الكون يتمدد أسرع من الضوء.. كيف نرى المجرات البعيدة إذن؟
في أحدث الشروحات العلمية حول طبيعة الكون، يؤكد علماء الفلك أن توسع الكون المستمر يجعل فهم المسافات الكونية أكثر تعقيدا مما نعتقد.
على الرغم من أن المجرات البعيدة تُصدر ضوءها منذ مليارات السنين قبل أن يصل إلى تلسكوباتنا اليوم، فإن الكون يكون قد تمدد بشكل هائل خلال تلك الفترة، مما يجعل تحديد موقع هذه المجرات في اللحظة الحالية أمرا غير مباشر، كما أوضح تقرير لموقع "يُونيفرس توداي".
ويعتمد العلماء على نموذج كوني متكامل يعرف بـ «لامبدا–سي دي إم " ويجمع بين تأثيرات المادة المظلمة والطاقة المظلمة، لتقدير مقدار التمدد الذي شهده الكون عبر الزمن. ووفقًا لهذا النموذج، فإن عمر الكون البالغ 13.77 مليار سنة يقابل بُعدًا مرئيًا يصل إلى 45 مليار سنة ضوئية، وهو الحد الأقصى لما يمكن رصده اليوم، ويُعرف بـ " أفق الجسيمات" أو " الأفق الكوني".
لكن كيف يمكن أن يبلغ مدى الرصد 45 مليار سنة ضوئية، بينما عمر الكون أقل من ذلك بكثير؟
الإجابة هي: نعم، الكون يتمدد أسرع من الضوء، ولا يتعارض هذا مع نظرية النسبية، فالسرعة القصوى للضوء تنطبق على الأجسام التي تتحرك محليًا في المكان نفسه، لكنها لا تقيد تمدد الزمكان ذاته. ولهذا يمكن للمجرات البعيدة جدا أن تبتعد عنا بسرعات تتجاوز سرعة الضوء، لأنها تقع في مناطق من الفضاء يتسع فيها الكون بسرعة أكبر كلما زادت المسافة.
ويُحدد العلماء سرعة ابتعاد المجرات من خلال انزياحها نحو الأحمر في الطيف الكهرومغناطيسي، وهي الظاهرة التي اكتشف بفضلها إدوين هابل توسع الكون قبل قرن من الزمن. وكلما كانت المجرة أبعد، كان انزياحها أكبر وسرعة ابتعادها أعلى.
وتشير الحسابات إلى أن النقطة التي تبدأ عندها المجرات بالابتعاد أسرع من الضوء تقع على بعد 13.77 مليار سنة ضوئية ،وهو ما يسمّى مسافة هابل. ورغم ذلك يمكننا رؤيتها اليوم لأن الضوء الذي نرصده صدر عندما كانت تلك المجرات أقرب بكثير.
ومع ذلك، فإن لقدرتنا على الرصد حدودا نهائية، فهناك نطاق يدعى أفق الحدث الكوني، يبعد نحو 17 مليار سنة ضوئية، أي ضوء يُطلق الآن من خلف هذا الحد لن يصل إلى الأرض أبدًا، مهما طال الزمن.

وتجعل الطاقة المظلمة،المسؤولة عن تسارع التمدد، الأمر أكثر تعقيدا، فمع استمرار التوسع المتسارع، سيبلغ أفق الحدث الكوني في المستقبل نحو 60 مليار سنة ضوئية، لكنه لن يتيح لنا رؤية كل شيء، إذ سيتحول ضوء المجرات البعيدة إلى أطوال موجية طويلة جدا بحيث تصبح غير مرئية.
ويتوقع العلماء أنه خلال نحو 100 مليار سنة، سيختفي كل ما يقع خارج المجموعة المحلية من المجرات من مجال رؤيتنا إلى الأبد، ليبقى الكون، بالنسبة لسكّانه في ذلك الوقت، مظلما وخاليا إلا من جيرانه الأقرب.