واشنطن ستعمل بعد لقاء المنامة على نقل تصوراتها ومشروعها من الطرح والترويج إلى الوجود الفعلي الحقيقي، ما يتطلب موقفا عربيا حقيقيا
دارت عجلة الطرح الأمريكي للتسوية السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، من خلال طرح الإدارة خطتها للتسوية في المنامة، والذي تم التعبير عنه بمشروع السلام الاقتصادي الذي التزمت به منذ وصولها للحكم، وتأكيدها أنه المدخل الرئيسي للتسوية السياسية التي لم ولن تفصح عنها إلا بعد اتضاح مواقف الأطراف السياسية الأخرى والمعنية، بعد أن قدمت الإدارة الأمريكية قائمة تحفيزية حقيقية للأطراف العربية المشاركة في المشروع الأمريكي، واعتمدت فيه الإدارة الأمريكية على مقاربة من نوع جديد قديم.
ما ستعمل عليه الإدارة الأمريكية ما بعد لقاء المنامة نقل تصوراتها ومشروعها من الطرح والترويج إلى الوجود الفعلي الحقيقي، وهو ما سيتطلب موقفا عربيا حقيقيا على المستوى الثنائي والمتعدد، وعدم الاكتفاء بتلقي ما يعرض أمريكيا، ودراسة ما يمكن أن يفيد الجانب الفلسطيني
على الرغم من أن هذا الطرح لم ينجح في السابق، فإن الإدارة الأمريكية يتملكها تقدير حقيقي بأن النجاح في المنامة سيدفع قدما لبناء توافقات جديدة بصرف النظر عن الرفض الفلسطيني الرسمي، والذي سبق كل التحركات الأمريكية منذ عدة أشهر وتبنى موقفا مخالفا لكل ما سيجري من الآن فصاعدا، لكن السؤال المطروح هل ستتوقف المشروعات والأطروحات الجديدة التي تستهدف قطاع غزة؟ وما البديل لذلك؟
صحيح أن الأشقاء الفلسطينيين في القطاع أعلنوا رفضهم كل ما يجري رسميا، لكن واقعيا ستعمل الإدارة الأمريكية ومن معها بالتأكيد على المضي قدما في خطة تقديم التسهيلات التي ستنتهي في حال الالتزام بها إلى رفع الحصار على القطاع حال استقرار الأوضاع، والتوصل لتهدئة ممتدة، ومن ثم فإن أي سيناريو آخر لن تمضي فيه إسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية والمؤسسات المانحة، وهو ما يدركه الجانب الفلسطيني في القطاع.
أما في الضفة الغربية، فالأمر مختلف في ظل وجود عدد من رجال الأعمال الذين يتاجرون ويقومون بمشروعات مشتركة مع الإسرائيليين عبر شركات ومؤسسات كبيرة، ومن صالحهم الاتجاه لتنفيذ الطرح الأمريكي خاصة مع التوقع بعائده الاقتصادي بل السياسي في المدى المنتظر باعتبارهم رجال المستقبل، ومن ثم فإن الطرف المعني أصلا بالموضوع سيتجه قطاع منه إلى التماهي مع الطرح الأمريكي بصورة أو بأخرى رغم كل ما يقال، وهو ما تعول عليه الإدارة الأمريكية كثيرا، وتراه مهما في إحداث اختراق في المواقف الرافضة بصورة معلنة، وقد تمضي وفقا للحاجة وتطورات الأوضاع في سيناريو حقيقي من الخيارات والبدائل السياسية والاقتصادية معا، وهو ما يجب الانتباه إليه.
تسوق الإدارة الأمريكية لخيار السلام الاقتصادي وتصر عليه انطلاقا من توجه بضرورة تغيير الوضع السياسي من منظور اقتصادي ومصلحي ويشمل الجميع، وهو ما سيدفع بالفعل لتنفيذ مخططها، واستثمار ما تبقى من عمر الولاية الأولى للرئيس ترامب لبناء الاستحقاق الاقتصادي والعمل عليه، على أن يلي ذلك الاتجاه إلى بناء استراتيجية سياسية لاحقا، فالأفكار الأمريكية الخاصة بالبعد السياسي تقوم على أساس العرض والطلب، وعدم فرض خيارات جاهزة على عكس ما طرح اقتصاديا واستثماريا، وهو ما يجب التوقف أمامه، فالرئيس ترامب أعلن مرارا أنه سيوافق على أي طرح ثنائي يوافق عليه الطرفان، ومن ثم فإن خيارات حل الدولتين والاتفاق في ملفات الصراع الأخرى مثل المستوطنات واللاجئين وحق العودة والحدود والقدس ستكون محل تفاوض ثنائي ونهائي، عندما يرغب الجانبان وليس الولايات المتحدة التي لن تتدخل بالفعل في سياق تفاوضي عام، أو أنها ستعمل على فرض حل سياسي مثلما تتحدث في الاقتصاد والاستثمار والسلام من منظور مالي واستثماري فقط، وربما يمتلك فريق المفاوضين الأمريكيين تصورا صحيحا، أنه لا يمكن حل الصراع العربي الإسرائيلي بشقيه السياسي والتاريخي من خلال اتفاق يفرض على الجانبين فقط وبدون مراجعات ومفاوضات يمكن أن تستمر سنوات طويلة، وهو ما قد يعقد الأمور، وهو ما درسه المفاوضون الأمريكيون بالفعل طوال العامين السابقين، وطرحوا بدائل اقتصادية ومالية وسياسية للشرق الأوسط الجديد الذي يريده الأمريكيون، ويسعون فيه إلى تأمين مصالحهم السياسية والاستراتيجية مع الحفاظ على أمن اسرائيل بصورة كبيرة، وهو ما سيكون شعارا للمرحلة المقبلة في حال رفض الفلسطينيين رسميا الطرح الأمريكي.
إن الإدارة الأمريكية ستعتمد على منهج نقل المواقف للأطراف المختلفة للعمل والإنجاز وليس القبول أو الرفض لما يطرح، خاصة أن الرئيس الأمريكي ترامب سينشغل في الفترة المقبلة في إدارة معركته الانتخابية، ولن يكون لديه الوقت للتدخل المباشر في التحركات الأمريكية الرسمية، وسيترك ذلك كما فعل منذ البداية لفريق معاونيه للقيام بهذا، مع منحهم سلطات كاملة في التنفيذ والطرح، والإشراف على تقريب وجهات النظر بين المواقف المختلفة التي ستحتاج بالفعل إلى تدخل أمريكي حاسم يمكن البناء عليه في الفترة المقبلة، خاصة أن الطرح الأمريكي سيحتاج إلى اتفاقيات وأطر مشتركة للتنفيذ على أساس أن ما طرح أمريكيا مجرد إطار عام وتصور هيكلي يحتاج إلى تفاصيل حقيقية للعمل، وبناء التصورات والتفاهمات القادمة بصرف النظر عن التحفظ أو الرفض من قبل الأطراف المختلفة.
ما ستعمل عليه الإدارة الأمريكية ما بعد لقاء المنامة نقل تصوراتها ومشروعها من الطرح والترويج إلى الوجود الفعلي الحقيقي، وهو ما سيتطلب موقفا عربيا حقيقيا على المستوى الثنائي والمتعدد، وعدم الاكتفاء بتلقي ما يعرض أمريكيا، ودراسة ما يمكن أن يفيد الجانب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة مع تهميش مساحات الاختلاف في المواقف التي لا تتماشى مع الطرح العربي، سوف تتعامل الإدارة الأمريكية مع أي توجه انطلاقا من حسابات المكسب والخسارة التي تطرحها، ولن تغير رؤيتها بطبيعة الحال في المدى المنظور جراء أي تغيير محتمل قد يشمل بعض الأطراف المعنية التي تواجه خيارات متعددة، كما يملك الجانب الفلسطيني الكثير من الأوراق السياسية نظريا، ولكنه في النهاية لا يمكن الحديث عن موقف موحد أو توجه ذي بُعْد مشترك في القطاع والضفة بل نحن أمام مواقف متضاربة ، ومصالح مختلفة وخيارات تتسع وتضيق حسب التطورات المطروحة في المنطقة.
مرحلة جديدة إذن من التعاملات الأمريكية في الشرق الأوسط بدأت بطرح المقاربة الاقتصادية، وستمر بالفعل ببناء استحقاقات مختلفة في ظل إدارة أمريكية راغبة في الحل الاقتصادي، وهو حل سيظل محل تباين واختلاف حقيقي، ويجب تفهم أبعاده جيدا ومع وجود أطروحات أخرى مقابلة عربيا ودوليا، يتطلب الأمر مراجعة مواقف الأطراف الأخرى، ومنها الموقف الفرنسي الذي سبق أن طرح رؤية محددة في مؤتمر باريس 1، وروسيا التي تأهبت أكثر من مرة للدعوة لمؤتمر موسكو لسلام الشرق الأوسط، هذا بالإضافة للتحركات الأوروبية والتي عبرت عنها اللجنة الرباعية وأعمالها، والتي نجحت الولايات المتحدة منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في تعطيلها والمعني أن الولايات المتحدة قادرة على الوقوف أمام أي مخطط عربي لمجابهة رؤيتها الاقتصادية، وأي طرح آخر لا يتماشى مع تقديراتها وتقييماتها التي ستعمل عليها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة