الانسحاب الأمريكي من سوريا.. خطوة سليمة أم هدية للإرهاب؟
مراقبون عدوا القرار خطوة صائبة من الرئيس الأمريكي لكن آخرين رأوا فيه طعنة لحلفاء واشنطن وهدية لتنظيم داعش الإرهابي
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا اختلفت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض، فهناك من ينظر إلى القرار على أنه خطوة سليمة خاصة بعد إنجاز مهمة هزيمة داعش، لكن آخرين يرونه بمثابة هدية للتنظيم الإرهابي وطعنة لحلفاء واشنطن وإفساح للمجال أمام روسيا وإيران وتركيا.
خطوة سليمة
في صحيفة "الجارديان" البريطانية رأى تريفور تيم مدير مؤسسة حرية الصحافة في سان فرانسيسكو أن ترامب محق في قراره بسحب القوات من سوريا.
وقال تريفور -خلال مقاله المنشور عبر الصحيفة- إن ترامب أعلن بصورة مفاجئة عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ثم انفجرت حالة غضب من جانب مؤسسة الأمن الوطني بأكملها، بسبب احتمال انتهاء إحدى حروبها.
- أمريكا والأزمة السورية.. القصة الكاملة لـ7 سنوات من النزاع
- لندن ردا على ترامب: داعش لم يُهزم بعد في سوريا
وأشار إلى أن أعضاء بالكونجرس مثل النائبين الجمهوريين بوب كوركر وليندسي جراهام كانا غاضبين حيال عدم استشارتهما في القرار، كما أعلنت وسائل الإعلام أن "الفائزين" من القرار هم "(رئيس النظام السوري بشار) الأسد، و(الرئيس الروسي فلادميير) بوتين، رغم حقيقة أن مهمة الولايات المتحدة في سوريا في المقام الأول لم تكن لقتالهما.
وقال تريفور إن أحدا لم يطرح السؤال بشأن هل من مصحلة أمريكا أن تكون لديها قوات تحارب وتموت في دولة أخرى بالشرق الأوسط، و"هل يعلم أي أحد كيف ستكون الاستراتيجية العسكرية طويلة الأمد في سوريا أو كيف سنخرج؟".
وتابع: "هل يهتم أي أحد بأن كثيرا من خبراء القانون -بغض النظر عن مدى شر الأسد أو داعش- يفكرون في أن إرسال القوات لسوريا كان غير قانوني، بالنظر إلى أن الكونجرس لم يناقش أو يصدق على الأمر؟ هل يجب أن نقاتل في سوريا للأبد فقط لأن روسيا تعتقد أنه يجب علينا المغادرة؟".
وأوضح الكاتب أنه إذا أراد الكونجرس إبقاء الحرب الأبدية في الشرق الأوسط مستمرة لجيل ثان فالحل السهل هو التصويت على القرار، فيمكن للكونجرس السماح بالانخراط العسكري في أي وقت يريدونه، لكنه لن يفعل.
وقال تريفور إن الموافقة على عدم الوجود الأمريكي في سوريا ليس دفاعا عن الرئيس الأمريكي، "لكن ماذا لو كان ترامب بالفعل اتخذ القرار السليم هنا بغض النظر عن كيفية توصله إليه أو كيفية إعلانه؟"، مشيرا إلى أن "ما يدهش العقل هو أننا كأمة غير قادرين على تقدير أن آلاف الأمريكيين لن يكونوا معرضين للخطر عبر القتال في حرب لم تكن موضع نقاش بالكونجرس".
وفي صحيفة "يو إي إيه توداي" الأمريكية اتفق الكاتبان الأمريكيان بنيامين فريدمان وجاستن لوجان على أن ترامب محق في الانسحاب من سوريا، لأن مهمة هزيمة تنظيم داعش انتهت.
وقال الكاتبان -خلال مقال مشترك بالصحيفة- إن ترامب محق في قبول الفوز في سوريا، ففي سبتمبر/أيلول خسر داعش 99% من الأراضي التي أقام عليها خلافته المزعومة، طبقا للتقرير العام لمفتش البنتاجون، ومع سقوط آخر أراضي التنظيم في أيدي القوات المدعومة من الولايات المتحدة، فقد تحقق الهدف الذي دفع أمريكا للذهاب إلى هناك.
وقال الكاتبان إن القرار أغضب الكثيرين داخل مؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن، التي بصورة عامة تدعم مزيدا من الحروب الموسعة في سوريا، مشيرين إلى أن النائب الجمهوري جراهام وصف الخطوة بأنها خطأ يشبه خطأ أوباما "ونصر كبير لداعش وإيران والأسد وروسيا"، حتى إن باحثين داخل مراكز بحثية كبيرة كرروا هذا الرأي.
لكن فريدمان ولوجان قالا إن قرار ترامب جيد، في ضوء أنه مع هزيمة داعش فمخاطر بقاء القوات في سوريا تتجاوز أي منافع محتملة.
حلم إيراني وهدية لداعش
في المقابل، رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن سحب القوات من سوريا "حلم تحول إلى حقيقة بالنسبة إلى الإيرانيين".
وذكرت الصحيفة خلال تقرير لها أن أحد أكبر الفائزين من قرار الرئيس الأمريكي سيكون إيران التي تعمل الآن على توسيع نطاقها في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن سحب القوات يفتح الباب أمام مزيد من التوسع الإيراني، متضمنا إنشاء ممر بري يمتد من طهران حتى البحر الأبيض المتوسط.
ووفقًا لمحللين، فإن هذا القرار يثير شكوكا حيال قدرة واشنطن على الوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها في المنطقة، ويمكن أن يقرب كثيرا منهم من روسيا، الحليفة لإيران.
وقال رياض قهوجي مدير مركز الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري إن "هذا حلم يتحول لحقيقة بالنسبة إلى الإيرانيين. إيران لن تأخذ إدارة ترامب على محمل الجد بعد الآن، فلن تشكل تهديدا".
ورأت الكاتبة والمراسلة الصحفية جانين دي جيوفاني -في مقال عبر صحيفة "الجارديان" البريطانية- أن قرار الانسحاب الأمريكي كان بمثابة أكبر الهدايا لتنظيم داعش.
وقالت جيوفاني إنه لا يزال يوجد آلاف من مقاتلي التنظيم الذين يسيطرون على مساحة صغيرة من سوريا، وعمليات تجنيد عناصر جديدة مستمرة، مؤكدة أن داعش سيستخدم الانسحاب كأداة قوية لتجنيد عناصر بين صفوفه.
أوضحت المراسلة الصحفية أن ما فشل ترامب في استيعابه هو أنه رغم الضربات القاسمة التي تلقاها التنظيم من التحالف الدولي في الرقة والموصل، لكنهم لم يدمروا الفلسفة التي نشرها داعش حول العالم، ولافتة إلى أنه تم إيقاف مشروع الخلافة، لكن مؤقتا.
واستشهدت جيوفاني بلقاء أجري هذا الأسبوع مع الأمين العام لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" يورجن ستوك، قال فيه إن "داعش 2.0" بدأ الظهور كقوة كبيرة في أوروبا، مع قرب خروج عناصره من السجن.
كما أشارت الصحفية إلى أن القرار على المدى الطويل سيكون أكثر كارثية، لأنه كان بمثابة رسالة تدمر ثقة المقاتلين المحليين في انضمام الولايات المتحدة للقوات التي تقاتل للقضاء على الإرهاب.
aXA6IDMuMTM4LjE3NS4xNjYg جزيرة ام اند امز