الإمارات والولايات المتحدة.. تعاون استراتيجي في مواجهة التحديات

قمة إماراتية أمريكية مرتقبة في أبوظبي يتصدر أجندتها بحث التحديات الإقليمية والدولية وسبل ومواجهتها، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار ونشر السلام في المنطقة والعالم.
ويبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيارة تشمل دولة الإمارات والسعودية وقطر خلال الفترة من 13 إلى 16 مايو/أيار الجاري، فيما تعد أول زيارة خارجية رئيسية لترامب في ولايته الثانية التي بدأت 20 يناير/كانون الثاني الماضي، والأولى من نوعها له لدولة الإمارات .
ويعقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مع الرئيس ترامب خلال الزيارة، قمة تتناول علاقات الصداقة التاريخية التي تجمع البلدين وسبل تعزيز تعاونهما وشراكتهما الاستراتيجية في جميع المجالات، إضافة إلى تبادل وجهات النظر بشأن مجمل القضايا والتطورات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
وتعد هذه ثاني مباحثات بين الزعيمين خلال أقل من شهرين، بعد المباحثات الهاتفية في 25 مارس/آذار الماضي، وتم خلالها بحث العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين والعمل على تعزيزها في جميع المجالات بما يخدم مصالحهما المشتركة، في إطار الشراكة الممتدة التي تجمع البلدين.
كما استعرض الجانبان عدداً من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك وفي مقدمتها التطورات بمنطقة الشرق الأوسط والجهود المبذولة تجاه وقف إطلاق النار في قطاع غزة والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حرص دولة الإمارات على مواصلة تعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة بما يخدم الأهداف التنموية المشتركة للبلدين ويدعم السلام والازدهار في المنطقة والعالم وذلك انطلاقا من نهج الدولة الثابت تجاه دعم التعاون والتنمية على المستويين الإقليمي والعالمي.
زيارة تأتي في وقت حرج تمر به المنطقة والعالم، حيث تتزايد مساعي البلدين لوضع حد للعديد من الأزمات المتفاقمة وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية والقضية الفلسطينية والأزمة السودانية وتعزيز أمن الملاحة الدولية.
ويرتقب أن تتصدر القضايا الدولية الراهنة، إضافة إلى الحرب على الإرهاب أجندة المحادثات خلال الزيارة.
ولعبت الدبلوماسية الإماراتية خلال الفترة الماضية دورا محوريا في العمل على احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات على صعيد المنطقة أو خارجها وسعت بشكل دؤوب ومستمر لتعزيز برامج مساعداتها الإنسانية والإغاثية.
الأزمة الأوكرانية
تأتي زيارة ترامب للإمارات، بعد نحو أسبوع من نجاح وساطة إماراتية جديدة لتبادل الأسرى بين كييف وموسكو يوم 6 مايو/أيار الجاري شملت 410 أسرى، مناصفة من الجانبين، لتتمكن الإمارات بها في إتمام تبادل 4132، عبر 15 وساطة إماراتية منذ مطلع عام 2024، وهو رقم كبير يجسد إنجازا دبلوماسيا وإنسانيا غير مسبوق في تلك الأزمة.
وتبقى دولة الإمارات عبر نجاح الوساطة نافذة أمل لحل سياسي ودبلوماسي لتلك الأزمة التي تجاوزت الأعوام الثلاثة، وهي جهود تتوافق مع مساع تقودها إدارة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء تلك الأزمة عبر التوصل لهدنة وبدء محادثات سلام.
نجاحات متتالية تؤكد من خلالها الإمارات أنها ليست مجرد وسيط محايد، بل صانعة فرص سلام، لتثبت أن الدبلوماسية النابضة بالإنسانية قادرة على اختراق جدران الحرب.
أمريكا وروسيا.. وساطة إماراتية
أيضا تأتي زيارة ترامب للإمارات بعد نحو شهر، من استضافة أبوظبي عملية تبادل سجناء بين أمريكا وروسيا 10 أبريل/نيسان الماضي، في نجاح جديد تسطره دولة الإمارات في إطار دبلوماسية الوساطة التي تنتهجها لنشر السلام ودعم الأمن والاستقرار في العالم وتعزيز التعاون الدولي.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية، إن اختيار أبوظبي لاستضافة عملية التبادل التي جرى خلالها تبادل مواطن روسي ومواطن أمريكي يعكس علاقات الصداقة الوثيقة التي تربط البلدين بدولة الإمارات، لافتة إلى تطلعها إلى أن تُسهم هذه الجهود في دعم مساعي خفض التوتر وتعزيز الحوار والتفاهم بما يحقق الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتعد هذه ثاني وساطة إماراتية بين الجانبين خلال 3 سنوات، بعد نجاحها في ديسمبر/كانون الأول 2022 في تبادل مسجونَيْن اثنين بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
نجاحات إماراتية متتالية في دبلوماسية الوساطة ترسخ مكانة الإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات كشريك مهم في إنجاح مبادرات السلام على المستويين الإقليمي والدولي.
وتجسد وساطة الإمارات الناجحة -أيضا- ثقة العالم وتقديره لقيادة الإمارات وجهودها ووساطاتها القائمة على إعلاء قيم المحبة والتسامح والسلام.
القضية الفلسطينية
على صعيد القضية الفلسطينية، يتفق البلدان على ضرورة إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإحلال السلام في المنطقة، مع وجود تباينات في الرؤى لتحقيق تلك الأهداف. وتسهم المباحثات المشتركة في تقريب الرؤى، والاقتراب من تحقيق السلام ودعم الأمن والاستقرار.
وسبق أن أكدت دولة الإمارات موقفها الثابت الرافض لأي محاولات تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، مشددة على ضرورة أن ترتبط عملية إعمار غزة بمسار يؤدي إلى السلام الشامل والدائم الذي يقوم على أساس "حل الدولتين" كونه السبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وتأتي زيارة ترامب في وقت تحاول فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إقناع دول ومؤسسات إنسانية دولية بالقبول بآلية جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة.
وتحظى الآلية، التي أعلن السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي، الجمعة، انطلاقها، بدعم الحكومة الإسرائيلية، ويُعتقد أنها ستكون من القضايا التي يطرحها ترامب في زيارته للمنطقة.
وقد كانت إسرائيل أوقفت إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة في شهر مارس/آذار الماضي، وفي غياب أي بديل مقبل من إسرائيل، فإن إدارة ترامب تعتقد أنها الأفضل حاليًا.
يأتي هذا فيما تواصل الإمارات جهودها الإنسانية الرائدة، ضمن عملية «الفارس الشهم 3» التي أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بتنفيذها لدعم الشعب الفلسطيني في غزة، ضمن مبادرات إنسانية ودبلوماسية عديدة لدعم القطاع.
تتواصل العملية على مدار نحو 19 شهرًا، وسط تقدير وامتنان من مختلف شعوب العالم، وعلى رأسهم أهل غزة، للإمارات وقيادتها وقواتها المسلحة.
الهند وباكستان
أيضا تأتي زيارة ترامب بعد أيام من اتفاق الهند وباكستان – بوساطة أمريكية- على وقف إطلاق النار، بعد 4 أيام من تبادل ضربات صاروخية مكثفة وصلت إلى عمق أراضي البلدين.
جهود رحبت بها دولة الإمارات وعملت عبر دبلوماسيتها النشطة على دعمها، ورحب الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي بإعلان وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، معربا عن أمله في أن تسهم هذه الخطوة في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة جنوب آسيا.
وأشاد بالجهود التي بذلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذا الصدد، كما أثنى على مساعي البلدين للتوصل إلى هذا الاتفاق، مؤكدا ثقته في حرص البلدين وحكمتهما في الالتزام بوقف إطلاق النار بشكل دائم، بما يعود بالنفع على البلدين والمنطقة.
ودعما للجهود الأمريكية، أجرى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، اتصالين هاتفيين بكل من الدكتور سوبرامنيام جايشانكار وزير الشؤون الخارجية في الهند ، ومحمد إسحاق دار نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في باكستان، 10 مايو/أيار الجاري أشاد خلالهما بحكمة الجانبين في وقف إطلاق النار بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين ومنطقة جنوب آسيا.
وأعرب عن أمله في أن تسهم هذه الخطوة في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، كما أكد على العلاقات التاريخية الوطيدة التي تربط دولة الإمارات بكل من الهند وباكستان.
وأكد أن دولة الإمارات التي تربطها علاقات وطيدة وتاريخية بالبلدين تدعم جهودهما الرامية إلى تعزيز السلام والنماء، مشددا على أهمية الحوار كسبيل وحيد لحل الخلافات والنزاعات وتعزيز العلاقة بين البلدين الصديقين.
الأزمة السودانية
على صعيد الأزمة السودانية، تتفق الإمارات وأمريكا أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للنزاع في السودان، ويتوافقان على ضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة وفورية لتحقيق وقف دائم للأعمال العدائية، والعودة إلى العملية السياسية، والانتقال إلى الحكم المدني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وسبق أن لعبت الإمارات وأمريكا دورا بارزا لحل الأزمة، عبر (منصة متحالفين لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان) التي تم إنشاؤها أغسطس/آب الماضي وتضم دولة الإمارات والسعودية والولايات المتحدة ومصر وسويسرا والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
تقدير للدور الإماراتي
وتعول الولايات المتحدة دوما على الدور الإماراتي الفاعل والبناء في مختلف القضايا الإقليمية والدولية وتحرص على الاستماع لرؤيتها وتقديراتها لهذه القضايا وكيفية التعامل معها.
وفي المقابل، تنظر الإمارات إلى الولايات المتحدة باعتبارها حليفا استراتيجيا وطرفا أساسيا في معادلة تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويعمل الطرفان على تعزيز الأمن الإقليمي وتحقيق الازدهار الاقتصادي ومجابهة التحديات الملحة في مختلف أرجاء العالم.
مكافحة الإرهاب
على رأس التحديات -كذلك- التي يتعاون البلدان لمواجهتها مكافحة الإرهاب، حيث ينسق البلدان بشكل بارز في هذا الصدد، وانضمت دولة الإمارات إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، منذ أن شاركت في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014.
كما تأسس مركز "صواب" عام 2015؛ وهو مبادرة تفاعلية بالشراكة مع الولايات المتحدة للتصدي للدعوات التي تطلقها الجماعات المتطرفة عبر شبكة الإنترنت، وتعزيز البدائل الإيجابية عن التطرف، في إطار تعزيز الجهود العالمية لمحاربة داعش.
أيضا على صعيد التعاون المشترك لمكافحة تمويل الإرهاب، تربط مؤسسات الخدمات المصرفية والمالية في الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية علاقة وثيقة وتعاون متواصل لتعزيز الجهود المشتركة في هذا الصدد.
وتتعاون دولة الإمارات بشكل مباشر مع الولايات المتحدة لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل وغيرها من الأنشطة غير المشروعة.
ويرتقب أن يشهد التعاون في هذا الصدد نقلة نوعية بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للإمارات، في ظل التقدير الأمريكي المتنامي لدور الإمارات في مكافحة الإرهاب، وحرصها على تعزيز التعاون معها في هذا الصدد.
وظهر ذلك جليا في أكثر من مناسبة، كان من أبرزها البيان المشترك الصادر في ختام زيارة الرئيس الإماراتي لوشنطن سبتمبر/أيلول الماضي، وأشاد بالشراكة القوية في مجال الأمن والدفاع مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
واستعرض البيان الإرث الحافل بالتعاون المشترك الذي يجمع البلدين في أوقات السلم والحرب، بما في ذلك دعم دولة الإمارات للبعثات الأمريكية لمكافحة الإرهاب منذ الهجمات في نيويورك وبنسلفانيا وواشنطن في 11 سبتمبر/أيلول 2001، لردع التهديدات، وتخفيف النزاعات، وتقليل التوترات على الصعيد العالمي.
وأشار البيان بشكل خاص إلى التعاون المشترك بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات في التحالف العالمي ضد داعش، وفي النزاعات السابقة في الصومال، البلقان، العراق، أفغانستان، وليبيا.
وأكد البلدان أهمية تعزيز الجهود لمكافحة التهديدات الإقليمية، وتطوير مبادرات مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن البحري وجهود مكافحة القرصنة، وزيادة التعاون الأمني، واعتراض شحنات الأسلحة والتكنولوجيا غير القانونية.
ونوه البيان بأهمية اتفاقية التعاون العسكري لعام 2017، كونها خطوة مهمة لكلا البلدين والتي أبرزت تعاونهما الحيوي وطويل الأمد في هزيمة الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، وضمان الاستقرار الإقليمي، ومكافحة التهديدات ضد مصالحهما المشتركة، بما في ذلك تمويل الإرهاب.
وأكد أهمية الحوار العسكري المشترك السنوي باعتباره المنتدى الثنائي الأهم لتعزيز الشراكة العسكرية بين الولايات المتحدة والإمارات، بما في ذلك مراجعة المصالح الأمنية المشتركة، ومناقشة الأهداف الاستراتيجية للعلاقات والتحديات في المنطقة، مثل الأمن البحري، مكافحة القرصنة، التعاون في مكافحة الإرهاب، وزيادة الوعي بالمجالات في الشرق الأوسط والمحيط الهندي وشرق أفريقيا.
وإيماناً من البلدين بأهمية تعميق الشراكة الأمنية والتعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات، والاهتمام المشترك في منع النزاعات وخفض التصعيد، أعلنت واشنطن خلال الزيارة نفسها أن دولة الإمارات شريك دفاعي رئيسي للولايات المتحدة، لتنضم بذلك إلى الهند فقط، لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني في مناطق الشرق الأوسط وشرق أفريقيا والمحيط الهندي.
وسيؤدي هذا التصنيف الفريد كشريك دفاعي رئيسي إلى تعاون ثنائي غير مسبوق من خلال التدريب المشترك والمناورات والتعاون العسكري بين القوات المسلحة للولايات المتحدة ودولة الإمارات والهند، إضافة إلى الشركاء العسكريين المشتركين الآخرين، لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
أمر يؤكد التقدير الأمريكي الكبير للدور المسؤول الذي تمارسه دولة الإمارات في محيطها العربي والإقليمي وانخراطها الفاعل في حل أزمات المنطقة، فضلا عن مواقفها المتوازنة إزاء القضايا ذات الصلة بالأمن والسلم الدوليين.
ويرتقب أن تسهم المباحثات التي يجريها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والرئيس الأمريكي ترامب في زيادة التعاون في هذا الصدد بما يسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في البلدين والعالم.