معهد واشنطن: لهذه الأسباب يصعب احتواء انتفاضة إيران
الطابع العرقي للانتفاضة الإيرانية يفاقم من قدرة الملالي على احتوائها.
كشف معهد أبحاث أمريكي عن أن النظام الإيراني يواجه مأزقا كبيرا لصعوبة احتواء التظاهرات الأخيرة التي اجتاحت إيران مؤخرا في كل أنحاء البلاد، لافتا إلى أن انتشار المظاهرات وطبيعة المشاركين فيها يشيران بوضوح إلى أن الغضب يجتاح جميع الإيرانيين.
ونبه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى -في دراسة بحثية للدكتورة بريندا شيفر أستاذة مساعدة في "مركز الدراسات الأوروبية والروسية وأوروبا الشرقية" في جامعة جورج تاون، ومؤلفة كتاب "الحدود والإخوة: إيران وتحدّي الهوية الأذربيجانية"- إلى أن شرارة التظاهرات الأخيرة المناهضة للنظام في إيران اندلعت في المحافظات الطرفية للبلاد، التي كانت بدورها مسرحاً لغالبية حالات الوفاة المعلنة. ولا يزال زخم التظاهرات على أشده في المحافظات الحدودية وليس في طهران، لا سيما في الشمال الغربي والجنوب الغربي من البلاد.
وأشارت الدراسة، إلى أن اندلاع التظاهرات الواسعة الانتشار في أماكن مختلفة من البلاد، بما فيها المناطق الريفية وخارج المدن الكبرى، يؤكد أن الحراك سيضع النظام أمام تحديات أكبر بكثير من تلك التي طرحتها احتجاجات "الحركة الخضراء" عام 2009، والتي تركّزت في طهران، وتمتعت بقيادة واضحة يمكن كبتها وإخضاعها مباشرة.
وأضافت الدراسة أن الاحتجاجات الحالية تمثل أيضا احتجاجاً عرقياً كان غائباً خلال انتفاضة عام 2009، حيث تشتعل الانتفاضة في المحافظات الحدودية التي تعاني تهميشا متكررا من النظام، ضمن مشاكل اقتصادية واجتماعية أخرى، ومن شأن الأسباب العرقية أن تسبب مشاكل إضافية للنظام الإيراني، وهو ما يهدد باندلاع اضطرابات خطيرة.
وأوضحت الدراسة الأسباب التي تجعل احتواء الانتفاضة الإيرانية هذه المرة أمرا بالغ الصعوبة بالنسبة للملالي.
هيكلية المحافظات والتركيبة العرقية
تتألف إيران من 31 محافظة لكل منها محافظ تعيّنه الحكومة المركزية. وفي حالات عديدة، لا يكون هؤلاء المسؤولون من أبناء المناطق التي يتولون حكمها، كما أنهم لا يتحدثون اللغة المحلية. ويقع ثلث المحافظات عند الحدود مع دولة أجنبية واحدة على الأقل، ويتشارك معظم سكانها الأصول العرقية، وغالباً ما تجمعهم روابط أسرية بهذه الدول. وفي بعض المحافظات، تنافس التعاملات التجارية المباشرة مع الدول المجاورة التجارة مع مركز إيران أو حتى تتخطاها.
إن غالبية سكان معظم المحافظات الحدودية هم من غير الفارسيين، في حين أن وسط إيران فارسي عموماً (على الرغم من أن نصف سكان طهران نفسها مكوّنون من أقليات). وفي المجموع، تشكّل الأقليات العرقية أكثر من نصف إجمالي عدد سكان البلاد البالغ 82 مليون نسمة، وفقاً للتقييمات الأكاديمية الرئيسية. وأكبر مجموعة من هذه الأقليات هي تلك المكونة من الأذربيجانيين (نحو 24 مليونا)، تليها الأكراد (8 ملايين)، واللور أو الأكراد الفيلية (3 ملايين)، والعرب (3 ملايين)، والتركمان (3 ملايين)، والبلوش (3 ملايين).
مظالم الأعراق والمحافظات
يمكن للهوية العرقية أن تضطلع بمجموعة واسعة من الأدوار في إيران. فالعديد من المواطنين المنتمين إلى الأقليات يعرّفون أنفسهم تعريفاً تاماً على أنهم إيرانيون، وأن هويتهم العرقية هي ذات أهمية سياسية ضئيلة. وفي الواقع، تنحدر بعض أهم ركائز النظام من مجتمعات الأقليات بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه، الذي هو من أصول أذربيجانية. غير أنه بالنسبة للكثيرين غيرهم، تُعتبر الهوية العرقية أساسية، وربما تتنامى رغبتهم في الانفصال بسبب مجموعة من سياسات النظام التي تؤثر على مجتمعاتهم على الصعيد المحلي والخارجي، وبسبب وسائل الإعلام الحكومية التي لا تنفك تعامل الأقليات بازدراء.
وفيما يخص الاضطرابات المندلعة حالياً، تدلّ مؤشرات عديدة على أن الانتماء العرقي أصبح عاملاً مهماً. فعلى سبيل المثال، انطلقت الاحتجاجات في الأساس من مدينة مشهد، التي تضمّ شريحة واسعة من التركمان وتقع على بعد ساعتين بالسيارة من الحدود مع تركمانستان. ومن هناك امتدت الاحتجاجات إلى العديد من المدن الصغيرة في الشمال الغربي والجنوب الغربي من البلاد، ومعظمها في المناطق الكردية والعربية. ولم تبدأ الاحتجاجات الكبيرة في طهران إلا في اليوم الثالث، كما اندلعت مظاهرات كثيرة في وسط البلاد في مجتمعات تسكنها الأقليات (مثلاً مدينة كرج التي يهيمن عليها الأذربيجانيون خارج العاصمة).
بالإضافة إلى ذلك، فإن عشرات التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد أظهرت المحتجين في بعض المحافظات وهم يطلقون مطالب عرقية- قومية مترافقة مع موسيقى، في الوقت الذي يرددون فيه شعارات بلغات الأقليات مثل اللغة الأذربيجانية والكردية والعربية.
وأصدر عدد من المنظمات الأجنبية التي تنادي بحقوق الأقليات العرقية تصريحات مؤيدة للاحتجاجات، ولكن ليس من الواضح إلى أي مدى تمثل هذه المنظمات المواطنين فعلياً على الأرض. ومهما كانت الحالة، يبدو أن مطالب الجماعات العرقية تمثّل محركاً قوياً لشرائح واسعة من السكان التي قد لا تكون ناشطة سياسياً.
كما تواجه المحافظات صعوبات اقتصادية أكثر من تلك في وسط البلاد. فمعدلات الدخل والخدمات الاجتماعية في المناطق المحيطة هي في مستويات أدنى، ومعدلات البطالة في مستويات أعلى، ويعاني العديد من السكان تحديات صحية ومعيشية باهظة ناجمة عن الأضرار البيئية. وسواء كان هناك ما يبرر ذلك أم لا، غالباً ما تحمّل مجتمعات المحافظات مسؤولية هذا الضرر على سياسات الحكومة المركزية.
ولا يسمح النظام للأقليات العرقية باستخدام لغاتهم الأصلية في الأماكن الرسمية مثل المحاكم والمدارس، في انتهاك للحماية الدستورية. وربما نتيجةً لذلك، يقول العديد من مواطني الأقليات في المدن الكبرى إن الفارسية هي لغتهم الوظيفية الأقوى.
كما تجدر الإشارة إلى أن عدد الإعدامات القضائية التي نُفذت في المناطق الكردية والبلوشستانية يتجاوز إلى حدّ كبير المتوسط الذين يشهده وسط إيران. وبينما يدّعي النظام أن هذه الإعدامات تتعلق بجرائم مثل تهريب المخدرات، إلّا أنّ وتيرتها غير المتناسبة تشير إلى أن السلطات ربما تلجأ إليها من أجل قمع نشاط المعارضة.
كما هناك تداعيات محلية لسياسة إيران الخارجية تجاه الدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، أدّت مساعي النظام لمعاقبة حركة الاستقلال الكردية في العراق في الخريف الماضي إلى إثارة السخط والاستياء في أوساط الأكراد الإيرانيين. بالإضافة إلى ذلك، قامت أعداد أكبر من الأذربيجانيين الإيرانيين برحلات سياحية إلى أذربيجان المجاورة خلال العام الماضي، وقد يكون بعضهم قد تأثر بتجربة الاستمتاع بلغتهم وثقافتهم الأم بعيداً عن القيود المفروضة عليهم في إيران.
aXA6IDE4LjIyMi41Ni4yNTEg جزيرة ام اند امز