تطرقنا سابقا إلى "نظرية المليار الذهبي" واعتقاد المحللين الاقتصاديين والسياسيين الروس بأن معظم المشكلات مرتبطة بمفهوم هذه النظرية.
وهي نظرية تفترض بأن سكان العالم ينقسمون إلى فئتين، الطبقة الراقية التي يجب أن تعيش مستوى من الرفاهية والعيش الرغيد، والطبقة "المتخلّفة"، التي تعمل على توفير احتياجات الطبقة الراقية، لأن الموارد لا تكفي إلا لمليار إنسان فقط، وهم مَن يدّعون أنهم "الدول المتقدمة".
وكما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل نحو شهرين إن "المليار الذهبي" حقق موقعه إلى حد كبير من خلال سلب موارد الشعوب الأخرى، وإن نموذج هيمنته الكاملة على الموارد العالمية "غير عادل".
وفي خطابه يوم الأربعاء الموافق السابع من سبتمبر الجاري أكد "بوتين" أن اتفاقية تصدير القمح الأوكراني برعاية الأمم المتحدة لتخفيف المجاعة العالمية لم تستهدف الدول الفقيرة إلا في حمولتين، وبقية حمولات القمح ذهبت إلى الدول الأوروبية، وكأنه يلمّح إلى نظرية المليار الذهبي، التي تحدث عنها قبل شهرين.
بالنظر إلى الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا منذ شهر فبراير الماضي، فإن الدول الأوروبية بقيادة الولايات المتحدة انتفضت وجُنّ جنون ساستها ضد العملية العسكرية الروسية، حيث فرضت عقوبات لم تسبق بالتاريخ على روسيا، واستخدمت جوانب إنسانية حول أوكرانيا ودعّمتها بالأسلحة حتى اللحظة.
والحقيقة أن الدول الأوروبية دخلت في صراع مع روسيا ليس من أجل أوكرانيا، ولكن من أجل موارد القمح التي تحتل فيه أوكرانيا ثاني أكبر دولة في تصديره لأوروبا بعد روسيا، ومن المعروف أن الدول الأوروبية تهتم فقط بالمصالح، فقد ساندت أمريكا في جميع حروبها على فيتنام والعراق وأفغانستان، وأي دولة تتوفر فيها أي موارد.
نظير العقوبات الأوروبية على روسيا، استخدمت موسكو النفط كورقة ضغط على الأوروبيين مقابل العقوبات المفروضة عليها، وبدأ تقليل ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا بنسبة 20% منذ بدء أزمة أوكرانيا بحجة العقوبات الأوروبية على قطع الغيار وصيانة مضخّات تدفق الغاز عبر أنبوب "نورد ستريم واحد" إلى أوروبا، وانتظر الروس حتى اقتراب الشتاء وقطعوا الغاز تمامًا قبل أسبوع، وانتقل الصراع إلى الشوارع الأوروبية بداية بمظاهرات التشيك ثم انتشار عدوى المظاهرات إلى بقية الدول الأوروبية لرفع العقوبات عن روسيا حتى يتم تدفق الغاز، وبدأ الأوروبيون يبحثون عن بدائل والروس ينتظرون تجمّدهم أو رفع العقوبات.
يبدو أننا سنشهد الأيام القليلة القادمة صراعًا جديدًا على الموارد يضاف إلى صراع الغاز الروسي، فقد لوّح الرئيس الروسي بأن اتفاقية القمح بين روسيا وأوكرانيا برعاية الأمم المتحدة "غير عادلة" وأن معظم الشحنات تذهب إلى أوروبا، وهذا يشير إلى أن الروس بدؤوا يلوّحون بقطع القمح عن أوروبا، ما يضاعف الأزمات الاقتصادية على أوروبا واتساع نطاق الصراع.
بحكم أن الدب الروسي تم استفزازه، فهو يستخدم موارد الغاز والقمح كأوراق ضغط ضد الأوروبيين.. وهنا نجد الصراع أمام ثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول: رفع العقوبات وإعلان انتصار روسيا، وهذا سيكلف أوروبا التبعية لروسيا.
السيناريو الثاني: رفض الأوروبيين المساومة والهزيمة والاستمرار بالتخبط، وبالتالي يشتد الصراع داخليا في دولهم بسبب فصل شتاء قارس وارتفاع تكاليف التدفئة وتوقف المصانع وخروج مظاهرات عارمة قد تؤدي إلى السيناريو الأول أو الثالث.
السيناريو الثالث: وهو اتساع نطاق الصراع ليشمل حروبا بين روسيا ودول أوروبية عدة، وقد تطول وتتوسع إلى حرب عالمية ثالثة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة