اقتصاد أمريكا أمام اختبار الصبر.. بطالة طويلة الأمد وسوق عمل يزداد هشاشة

يشهد سوق العمل الأمريكي ضغوطا متزايدة مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل لفترات طويلة إلى أعلى مستوى منذ 2021، وسط تباطؤ في التوظيف وتراجع فرص العمل، ما يثير مخاوف اقتصادية واجتماعية من موجة إحباط قد تدفع مزيدا من العمال للخروج من السوق.
في حين لم يُصدر تقرير الوظائف الحكومي الأمريكي لشهر سبتمبر/أيلول يوم الجمعة بسبب الإغلاق الحكومي، تشير مؤشرات اقتصادية حديثة أخرى إلى أن سوق العمل يزداد صعوبة، فقد انخفض عدد الوظائف في القطاع الخاص بمقدار 32 ألف وظيفة في سبتمبر/أيلول، وفقًا لشركة ADP لمعالجة الرواتب. كما تراجع عدد الوظائف الشاغرة في أنحاء الولايات المتحدة بشكل مطرد، بحسب البيانات الاقتصادية.
وعلى الرغم من أن معدل البطالة في أمريكا لا يزال منخفضا تاريخيا عند 4.3%، فإن نسبة الأمريكيين الذين يصنفون كعاطلين عن العمل لفترات طويلة أي لمدة 27 أسبوعا أو أكثر ارتفعت إلى 26%، وهي أعلى نسبة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وفقًا لبيانات العمل.
ماذا تقول الأرقام عن البطالة؟
وحتى أغسطس/آب، بلغ عدد العاطلين عن العمل لفترات طويلة 1.9 مليون شخص، وهو أعلى مستوى منذ عام 2021، حين كانت البلاد لا تزال تتعافى من آثار جائحة كورونا.
ومع تباطؤ سوق العمل الأمريكي في الأشهر الأخيرة نتيجة تقليص أصحاب العمل لعمليات التوظيف، يجد المزيد من العمال أنفسهم مُهمّشين لفترات طويلة، بحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا لشبكة "سي بي إس نيوز".
وقالت لورا أولريش، مديرة الأبحاث الاقتصادية في شركة "إنديد" لأمريكا الشمالية والمسؤولة السابقة في بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند: "نعيش في بيئة تتسم بانخفاض معدلات التوظيف وقلة تسريح الموظفين. لا توجد وظائف جديدة تتاح للناس، ببساطة لا مجال لاستقبال موظفين جدد".
كيف ينظر الشعب الأمريكي لهذا الوضع؟
وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي بي إس نيوز" ونُشر الخميس، نظرة قاتمة لدى كثير من الأمريكيين تجاه سوق العمل، إذ وصفه 33% فقط بأنه "جيد"، بانخفاض عن 41% في أبريل/نيسان. كما قال 48% من المشاركين إنهم يعتقدون أن عدد الوظائف الجيدة في مناطقهم أقل مما كان عليه قبل خمس سنوات.
حذرت أولريش من أن ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل لفترات طويلة يحمل خطرين: فمن جهة، يعاني الأفراد من نكسات مالية نتيجة استنزاف مدخراتهم وتزايد ديونهم، ومن جهة أخرى قد يتأثر الاقتصاد الأمريكي ككل إذا فقد الناس الأمل وتوقفوا عن البحث عن عمل.
وقالت: "من يدخلون في فئة البطالة طويلة الأمد يصعب عليهم العودة إلى سوق العمل. القلق الأكبر هو أن يصابوا بالإحباط فيتوقفوا عن المحاولة ويخرجوا من سوق العمل تماما".
ويصف الباحثون عن عمل منذ أشهر العملية بأنها مرهقة ومحبطة، خاصة بعد إرسال مئات الطلبات دون رد.
هل الصورة قاتمة لدرجة كبيرة؟
يقول جيمس ستراون، 55 عاما، خبير جودة البرمجيات من كولورادو، الذي فقد وظيفته في يوليو/تموز، إنه قدّم 100 طلب توظيف ولم يتلق سوى رد واحد.
وأضاف في حديثه لشبكة "سي بي إس نيوز": "سمعت من يقولون إن هذه أرقام بسيطة، فهناك من قدموا ألف طلب، كل صباح أفتح لينكدإن أقضي اليوم كله هناك لأجد منشورا جديدا يشبه قصة رعب عن البحث عن عمل".
وروى سترون أنه رُفض من وظيفة بأجر أدنى في مركز رياضي، قبل أن يحصل على وظيفة موسمية في شركة "يو بي إس"، لكنه يخشى من عدم تمكنه من العثور على وظيفة في مجال التكنولوجيا مع نهاية العام، عندما ينفد راتبه.
وأشار إلى أنه يعتقد أن التمييز على أساس السن قد يكون من أسباب معاناته، قائلا: "العثور على وظيفة يتطلب معجزة صغيرة. الأمر صعب للغاية، السوق هش جدا".
ما هي درجة معاناة الشباب في الحصول على وظيفة؟
ولا يقتصر الأمر على العمال ذوي الخبرة؛ إذ يواجه العمال الشباب وخريجو الجامعات الجدد صعوبات متزايدة في دخول سوق العمل. ومع تزايد عدد الباحثين عن وظائف، أصبح أصحاب العمل أكثر انتقائية، ويشترطون خبرات وسيرا ذاتية أكثر شمولًا، وفقا لأولريش.
وأضافت: "يطلبون سنوات خبرة أطول، أحيانًا تسع سنوات أو أكثر، لأنهم ببساطة قادرون على فرض هذه الشروط".
وقالت إليز غولد، الخبيرة الاقتصادية في معهد السياسة الاقتصادية، إن معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا "يرتفع ببطء ولكن بثبات".
يقول ماثيو ماكمينز، خريج جامعة ممفيس العام الماضي، إنه تقدم لنحو 500 وظيفة على مدار 18 شهرًا قبل أن يحصل أخيرًا على وظيفة مهندس برمجيات في أغسطس/آب. ووصف تجربته بأنها "بائسة ومهينة" بسبب صعوبة الحصول على مقابلات.
ويضيف: "عندما بدأت دراستي الجامعية، كانت التوقعات عالية بشأن فرص التوظيف بعد التخرج. لكن بمجرد أن بدأت البحث الجاد، شعرت بالتواضع سريعا".
ماذا عن رد فعل الفيدرالي الأمريكي؟
جذب اضطراب سوق العمل اهتمام الاحتياطي الفيدرالي، الذي يوازن بين هدفي إبقاء البطالة والتضخم منخفضين. وفي الشهر الماضي، خفّض البنك المركزي أسعار الفائدة لأول مرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2024 في محاولة لدعم التوظيف. لكن حتى لو تحسنت المؤشرات قريبا، فإن الضرر وقع بالفعل بالنسبة لكثيرين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjEg جزيرة ام اند امز