جنوب أوكرانيا يبتلع طموح كييف.. لغز الهجوم الكبير
على مدار شهرين، كانت أوكرانيا تبعث بإشارات عن نيتها لاستعادة مدينة خيرسون الجنوبية، فيما وصف بأنه هجوم مضاد كبير.
لكن لا يزال ما سيبدو عليه هذا الهجوم لغزا، بعد أن وصف بأنه اللحظة التي ستغير فيها كييف مجرى المواجهة الحربية مع روسيا.
وذكرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية أن المدفعية الأوكرانية والصواريخ التي قدمتها الولايات المتحدة والحلفاء، حطمت جسورا، ودمرت مستودعات الذخيرة الروسية القريبة من المدينة، لكن الحركة الأكبر لقوات المشاة لم تحدث بعد.
وقال المسؤولون الأوكرانيون منذ فترة طويلة إن مصير الحرب قد يتحدد في الجنوب، وزعموا أن سلسلة من الهجمات المثيرة للريبة على مرافق عسكرية روسية بعيدا عن الخطوط الأمامية، بما فيها انفجاران هائلان بقاعدة جوية روسية في شبه جزيرة القرم أمس الثلاثاء، أشارت إلى بدء الهجوم المضاد.
لكن حتى مع الأسلحة التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات من شتى أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية الموجودة الآن في أيدي الأوكرانيين، ما زالت هناك أسئلة حقيقية بشأن ما إذا كانت كافية، وما الذي قد يكون مجديا على الأرض.
ومكنت بعض من تلك الأسلحة، مثل أنظمة "هيمارس"، أوكرانيا من ضرب المواقع الروسية حول مدينة خيرسون؛ لكن يرد الروس على ذلك، ما يؤدي إلى مأزق يترك المنطقة الجنوبية لقمة سائغة بين الجانبين.
وتعتبر مدينة خيرسون، التي تقع على الضفاف الشمالية لنهر دنيبرو، بوابة للقوات الروسية للدفع غربا باتجاه مدينة أوديسا الساحلية المهمة، التي تمت السيطرة عليها في بداية الحرب، لكن لم تتمكن القوات الروسية من التقدم غربا حتى الآن.
وتمكن ذلك من إبقاء أوديسا وموانئ أخرى تقع على البحر الأسود في أيدي الأوكرانيين، شريان حياة أتاح مغادرة بعض شحنات الحبوب، ما أعطى كييف دفعة اقتصادية تشتد حاجتها إليها.
محاولة الإجابة عن السؤال المحير
لكن إرسال أوكرانيا لإشارات بشأن هجومها المضاد الذي طال انتظاره، وتباطأت وتيرته، وبعض القرارات المحيرة جعلت حتى المحللين شديدي الملاحظة يتساءلون أين ذهبت تلك الدفعة؟
وتساءلت مجلة "بوليتيكو": "هل هي خدعة لإرباك القوات الروسية؟ أم مؤشر على أن أوكرانيا تفتقر حاليا للقوة النارية لضرب سيطرة موسكو على أراض رئيسية، أم حرب طاحنة لتحقيق مكاسب؟".
وتساءل المحلل العسكري كونراد موزيكا: "لماذا الرسائل العامة بشأن خيرسون؟ سأكون صادقا معكم، لا أعلم، لكن هذا شيئا يقودني إلى الجنون. بصراحة، ومن وجهة نظر عسكرية، هذا غير منطقي على الإطلاق، لأنك إذا كنت قائدا عسكريا أوكرانيا ستفضل قتال السبع كتائب الروسية التي كانت في شمال خيرسون منذ شهر، ليس الـ15 أو الـ20 الموجودة هناك الآن"، مشيرًا إلى أن الخسائر الروسية أضعفت قوة القتال لبعض من تلك الكتائب.
الدرس الروسي
وتعلم الأوكرانيون من مواجهة الزحف الروسي تجاه كييف في فبراير/شباط ومارس/آذار، أن الدفع بآلاف القوات نحو هدف دون تخفيف دفاعات "العدو" هو خيار عسكري خاسر.
ويوم الإثنين، الماضي، قالت المتحدثة باسم قيادة العمليات الجنوبية في أوكرانيا، ناتاليا هومينيوك، إن الضربات الأخيرة على ثلاثة جسور على نهر دنيبرو جعلتها غير صالحة للعمل وعرقلت بشدة قدرة روسيا على تعزيز قواتها في خيرسون.
وأضافت أن الضربات حرمتهم من استخدام تلك الجسور في نقل المعدات الثقيلة.
لكن الضربات الناجحة لم يتبعها تقدم كبير بالميدان، وفي الواقع، كانت هناك حركة بسيطة للقوات البرية الأوكرانية حول منطقة خيرسون، مع بعض التقارير التي تقول إن القوات ظلت محاصرة في الخنادق خلال القصف الروسي.
قطع الجسور
وزعمت قيادة العمليات الجنوبية تحرير عشرات من البلدات والقرى الصغيرة في شمال منطقة خيرسون. لكنهم لم يواجهوا مقاومة روسية تذكر بتلك المناطق، وقال محللون إن استعادة بقية الأراضي ستكون أصعب بكثير.
وفي حين قد لا تكون أوكرانيا قادرة على الدفع بأقصى قوة مطلوبة بالوقت الراهن، تخنق الضربات التي وجهتها للجهود اللوجستية الروسية طموحات الكرملين أيضا، وفق المجلة.
وأفاد تقييم استخباراتي بريطاني في 13 أغسطس/آب بأنه "حتى إذا تمكنت روسيا من إجراء إصلاحات كبيرة بالجسور، ستظل نقطة ضعف رئيسية".
ونقلت روسيا خلال الأسابيع الأخيرة قواتها من منطقة خاركيف الجنوبية قرب مدينة إزيوم ومن منطقة دونيتسك في الشرق إلى الجنوب لتعزيز دفاعاتها حول خيرسون، ما يزيد من أفضليتها في القوات والمعدات.
وقوبلت القوات الروسية بمقاومة لا تذكر خلال الأيام الأولى للحرب عندما سيطرت على منطقة خيرسون، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية تقع شمال القرم. ومنذ ذلك الحين، عززوا خطوطهم هناك وبنوا خلال الأسابيع الأخيرة دفاعات تحسبا لهجوم أوكراني.
لكنها كانت أيضًا سيطرة غير مريحة للقوات المعادية، حيث واجهوا استياء عميقا من السكان الأوكرانيين ومقاومة قوية من القوات الخاصة التي تعمل سرا في المنطقة.
وبالرغم من ذلك، تخطط روسيا لإجراء استفتاء في خيرسون في منتصف سبتمبر/أيلول لضم المنطقة إلى قبضتها. لذا إذا كانت كييف تأمل في وقف التصويت غير القانوني، فهي بحاجة للتحرك بسرعة.