سوق "غير شرعي" للإنسولين في أمريكا.. مرضى يقاتلون للبقاء أحياء

أزمة كبيرة يعاني منها مرضى السكري في الولايات المتحدة للحصول على دواء الإنسولين خاصة أن الزجاجة الواحدة تبلغ قيمتها 345 دولارا.
في الولايات المتحدة، البلد الأكثر تقدّما في العالم، يلتقي مرضى السكري ومعارفهم في مواقف سيارات للحصول على الإنسولين بشكل غير قانوني لكن بأسعار رخيصة، فهو أكثر حيوية بالنسبة إليهم من الأكسجين لكنهم لا يستطيعون توفير سعره لشرائه من الصيدليات.
صباح أحد الأيام الباردة في ضواحي مينيابوليس ببولاية مينيسوتا، تترك أبيجايل هانسماير محرّك سيارتها يعمل وتترجل منها وتدخل مقهى في المحلّة لإعطاء امرأة كيساً يحتوي على 7 حقن وعقار من الإنسولين.
في المقابل، تشكرها أنيت جانتيله (52 عاماً) وهي تتفحّص الجرعات. أنيت ليست امرأة معوزة بل والدة شاب يبلغ 17 عاماً وهي تحصل على معونة شهرية بقيمة 1200 دولار إضافة إلى تغطية صحّية، لكن ذلك غير كافٍ لتغطية تكلفة الأدوية.
والعقاقير التي حصلت عليها أنيت من أبيجايل تكفيها لمدّة شهر، وكانت ستبلغ كلفتها نحو 1000 دولار لو اشترتها من الصيدليات، وتقول: "أعتمد على التبرعات للبقاء على قيد الحياة".
أما السيدة التي تزوّدها بالأدوية؛ فهي عاطلة عن العمل ومصابة بالنوع الأول من السكري. وهو مرض يتطلب علاجاً بحقن الإنسولين التي يتلقاها المريض مرات عدة في اليوم وعلى مدى الحياة.
تحصل أبيجايل على الإنسولين وتتبادله ضمن شبكة غير رسمية مؤلفة من عشرات مرضى السكري، الذين يوزّعون أرقامهم ويتواصلون عبر "فيسبوك".
ويحصل هؤلاء على القسم الأكبر من الإنسولين من المخزون غير المستخدم لدى مرضى السكري المتوفين، والذي يتبرّع به أقاربهم.
بالنسبة إلى خصوم دونالد ترامب الديمقراطيين، وهم في خضم حملة الانتخابات التمهيدية التي تبدأ في أيوا، الإثنين، ما من فضيحة تضاهي سعر الإنسولين الذي يرمز إلى انعدام المساواة في النظام الصحّي الأمريكي.
تقول أبيجايل: "نحن لسنا فقراء". فزوجها لديه عمل وتمكّن من تأسيس شركة صغيرة وهما يعيشان في منزل وهي تملك سيّارة وتربي الكلاب والأرانب.
لكن صاحب العمل حيث يعمل زوجها لا يوفّر التغطية الصحية، وبالتالي، لا يتمكّن الزوجان من الاستفادة من التغطية الصحّية العامة لأنهما ليسا فقراء، وفي الوقت نفسه لا يملكان المال الكافي لشراء عقد تأمين طبي.
الزوجان استسلما للأمر الواقع آملين في ألا يصيبهما مكروه كبير، على غرار 27.5 مليون أمريكي لا يحظون بتغطية طبية.
تاجرة دواء
إذا كانت أبيجايل تاجرة إنسولين بالتجزئة، فإن نيكول سميث هولت تاجرة جملة. في الطابق السفلي من منزلها، تحتفظ بعشرات صناديق الإنسولين داخل ثلاجة مع مخزون من الحقن والشاش وأجهزة قياس نسبة السكّر في الدم، تصل قيمتها الإجمالية إلى 50 ألف دولار.
وتعترف نيكول بأن هذا العمل غير قانوني لكنها تقوم به لإنقاذ حياة الآخرين، وتقول: "لا نريد أليك آخر"، في إشارة إلى ابنها الذي توفي يوم 27 يونيو/حزيران 2017 لأنه "لم تعد لديه نقطة إنسولين واحدة في شقته"، وفقا لنيكول.
كان أليك يستفيد من تأمين والدته إلى حين بلوغه 26 وفقا للإصلاحات التي أقرّت بموجب "أوباما كير". لكن بسبب راتبه المتواضع الناجم عن العمل في مطعم، لم يتمكّن من تأمين سعر بوليصة التأمين.
وتقول والدته إنه "لم يكن يملك الـ1300 دولار التي طلبتها الصيدلية ثمناً للدواء قبل أيام قليلة من وفاته".
صمد أليك 27 يوماً دون تأمين. أما سبب الوفاة فهو المعدلات المرتفعة من الحماض الكيتوني السكري الذي أفرزه جسمه بسبب نقص الإنسولين.
وتتابع نيكول: "سيرافقني الشعور بالذنب حتى ألفظ آخر أنفاسي. كنت قلقة على أليك لكنني لم أرغب بالضغط عليه في الوقت نفسه".
وحوّلتها وفاة ابنها إلى ناشطة ضدّ مرض السكري، تطل يوما على التلفزيون وتذهب في إلى المسؤولين المحليين أو تنظّم وقفة أمام أحد المختبرات، دون أن تنسى التواصل مع مرضى السكري عبر "فيسبوك".
دواء كندا
في أقصى الشمال، يحصل مرضى السكري على الأدوية من موزّعين يعملون بشكل قانوني لكنهم في الجهة الأخرى من الحدود الأمريكية، وهم الصيدليات الكندية.
فكندا تضع سقفاً لأسعار الإنسولين على عكس الولايات المتحدة. وكل 3 أو 4 أشهر يقود ترافيس بولسن (47 عاماً) سيارته لمدة ساعتين باتجاه أنتاريو لشراء الإنسولين من دون وصفة طبية.
بولسن لا يتعرّض لأي مساءلة خصوصا أن الجرعات التي يحصل عليها ليست بغرض المتاجرة بل للاستعمال الشخصي وتكفي لمدة 3 أشهر كحدّ أقصى. وتغطّي بوليصة تأمينه زيارات الطبيب و50% فقط من أسعار الدواء.
يبرز ترافيس زجاجتين متطابقتين من الإنسولين، الأولى حصل عليها من الولايات المتحدة في مقابل 345 دولارا علما بأنه يتحمّل نصف السعر على نفقته الخاصة، والثانية اشتراها من كندا في مقابل 25 دولارا.
ويقول ترافيس: "لو اضطررت للذهاب بزورق لشراء الدواء من كندا سأفعل ذلك، لأنني بكل ببساطة لن أدفع ثمن جشع الصيدليات الأمريكية".
يضع بولسن على ثلاجته ملصقاً للمرشّح الاشتراكي بيرني ساندرز، الذي وعد بخفض سعر الدواء إلى النصف. لكن حتى ذلك قد لا يكون كافياً ليحول دون السفر إلى كندا بحثاً عن الدواء بأسعار أرخص.
aXA6IDMuMTQ0LjIzNy4zMSA= جزيرة ام اند امز