ماكرون وبوتين.. تفاصيل مكالمة الـ9 دقائق لمنع حرب أوكرانيا
رغم دخول الحرب بأوكرانيا في شهرها الخامس، لا تزال هناك أسرار لم تخرج للعلن عن ساعة الصفر أو كواليس قرار "الهجوم".
إلا أن بعضا من هذه "الأسرار" بات يخرج رويدا رويدا إلى العلن، والتي كان من بينها اتصال هاتفي أجري قبل أربعة أيام من العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون.
ذلك الاتصال والذي حاول من خلاله ماكرون إثناء بوتين عن العملية العسكرية، وترتيب لقاء له مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلا أن الأمور لم تسر وفق المأمول، وكانت النتيجة انتهاء المحادثة الهاتفية، والذي تلاها بأيام العملية العسكرية الروسية.
فماذا دار في الاتصال؟
صباح الأحد 20 فبراير/شباط الماضي، كانت الكاميرا تركز على إيمانويل بون، المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي، محاطا بثلاث متعاونات، داخل مكتبه الواقع في شارع الإليزيه بباريس، حيث الرئيس الفرنسي الذي كان قد زار قبل أيام قليلة موسكو وكييف، يجري وساطة أخيرة لمحاولة منع اندلاع الحرب.
ويتابع الأعضاء الأربعة للخلية الدبلوماسية التابعة للإليزيه عن بُعد الاتصال الهاتفي بين "رئيسهم" وزعيم الكرملين، والذي بدا فيه ماكرون حازما وهجوميا وحتى حادا في لهجته.
استمع إليه بوتين بدون أن يقول أي كلمة، لكنّ صمته كان يخفي استياءً، اتضح في إجابته التي قال فيها: "اصغ إليّ جيداً". تتضمن بعض العبارات المهذّبة باللغة الروسية، نوعًا من السخرية.
بدون مواربة، بدأ الرئيس الفرنسي المحادثة بالقول: "أود أن تعطيني أولاً قراءتك للوضع وربما بشكل مباشر، كما يفعل كلانا عادة، أخبرني ما هي نواياك؟".
هجوم "حاد"
هذه المحادثة المثيرة التي استمرت تسع دقائق ولم يُنشر مضمونها من قبل، وردت في الفيلم الوثائقي "رئيس وأوروبا والحرب" للصحفي غي لاغاش، الذي يروي الخفايا الدبلوماسية خلال الأشهر الستة الماضية في الإليزيه.
أجاب نظيره الروسي: "ماذا يمكنني أن أقول؟ أنت ترى بنفسك ما يحدث". وقال مهاجما الرئيس الأوكراني، بحسب الترجمة الواردة في الوثائقي "في الواقع، زميلنا العزيز السيد (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي، لا يفعل شيئا (لتطبيقها). إنه يكذب عليك"، في إشارة إلى اتفاقية مينسك التي من المفترض أن تؤدي إلى إحلال السلام في شرق أوكرانيا، حيث ينشط الانفصاليون الموالون لروسيا منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014.
واتهم بوتين زيلينسكي بأنه قال إنه يريد امتلاك أسلحة نووية، ليعلق إيمانويل بون بالقول "هذا هراء".
- "لا نكترث".. اتهم زعيم الكرملين نظيره الفرنسي بالرغبة في "مراجعة الاتفاقية" وطلب أن تؤخذ مقترحات السلام التي قدمها الانفصاليون في الاعتبار، إلا أن ماكرون احتج على اتهامات محاوره "لا أعرف أين تعلم محاميك القانون. أنا فقط أنظر إلى النصوص وأحاول تطبيقها!".
ويعاود بوتين الاتهام معرباً عن أسفه لعدم الإنصات إلى الانفصاليين، ليجيب ماكرون بحزم: "نحن لا نكترث لمقترحات الانفصاليين!"، موضحاً أنه غير منصوص عليها في الاتفاقية.
دور الوسيط
لكن ساكن الإليزيه يريد أن يلعب دور الوسيط، واقترح عقد لقاء يجمع كلّ الأطراف. وأكد "سأطلب هذا على الفور من زيلينسكي".
وقال إن "الوضع على خط التماس متوتر للغاية. لقد دعوت زيلينسكي يوم أمس فعلا إلى التهدئة. سأقول له ذلك مجدّدًا، تهدئة الجميع، التهدئة على شبكات التواصل الاجتماعي، تهدئة القوات المسلحة الأوكرانية".
ودعا نظيره الروسي ليحذو حذوه مع القوات الروسية المتمركزة على الحدود مع أوكرانيا. ونبهه قائلًا "لا تنجرف وراء الاستفزازات من أي نوع كانت في الساعات والأيام المقبلة".
وتقول "فرانس برس"، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رد على عرض نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون عقد قمة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، قائلاً "لا أخفيك، أريد أن ألعب هوكي الجليد (..) وها أنا، أتحدث إليك من صالة الرياضة".
اختتام المكالمة
"سنبقى على اتصال"، كانت جزءًا من كلمات ختام المكالمة الهاتفية التي حقق إيمانويل ماكرون بها الغاية من اتصاله المتمثلة بإقناع فلاديمير بوتين بقبول عقد لقاء مع الأمريكي جو بايدن في جنيف، في مسعى لوقف التصعيد في القمة.
إلا أن فلاديمير بوتين لم يظهر حماساً بالغاً، ولا حتى بشأن فكرة تحديد موعد.
وأكد بوتين، بحسب الوثائقين، أن "قبل كل شيء، يجب التحضير مسبقاً لهذا الاجتماع". ونجح إيمانويل ماكرون بانتزاع "اتفاق مبدئي" منه.
وعلى الفور، أعلن الإليزيه عن قمة مقبلة بين بايدن وبوتين، لكنها لم تُعقد، وفي نهاية الاتصال قال ماكرون "نبقى على اتصال بشكل آنيّ. اتصل بي بمجرد حدوث شيء ما". وختم بوتين بالفرنسية قائلاً "شكراً سيدي الرئيس".
إلا أنه بعد أربعة أيام كانت النتيجة مريرة، وقال ماكرون أمام كاميرا غي لاغاش "لم نقنعه، لقد غزا أوكرانيا".
وفي 16 يونيو/حزيران الجاري، قال الرئيس الفرنسي في طريق عودته عبر القطار من زيارة إلى كييف التقى خلالها فولوديمير زيلينسكي "اعتقدتُ أنه يمكننا إيجاد وسيلة مع بوتين عبر (...) الثقة والحوار".