بين أمريكا وأفريقيا.. «لعنة مزمنة» في «ثغرة النفوذ»
لطالما كانت هناك نقطة سوداء في ثنايا علاقات أمريكا وأفريقيا بدت عبر الزمن وكأنها «لعنة» تنبش قضايا قديمة في نهج واشنطن تجاه القارة.
نقطة بدأت بقضايا قديمة قبل أن تتكثف بمرور الوقت لتصبح شبيهة بكرة لهب رابضة في قلب الدبلوماسية بين الطرفين، والزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن سلطت الضوء عليها.
هكذا لخص هوارد دبليو فرينش، كاتب عمود في مجلة «فورين بوليسي» ما يعتبره مشكلة في الدبلوماسية الأمريكية بأفريقيا.
«ركلة ضائعة» بأنغولا.. بايدن يطارد «التنين» في أفريقيا (صور)
وفي مقال نشرته المجلة وطالعته «العين الإخبارية»، قال فرينش إن ملاحظة غريبة بدت معلقة على الزيارة الأولى والأخيرة لجو بايدن كرئيس للولايات المتحدة إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هذا الأسبوع.
ومساء الإثنين، وصل بايدن الذي تنتهي ولايته الرئاسية في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، إلى أنغولا الغنية بالنفط، حيث أجرى محادثات تطرق فيها إلى ملفات التجارة والاستثمارات والأمن والاستقرار، فضلا عن تعزيز التعاون بين البلدين.
«منطق غريب»
ومساء الإثنين، عقد بايدن لقاء مقتضبا مع واندا تاكر، وهي من سلالة أول طفل مولود لشخصين كانا مستعبدين في الولايات المتحدة، وكان والداها اللذان نقلا إلى فرجينيا عام 1619، من أنغولا.
وفي مقاله، أشار فرينش إلى أن بايدن وأعضاء فريقه لطالما قالوا إن علاقات واشنطن بالقارة - ومع أنغولا، المحطة الوحيدة في هذه الزيارة - تعززت، بل وارتفعت، بسبب واحدة من أخطر الفظائع التاريخية في العصر الحديث.
وهذه المأساة تكمن في استعباد 12.5 مليون شخص من أفريقيا وموت ملايين آخرين في السعي الغربي المتهور للثروة من العبودية والزراعة.
ولفت إلى أن هذا الشعور برز في مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» قبل زيارة بايدن جاء فيه أن «الغالبية العظمى من الأمريكيين من أصل أفريقي لديهم أصول أنغولية».
وأضاف المقال أنه «في معركة النفوذ في أنغولا الغنية بالمعادن والنفط، يمنح هذا الولايات المتحدة القدرة على رسم روابط تاريخية وثقافية مع البلاد بطرق لا تستطيع الصين، منافستها».
ويواصل فرينش حديثه بالقول إنه في فصل دراسي للصحافة قام بتدريسه مؤخرًا، حيث كان الطلاب من الخارج ممثلين بشكل كبير، أثارت هذه الرسالة ضحكات مكتومة ونظرات سخرية صارخة.
فقد تساءل الطلبة عن المنطق "المنحرف" الذي قد يجعل "الهمجية واللاإنسانية على هذا النطاق الواسع مصدراً للقوة الدبلوماسية".
ويتابع: «لكن كما قلت لهم، وبصرف النظر عن المنطق الغريب وغير المريح الذي قد يبدو سطحيا، فإن هناك بالفعل تيارا قويا ومحترما من المشاعر والفكر المتطور يربط الأمريكيين من أصل أفريقي (13.6% من سكان الولايات المتحدة) بالقارة الأفريقية.
وبالنسبة للكاتب، فإن بايدن ودبلوماسيوه لم يبدوا أي إشارة إلى أنهم يفهمون عمق هذه التيارات، حتى عندما ألمحوا إليها، مشيرا إلى أن موضوع كتابه القادم سيكون بعنوان "التحرر الثاني: نكروما، والقومية الأفريقية، والسود العالميون في المد العالي".
«ثغرة نفوذ»
ولكن ما أزعجه أكثر في الرسائل حول الرحلة الرئاسية كان شيئا مختلفا تماما وهو «الحاجة المستمرة إلى استدعاء أو تبرير اهتمام الولايات المتحدة بأفريقيا من خلال استحضار المنافسة مع الصين».
ولفت إلى أن هناك بضعة اختبارات للواقع في محلها، حيث لا توجد منافسة حقيقية بين الصين والولايات المتحدة في أفريقيا، ليس إذا كانت المنافسة تعني منافسة قريبة عن بعد بين حزبين يشاركان في نفس اللعبة.
وأشار إلى أن المشاركة الاقتصادية للصين مع القارة أكثر تطورا واستدامة من الولايات المتحدة، ولن يغير إعلان واشنطن الأخير عن دعم خط سكة حديد جديد سيعبر جنوب أفريقيا هذا الأمر.
ويهدف مشروع خط السكك الحديد العملاق إلى نقل المواد الخام الاستراتيجية مثل النحاس والكوبالت إلى ميناء لوبيتو.
الكاتب اعتبر أيضا أن المنافسة السياسية بين واشنطن وبكين في أفريقيا ضئيلة. فمهما كان مدى إعلانه عن أهمية القارة السمراء للولايات المتحدة ومستقبل العالم، فمع بقاء أقل من 50 يومًا في رئاسته، بالكاد زار بايدن أنغولا.
ورأى أن ما تقدم يختزل «حقيقة تتحدث ببلاغة عن مكانة القارة في التسلسل الهرمي للمصالح الأمريكية، وعلى النقيض من ذلك، اعتاد القادة الصينيون منذ فترة طويلة زيارة دول أفريقية متعددة في معظم السنوات».
وبحسب الكاتب، يبدو أن الساسة والمحللين الأمريكيين يتجاهلون الواقع، الذي كان واضحا كوضوح الشمس في مقابلة أجرتها صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا مع الرئيس الأنغولي جواو لورينسو، والذي مفاده أن الزعماء الأفارقة ينفرون من فكرة أن الغرباء يسعون إلى التعامل معهم لأسباب تتعلق بالمنافسة الجيوسياسية والأيديولوجية.
وقد شهدت القارة هذا من قبل، خلال سنوات الحرب الباردة الطويلة والمظلمة، عندما تكبدت الدول الأفريقية، بما في ذلك أنغولا، أضرارا جانبية في المنافسات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والصين.
وخلص الكاتب إلى أن نفور أفريقيا من الوقوع في لعبة شخص آخر - أي التنافس العالمي بين واشنطن وبكين - هو جزء من واقع جيوسياسي جديد أوسع نطاقا بكثير.
وموضحا أنه في خضم التعددية القطبية المتنامية، لا ترى سوى قِلة من البلدان أي جاذبية في التحالف الواضح مع القوى الكبرى، وهذا صحيح في جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية.
«تدارك»
في مقاله، اعتبر الكاتب أن ما خلص إليه يشير من جديد إلى الحاجة - التي كانت واضحة لسنوات ولكن نادرا ما يتم الالتفات إليها - إلى أن تقوم واشنطن بإصلاح لغتها الدبلوماسية تجاه أفريقيا.
وأوضح أن الولايات المتحدة بحاجة إلى التوقف عن الحديث عن الصين وإظهار اهتمامها من خلال المشاركة، والتي تعني بشكل أكثر تكرارا على المستوى السياسي العالي.
كما تعني المشاركة بشكل أعمق على المستوى الاقتصادي، معتبرا أن المشاريع الاستعراضية جيدة، ولكن سيكون من الأكثر إثارة للإعجاب بالنسبة لواشنطن ابتكار السبل لحمل الشركات الأمريكية على الاستثمار بشكل أكبر في أفريقيا.
كذلك، سيكون من الجيد أكثر تنويع استثماراتها بعيدا عن اللعبة التقليدية القديمة المتمثلة في استخراج النفط والمعادن في القارة.
aXA6IDMuMTIuNzYuMTY4IA== جزيرة ام اند امز