة عربية موحدة لإطلاق هذا المشروع بتمويل جماعي، حتى يشعر الجميع بمسؤوليته، ويصبح مصدراً للباحثين في مختلف أنحاء العالم، خاصة أن جزءاً كبيراً من تراثنا قد تمت ترجمته إلى اللغات الأجنبية، ويمكن تحويله إلى محتوى رقمي. وهذه من مهمة وزارات الثقافة العربية، ووزارات الاتصالات وتقنية المعلومات والمكتبات العربية، نحن نبحث عن مشروع يكون بمستوى مكتبة أوروبيانا التي يدعمها وتمولها بلدان الاتحاد الأوروبي لإثبات هويتها الثقافية المشتركة، ونحن لا نعاني من هذه المشكلة. إن هذا المشروع الثقافي العربي المستقبلي يصب في منفعة الجميع، لأنه سيختصر الطريق على البلدان العربية في الوقت والجهود والمال، ويوفر منصة مهمة لأبنائها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة