أظهرت بيانات رسمية صينية أن إجمالي واردات وصادرات الدولة نمت بنسبة 24.5٪ سنويا إلى 3.3 تريليون دولار في أول سبعة أشهر من العام الجاري.
وأظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك أن هذا الرقم يمثل زيادة بنسبة 22.3٪ مقارنة بالمستوى خلال الفترة نفسها من عام 2019.
إضافة إلى ذلك، سجلت الصادرات نموًا مزدوج الرقم بنسبة 24.5٪، كما سجلت الواردات أيضًا نموًا بنسبة 24.4٪.
وكان من اللافت الارتفاع الكبير في التجارة الثنائية بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، حيث يشحن كل منهما إلى الآخر سلعا بأسرع وتيرة، تجعل العلاقات التجارية بين البلدين هي الكبرى عالميا، وليبدو كأنه لم يكن هناك فرض تعريفات جمركية مرتفعة، كما ذكر تحقيق نشرته وكالة "بلومبرج"، أو كأنه لم يكن هناك وباء عالمي قط.
فبعد ثمانية عشر شهرا من توقيع الرئيس الأمريكي السابق، "ترامب"، على الصفقة التجارية بين البلدين، وهي الاتفاقية التي تحولت لتصبح في أفضل الأحوال هدنة في الحرب التجارية بينهما، لم ينخفض العجز التجاري الأمريكي، واستمرت معظم الرسوم كما هي، ولم يؤد هذا حتى إلى مفاوضات حول بقية القضايا الاقتصادية بين الجانبين.
ومع هذا، يمكن القول إن التجارة الثنائية في السلع بين الصين وأمريكا تقع في منطقة مستقرة بعد استمرار تدهورها مع ارتفاع التوتر حول عدة قضايا.
وقد هبطت التجارة الثنائية بين الصين وأمريكا لتبلغ 19 مليار دولار في شهر فبراير من العام الماضي، حين تم إغلاق مصانع في الصين نتيجة لاندلاع جائحة كورونا، ثم تعافت على مدى عام إلى تسجيل معدلات قياسية جديدة، وذلك طبقا للأرقام الرسمية الصينية.
ومن المنتظر استمرار ذلك، مع شراء الصين ملايين الأطنان من السلع الزراعية الأمريكية خلال هذا العام والعام المقبل، ومع استمرار المستهلكين الأمريكيين، العالقين في منازلهم، في التسوق، وبالتالي استيراد كميات قياسية من السلع الصينية.
ووفقا للأرقام الأمريكية، فقد بلغت الصادرات الأمريكية للصين خلال النصف الأول من هذا العام نحو 71.1 مليار دولار، بينما بلغت وارداتها منها نحو 229.6 مليار دولار، أي كان هناك عجز في الميزان التجاري لصالح الصين يقدر بنحو 158.5 مليار دولار.
وبينما تختلف الأرقام الأمريكية إلى حد ما عن الأرقام الصينية، فإن التبادل التجاري الكثيف بين البلدين يتحدى توقعات أن التعريفات المفروضة على ما يساوي مئات المليارات من الدولارات من السلع، سوف تدفع نحو فك الارتباط في سلاسل الإمداد بين البلدين.
وبدلا من ذلك، فإن كلا البلدين قد تعلم أن يعيش مع التعريفات الجمركية المفروضة، مع شراء الشركات الصينية سلعا أمريكية أكثر لتحقيق الشروط المذكورة في الصفقة التجارية لعام 2020، وتشتري الشركات الأمريكية سلعا لا يمكنها الحصول عليها بالشروط نفسها من مكان آخر للوفاء بالطلب المرتفع من القطاع العائلي، الذي تم تغذيته جزئيا بتريليونات الدولارات من خطط التحفيز الحكومية.
وقد ارتفعت الصادرات للولايات المتحدة كذلك من تايوان وكوريا الجنوبية خلال الفترة نفسها، وهو ما يوضح قوة الطلب الأمريكي، رغم أنها شهدت واحدة من أسوأ موجات تفجر كوفيد-19، التي شهدها أي بلد.
ويقدر أن نحو نصف الـ259 مليارا من البضائع التي تتحرك من وإلى ميناء "لوس أنجلوس" -أكبر ميناء في الولايات المتحدة- يتضمن الصين وهونج كونج.
واستمر طلب الولايات المتحدة في الارتفاع بلا هوادة، مع شحنات قياسية متجهة إلى الميناء في شهر مايو مع بدء الشركات في الاستعداد لتخزين البضائع قبل موسم التسوق في أعياد الميلاد.
وحسب تصريحات المدير التنفيذي لميناء "لوس أنجلوس"، فإن "كل الدلائل تشير إلى أن النصف الثاني من العام سيكون فعالا"، مذكّرا بأن السلع التي تغطي موضة أزياء الخريف، والعودة للمدارس، وعيد الهالوين وموسم إجازات أعياد الميلاد، كلها تصل بالفعل على السفن.
ومع بقاء الرسوم الجمركية مفروضة على سلع تقدر قيمتها بأكثر من 300 مليار دولار من الواردات الصينية، وذلك بداية من الأحذية والملابس مرورا بالإلكترونيات والدراجات، بل وحتى أكل الحيوانات الأليفة، فإن العديد من بائعي التجزئة في الولايات المتحدة اختاروا امتصاص التكلفة الزائدة وخفض هوامش أرباحهم، وذلك طبقا لمصدر في اتحاد البيع بالتجزئة، بينما اختار بعض البائعين تمرير التكلفة للمستهلكين ورفعوا الأسعار، فيما تتعامل الشركات كذلك مع حالات التأخير والاختناقات في الموانئ وتزايد تكلفة الشحن.
وقد ارتفع عدد السفن التي تنتظر دخول أحد ميناءي "لوس أنجلوس" و"لونج بيتش" في كاليفورنيا إلى 3 أشهر ونصف الشهر، بينما بلغت أسعار الشحن لحاملة حاويات 40 قدما من شنغهاي إلى لوس أنجلوس أكثر من ثلاثة أمثالها مقارنة بأسعار العام الماضي.
ولم تعلن إدارة "بايدن" إذا ما كانت تخطط للاستمرار في الاتفاق التجاري أم لا، وسط مراجعتها لسياستها تجاه الصين، ولكن مع إطلاق كاثرين تاي، الممثلة التجارية الأمريكية للعلاقات بين البلدين، وصْف أنها "غير متوازنة"، ومع قول وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، إن الاتفاق التجاري لم يأخذ في الاعتبار المشكلات الأساسية للعلاقة مع الصين، يبدو أن مستقبل العلاقات غير مبشر.
وعلى رأس قضايا التوتر كون المشتريات الصينية، وفقا للاتفاق، سوف تنتهي آخر هذا العام، وتعد هذه المشتريات أقل بكثير مما وعدت به الصين.
ومنذ البداية كان يُنظر إلى هذه الأهداف على أنها غير واقعية ومرتفعة للغاية، وأتت مشكلات مثل الوباء ومشكلة إيقاف الطائرة "ماكس 737"، التي تنتجها شركة "بوينج" والتي كانت الصين ستشتري منها أعدادا كبيرة، لتضع مزيدا من العقبات أمام تنفيذ الصين لما ينص عليه الاتفاق التجاري.
وحتى لو تم إلغاء الاتفاق التجاري، فإن الدرس من الأربعة أعوام الماضية، هو أنه حتى لو توافرت الإرادة السياسية، فإن من الصعب وقف التجارة الدولية أو تحويلها عن مسارها كما كان يعتقد البعض سهولة حدوث ذلك.
ومع ذلك يبقى مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين على الأقل في المدى القصير ضبابيا بعض الشيء، خاصة مع تفجر متحور الفيروس "دلتا" في الصين منذ منتصف شهر يوليو الماضي، لدرجة إغلاق الصين أكبر ثالث ميناء فيها، ما أثر على حركة الشحن لدول العالم كافة، مع تحويل البضائع، التي كانت تدخل وتخرج من هذا الميناء، إلى موانئ أخرى لتصبح أكثر ازدحاما، كما أنه لا يُعرف حتى الآن ما قد يترتب من آثار هذا المتحور على مستوى إغلاقات الأنشطة الاقتصادية في الصين والولايات المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة