لقد كان الجمهور من الشعوب والمثقفين العرب يدركون تماما أن هذه التقديرات الخاطئة للسياسة الأمريكية لا بد أن تنتج هذه النتائج الفظيعة
"أمريكا قوة للخير في الشرق الأوسط"، هكذا بدأ وزير الخارجية الأمريكي كلمته التي ألقاها في الجامعة الأمريكية في القاهرة، هذه البداية أتت وكأنها بحث جديد لمكانة أمريكا في المنطقة وخاصة أن بومبيو تحدث بصراحة عن رئيس أمريكي سابق وقف في القاهرة عام 2009، وقال بالنص عن غياب أمريكا عن المنطقة إن سببه "لأن قادتنا أخطأوا في تفسير تاريخنا وفي قراءة لحظتكم التاريخية تلك، وقد أثّر سوء التفاهم الأساسي هذا، الذي بدأ في هذه المدينة عام 2009، تأثيراً سلبياً على حياة مئات الملايين من الناس.. في جميع أنحاء المنطقة".
بومبيو اعترف بشكل حاد أن هناك خطأ تم ارتكابه وسوء تقدير تم الاعتماد عليه لفهم تاريخي مرتبك تمت رؤيته، كل هذا حدث في المنطقة خلال العقد الماضي، ولكن.. هنا تساؤل مهم.. الشعوب العربية والمتابعون من شرقها إلى غربها من يضمن لها أن هذا الاعتراف هو اعتراف نهائي وأخير؟
لقد كان الجمهور من الشعوب والمثقفين العرب يدركون تماماً أن هذه التقديرات السيئة والخاطئة للسياسة الأمريكية لا بد أن تنتج هذه النتائج الفظيعة التي تمر بها المنطقة العربية، كل الأخطاء التي ارتكبت في هذه المنطقة أدت بها إلى العودة مئات السنين إلى الوراء، ولم تكن أمريكا في عهد الرئيس أوباما بحاجة إلى هذا الانحراف والانحياز السياسي تجاه قوى الإسلام الراديكالي في شكله السياسي وإلى الانحراف الطائفي في شكله الإيراني.
يقول بومبيو في كلمته إنهم قللوا "إلى حدّ كبير من خطورة الإسلام المتطرف ووحشيته، وهو انحراف فاسد من الإيمان يسعى إلى اقتلاع كل شكل آخر من أشكال العبادة أو الحكم"، ولعل السؤال المهم هنا يدور حول منحنا كمتابعين تفسيراً دقيقاً لهذا التجاذب الذي حدث في السياسة الأمريكية في المنطقة، وهل دخلت المنطقة في إطار منافسة سياسية يشهدها الداخل الأمريكي؟ أمريكا وعبر تاريخها لم تكن تسمح أن تتصدر منافساتها السياسية الداخلية عناوين لاستراتيجياتها الخارجية، إنه يحق لنا الآن السؤال خلف سبب كل ذلك وبماذا تشعر أمريكا تجاه المنطقة؟
هل يمكننا القول إن أمريكا شعرت بالندم أم الخطر؟ هل هو ندم على تصرفات غير واقعية قام بها الرئيس "أوباما" أم هو إحساس بتواجد منافسين جدد في المنطقة؟ لا أحد يشك في الخبرة التاريخية التي تمتلكها أمريكا في المنطقة، ولكن التاريخ ليس صكاً دائم الملكية يمكن حفظه في الخزينة الأمريكية، التاريخ في المنطقة لصالح أمريكا إلى أن بدأت أحداث 2010 تكتسح عالمنا العربي.
لقد استدرك بيومبو هذه الهفوة التاريخية وقال بالحرف الواحد يصف سياسة بلاده السابقة: "إن حرصنا على التعامل مع المسلمين فقط وليس مع الأمم بأكملها، تجاهل التنوع الثري في الشرق الأوسط وأضعف الروابط القديمة. وقد قوض ذلك التعامل مفهوم الدولة القومية، حجر الأساس للاستقرار الدولي. وأدت رغبتنا في السلام بأي ثمن إلى عقد صفقة مع إيران، عدونا المشترك".
بومبيو اعترف بشكل حاد أن هناك خطأ تم ارتكابه وسوء تقدير تم الاعتماد عليه لفهم تاريخي مرتبك تمت رؤيته، كل هذا حدث في المنطقة خلال العقد الماضي، ولكن.. هنا تساؤل مهم.. الشعوب العربية والمتابعون من شرقها إلى غربها من يضمن لها أن هذا الاعتراف هو اعتراف نهائي وأخير؟ نعم هناك عدو مشترك في المنطقة إيران والمنظمات الإرهابية، ولكن ليس هذا كل شيء، الشعوب العربية والسياسات العربية بحاجة إلى ما هو أكثر من القضاء على الأعداء والخصوم، وهذا باعتراف الوزير بومبيو عندما قال في خطابه "وها نحن هنا اليوم، فما الذي تعلمناه من كل هذا؟ تعلمنا أنه عندما تتراجع أمريكا غالباً ما تتقدّم الفوضى، عندما نهمل أصدقاءنا ينمو الاستياء، وعندما نعقد شراكات مع الأعداء يتقدمون".
قلق أمريكا من الزحف الصيني والروسي عبر عنه الوزير بقوله "هل سيأتي الروس أو الصينيون لإنقاذكم بالطريقة نفسها، بالطريقة التي قمنا بها نحن؟.. لا أعلم من هو المعني بهذا السؤال، ولكن الشعوب العربية بحاجة إلى أن يستمر التاريخ بطريقته المعتادة قبل أن تضطره الظروف إلى المغادرة، فليس من الصحيح أن تشعر الشعوب العربية أنها منطقة صراع على نفوذ دولي لأنها إذا ما شعرت بذلك فسوف تكون أكثر قلقاً من الجميع عبر نتائج شعبية سلبية.
الوضوح الذي جاء به خطاب بومبيو كان أكثر بكثير مما جاء به أوباما في عام 2009، ولكن العشر سنوات التي فصلت بين الخطابين تعلمت الشعوب العربية فيها الكثير من الدروس المهمة، إذا كانت أمريكا ترغب فعلياً في العودة إلى المنطقة فعليها أن تتفهم أن الدول العربية التي اختارتها أمريكا في (MESA) التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط، يجب أن تلعب فعلياً دور الشركاء وليس المشتركين، وعلى أمريكا أن تتفهم أن هذه الدول خلال العقد الماضي تغير فيها الكثير من القيم السياسية وأصبحت أكثر وعياً في فهم استراتيجياتها القومية.. وهذا ما على الشريك الأكبر فهمه.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة