سلاح بلا مساءلة.. الكونغرس الأمريكي يستعد للانسحاب من مشهد المراجعة

يستعد الكونغرس الأمريكي للتصويت على مشروعي قانون يُتوقع أن يقلّصا بشكل كبير من سلطته الرقابية على صفقات بيع الأسلحة إلى الخارج.
وهذه الخطوة المثيرة للجدل قد تُحدث تحولاً جوهرياً في ميزان القوى بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الولايات المتحدة، في وقت أصبحت فيه تجارة السلاح أداة محورية في السياسة الخارجية الأمريكية، وفقا لموقع ريسبونسبول ستيت كرافت.
ومن المتوقع أن يصوّت المشرّعون، يوم الثلاثاء المقبل، على مشروعين من شأنهما تسهيل وتسريع إجراءات بيع الأسلحة من قبل الحكومة الأمريكية وشركات الصناعات العسكرية إلى الدول الأجنبية، دون أن تمر بالضرورة عبر قنوات المراجعة والمساءلة التقليدية في الكونغرس، بل قد لا يعلم بها بعض الأعضاء إطلاقاً.
هذا التوجه يأتي في وقت تراجعت فيه التدخلات العسكرية المباشرة للولايات المتحدة في مناطق النزاع، مثل العراق وأفغانستان، كما خفّضت واشنطن من اعتمادها على الضربات الجوية بطائرات دون طيار منذ ذروتها في عهد إدارة أوباما.
رغم ذلك، ظلّت مبيعات السلاح أداة مركزية للنفوذ الأمريكي، سواء في دعم أوكرانيا ضد روسيا، أو في تزويد إسرائيل بكميات ضخمة من السلاح خلال حربها المدمرة في غزة، وتوسيع عملياتها لتشمل سوريا ولبنان وحتى إيران.
لكن ما يثير القلق بشكل خاص هو أن الولايات المتحدة تبيع الأسلحة سنوياً لأكثر من 100 دولة، تصنف نحو ثلثها بأنها دول "غير حرة" وفقاً لمنظمة "فريدوم هاوس"، كما بيّنت دراسة صادرة عن "معهد كوينسي" أن 34 من أصل 46 نزاعاً مسلحاً حول العالم خلال إدارة بايدن كانت أطرافها تستخدم أسلحة أمريكية.
ورغم وضوح الصلة بين مبيعات السلاح الأمريكية وتصاعد النزاعات وانتهاكات حقوق الإنسان، تسعى التشريعات الجديدة إلى تسريع تلك المبيعات على حساب التدقيق والمحاسبة، مما يُنذر بتقويض الأمن القومي الأمريكي ومصالح حلفائه، حسبما يرى منتقدو التوجه.
كما يتضمن المشروع تسريع تزويد إسرائيل بالسلاح، رغم اتهامها من قبل خبراء دوليين بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة.
وتعزز هذه الخطوات التشريعية منطق "السلام عبر السلاح"، الذي يرى منتقدون أنه أقرب إلى مقامرة جيوسياسية منه إلى سياسة عقلانية. إذ إن تقريب أنظمة قمعية ومزعزعة للاستقرار من بعضها البعض، تحت راية الأمن الإقليمي، قد يؤدي إلى نتائج عكسية كارثية.
أما المشروع الثاني، فيقترح تأخير المرحلة التي يُلزم عندها البيت الأبيض بإبلاغ الكونغرس بصفقات السلاح. وهو تعديل خطير، خصوصاً بعد أن كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن تنفيذ أكثر من 100 صفقة سلاح بين الولايات المتحدة وإسرائيل خلال الأشهر الأولى من حرب غزة، دون أن تُعرض على الكونغرس، لأنها كانت دون العتبة القانونية.
تأجير مرحلة إبلاغ الكونغرس يعني مزيداً من التغاضي، ويفتح الباب أمام تمرير صفقات مشبوهة دون رقابة أو نقاش عام.
هذه التطورات دفعت المراقبين للتحذير من أن تقليص الرقابة البرلمانية على مبيعات السلاح يعكس تخلي الكونغرس عن مسؤوليته الدستورية في ضبط التوازن بين المصالح الأمنية والدبلوماسية والأخلاقية. وفي عالم تسوده النزاعات وتتصاعد فيه التوترات، فإن تمرير مثل هذه القوانين قد يُسهم في إشعال المزيد من الحروب بدلاً من إخمادها.