عاصفة نيويورك... هل أنقذ "عُرف ووترغيت" ترامب من محاكمة فيدرالية؟
لماذا يحاكم دونالد ترامب محليا في نيويورك؟ أوَ لم يكن من الممكن أن تتم مقاضاته فيدراليا أم أن نواقص جعلت وزارة العدل عاجزة عن ملاحقته؟
استفهامات عديدة تحيط بمحاكمة الرئيس الأمريكي السابق، وتدفع بعقارب الساعة إلى الوراء لمعرفة الأسباب المرتبطة بمثوله أمام محكمة محلية وليست فيدرالية.
والثلاثاء، مثل ترامب أمام قاض في نيويورك ودفع ببراءته في قضية تدبير مدفوعات للتغطية على قضايا محرجة بالنسبة إليه قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016.
وفي ظهوره، بدا ترامب متحديا لكن وجهه كان متجهما طوال ذلك اليوم التاريخي، فيما وصف الجمهوري الذي عاد إلى منزله الفخم في فلوريدا، توجيه الاتهام إليه الذي تم تفصيله بـ34 تهمة، بأنه "إهانة للأمة".
عُرف "ووترغيت"
الشكوك بدأت حين اعترف محامي ترامب السابق، مايكل كوهين، بخرق قانون الحملات الانتخابية الفيدرالية الذي يجرم أية تبرعات مالية أو عينية من جهة واحدة لمرشح تفوق 5 آلاف دولار في قيمتها.
وقال كوهين في اعترافاته إنه قدم أموالا لسيدتين هما ستورمي دانيلز وكارين مكدوغال، زعمتا أنهما أقامتا علاقات غرامية مع ترامب، من أجل شراء صمتهما، وكلفه ذلك قيمة تتجاوز الحد المنصوص عليه في القانون.
وبالنسبة لكوهين، فقد خضع لمحاكمة ونال حكما بالسجن لمدة 3 سنوات، ثم تم الإفراج عنه لاحقا قبل انقضاء المدة.
ولم تقتصر خروقات كوهين على ما تقدم، فقد سبق أن أدين أيضا بحنث اليمين أمام جلسة في الكونغرس، لأنه كذب حول مشاريع عقارية لترامب في روسيا.
توليفة من الاعترافات كانت كافية لجر ترامب لمحاكمة فيدرالية، لكن وزارة العدل فضلت -لأسباب عديدة- عدم مقاضاة الرئيس حينها أثناء توليه المنصب، ملتزمة بذلك بعرف قديم من أيام قضية "ووترغيت" يحث موظفي الوزارة على عدم مقاضاة رئيس أثناء توليه المنصب.
وتعتبر "ووترغيت أشهر فضيحة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة أدت إلى استقالة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون من منصبه ليصبح الرئيس الوحيد المستقيل في تاريخ البلاد، وتصبح الحادثة رمزا للفضائح السياسية حول العالم.
محاكمة محلية
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا لم تقاض وزارة العدل ترامب بعد مغادرته الرئاسة؟
بالفعل، لم يغب الأمر عن الوزارة، لكن من الواضح أنها لم تكن تسيطر على جميع مفاصل القضية، خصوصا أنه حتى ذلك الحين لم يكن الاعتماد على شخص مدان بحنث اليمين مثل كوهين، أمرا مستساغا ومقنعا خصوصا حين يتعلق الأمر بشخصية مثل ترامب يجر وراءه جيشا من الأنصار.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن الوزارة أرادت البحث عن شهود آخرين، لكن يبدو أن السياق في مجمله لم يكن ملائما لظهور شهادات جديدة.
وبناء على ذلك، بدا من الواضح أن الحل الوحيد لجر ترامب أمام المحكمة يكمن في مقاضاته محليا أي في ولايته نيويورك، مع ما يمنح ذلك من مزايا الاستفادة من قوانين الولاية.
فترامب ملاحق بتهمة تزوير سجلات مالية، حيث يشتبه في أنه قدم -حين كان رئيساـ سجلات ضريبية تضع الأموال التي قدمها لكوهين من أجل تغطية ما دفعه للسيدتين تحت بند "أتعاب قانونية"، وهذا ما التقطه المدعي العام في نيويورك معتبرا أنه تزوير لسجلات مالية.
وتهمة مماثلة تعتبر في ولاية نيويورك جنحة تحمل صاحبها عقوبة الحبس لمدة عامين على الأكثر، إلا أن هذه الجنحة قد تتحول إلى جناية بعقوبة تصل إلى السجن خمس سنوات على الأكثر، في حال كان الهدف من التزوير هو إخفاء جريمة أخرى، وهذا هو هدف المدعي العام بنيويورك حاليا.
فهل يعني كل هذا أن محكمة نيويورك تمتلك أدلة إضافية لم تستطع وزارة العدل الحصول عليها؟
الاحتمال وارد، لكن المؤكد هو أن الوزارة التي تراقب عن كثب ما يحصل في نيويورك، فوتت على نفسها فصلا تاريخيا من فصول السياسة الأمريكية.
بالانتظار
في غضون ذلك، حاول ترامب الدفاع عن نفسه، وقال أمام ناشطين وضعوا قبعات كما في تجمع انتخابي له، إن "الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها هي الدفاع بشجاعة عن أمتنا في وجه هؤلاء الذين يسعون إلى تدميرها".
وغادر ترامب مقرّ المحكمة الجنائية في مانهاتن بنيويورك بعد انتهاء الجلسة، من دون أن تفرض عليه أي شروط أو مراقبة قضائية. وسيحاول الآن القيام بكل شيء لتجنب محاكمة يمكن أن تحصل اعتبارا من يناير/ كانون الثاني المقبل، أي قبل موعد الانتخابات التمهيدية للجمهوريين.
وأمضى الرئيس السابق حوالى ساعتين في قصر العدل بجنوب مانهاتن الذي توجه إليه من برج ترامب قرب سنترال بارك في موكب وسط حماية أمنية مشددة مع تحليق مروحيات، وانتشار لوسائل الإعلام.
وأمام المحكمة تبادل مناصرون لترامب ومناهضون له، كان عددهم جميعاً أقلّ من أعداد الصحفيين وعناصر الشرطة الذين انتشروا في المكان، الاتّهامات. وقد رفع معارضون لافتة كبرى كتب عليها "ترامب يكذب طوال الوقت".
وخضع الرئيس السابق لكل الإجراءات التي تفرض على من توجه إليه التهم: ذكر اسمه وسنه ومهنته وأخذ بصماته. في المقابل، تجنب إجراء أخذ الصورة القضائية والتي كانت لتعتبر مهينة بحقه.
ودفع ببراءته مؤكدا أنه ضحية "حملة مطاردة" نظمها الديمقراطيون الذين اتهمهم بسرقة فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2020.