سيناريو الإطاحة بمادورو.. مخاطر التغيير بالقوة في فنزويلا
مع تصعيد الولايات المتحدة لحربها ضد المخدرات في الكاريبي، يبدو الهدف الرئيسي للحملة هو إسقاط النظام في فنزويلا وهي فكرة قد تكون خطيرة.
مخاطر كبيرة قد تترتب على محاولة الولايات المتحدة إسقاط نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالقوة وقد تدفع أي خطوة عسكرية أو تدخل خارجي مباشر فنزويلا إلى وضع أسوأ مما تعيشه اليوم، وربما تؤدي إلى فوضى طويلة المدى وانهيار مؤسسات الدولة.
ووفقا لتحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية فإن الانتقال السياسي في فنزويلا لا يمكن أن ينجح إلا عبر عملية تفاوضية تدريجية تحظى بدعم دولي فعّال لأن الحلول السريعة القائمة على القوة ستكون كارثية.
ويرى العديد من المسؤولين في واشنطن أن مادورو يقترب من نهايته، خاصة بعد تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري في الكاريبي، وقيام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسماح لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) بتنفيذ عمليات سرية داخل فنزويلا.
وفي الوقت نفسه، تعتقد المعارضة الفنزويلية، وخاصة ماريا كورينا ماتشادو الحائزة على جائزة نوبل للسلام، أن سقوط مادورو بات وشيكا كما أنها تدعم الضغط العسكري الأمريكي لكن هذه الافتراضات تتجاهل واقعاً شديد التعقيد داخل البلاد.
ففنزويلا مليئة بجماعات مسلحة قد تقاتل للحفاظ على مواقعها كما أن الجيش الذي يدعم مادورو قد لا يسلم السلطة لمعارضة ديمقراطية، بل على الأرجح سيأتي ببديل أكثر قمعاً.
بالإضافة إلى ذلك فإن غياب خطة واضحة لما بعد سقوط النظام قد يجعل الوضع الأمني والاجتماعي أكثر سوءاً، وهو ما يهدد بانهيار الأمن وانتشار العنف.
وعلى مدار تاريخها، تذبذبت المعارضة الفنزويلية بين النهج المتشدد والمتعاون عبر السنين فماتشادو، على سبيل المثال، تبنت منذ 2014 موقفاً مؤيداً لإسقاط النظام بالقوة أو بتدخل خارجي وذلك بعد سلسلة احتجاجات كبيرة قمعتها السلطات بعنف لكن أصواتاً أخرى داخل المعارضة كانت دائماً تحذر من مخاطر العنف وتدعو للحوار.
وبعد انهيار الحكومة المؤقتة بقيادة خوان غوايدو عام 2022، برزت ماتشادو كرمز معارض جديد، خاصة بعد فوزها في الانتخابات التمهيدية عام 2023، قبل أن يتم منعها من الترشح للرئاسة ومع ذلك فقد دعمت المرشح البديل إدموندو غونزاليس، الذي تؤكد المعارضة أنه فاز على مادورو في انتخابات 2024.
لكن النظام رفض الاعتراف بهذه النتائج، ورد بقمع شديد شمل قتل متظاهرين واعتقال الآلاف، ما أدى إلى إحباط شعبي واسع.
اقتصادياً، تعيش فنزويلا أزمة خانقة مع الارتفاع الخطير للتضخم الذي قد يتجاوز 700% في 2026 في حين فقدت العملة الوطنية قيمتها، والرواتب لم تعد تكفي للطعام وأكثر من 80% من السكان يعيشون في الفقر، وأكثر من 8 ملايين شخص غادروا البلاد خلال السنوات الماضية.
وفي ظل هذا اليأس، أصبح كثيرون مستعدين لتأييد تدخل عنيف إذا كان ينهي حكم مادورو بسرعة لكن غياب خطة واضحة لما بعد مادورو قد يكون أخطر من بقاء النظام نفسه.
فهناك مجموعات مسلحة قوية مثل "جيش التحرير الوطني الكولومبي"، و"الكو " و"ترين دي أراوغا" التي تعد إحدى أكبر الشبكات الإجرامية في أمريكا اللاتينية وقد نسجت هذه المجموعات وغيرها علاقات مع النظام الحالي وتتمتع بنفوذ واسع، وقد تقاوم أي تغيير بشكل عنيف.
ومع غياب سلطة موحدة أو دعم عسكري أمريكي مباشر، ستكون الحكومة الانتقالية عاجزة عن بسط السيطرة.
وفي حين تراهن المعارضة على انشقاقات في الجيش إلا أن هذا الرهان ثبت فشله في الماضي، كما حدث عام 2019 عندما انتظر غوايدو انقلاباً لم يحدث وحتى لو انشق جزء من الجيش في المستقبل، فمن غير المرجح أن تدعم جميع القوات حكومة معارضة، مما قد يؤدي إلى انقسام داخلي وحرب منخفضة الوتيرة.
في المقابل، فإن أكبر إنجازات المعارضة تحققت عبر أدوات سلمية مثل الانتخابات، الاستفتاءات، والمفاوضات.
فقد نجحت المعارضة في 2007 بمنع تعديل دستوري طرحه الرئيس الراحل هوجو تشافيز، وفازت في انتخابات 2015 البرلمانية بأغلبية كبيرة كما أتاحت مفاوضات باربادوس عام 2023 المجال لتنظيم الانتخابات التمهيدية التي أفرزت ماتشادو وللخوض في انتخابات 2024 التي فاز بها غونزاليس بحسب المعارضة.
لكن هذه النجاحات دفعت التيار المتشدد إلى الاعتقاد بأن الطريق الأسرع هو إسقاط النظام بالقوة عبر دعم أمريكي مباشر، وهو ما يعد تكرارا لخطأ 2019، حين اعتمدت المعارضة كلياً على واشنطن رغم اختلاف أهداف الطرفين فبينما تريد المعارضة إنهاء إرث تشافيز وبناء دولة قانون، تركز الولايات المتحدة على الهجرة والمخدرات والطاقة ومواجهة الصين.
الأكيد أن فنزويلا لا يمكن أن تتحول إلى دولة ديمقراطية مستقرة بين ليلة وضحاها، وأن أي محاولة لاختصار الطريق باستخدام العنف ستنتهي بنتائج كارثية.
لذا فإن الحل الوحيد القابل للاستمرار هو التفاوض المدعوم دولياً، مع خطوات تدريجية لبناء الثقة وترتيبات انتقالية تضمن أن لا يتحول الفراغ السياسي إلى فوضى.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTE1IA== جزيرة ام اند امز