آلة كمان تشهد على تاريخ الرعب في خطوط قتال الحرب العالمية الأولى
الآلة المحفوظة بمتحف الموسيقى في باريس، صُنعت أيام الحرب، ويُقال إنها صنعت من خشب صندوق ذخيرة ألماني.
لا تبدو على آلة الكمان العريضة هذه أي ملامح تشير إلى اقترانها بالمعارك والقتال، لكنها في الحقيقة من الآثار المتبقية للحرب العالمية الأولى.
فهذه الآلة المحفوظة بمتحف الموسيقى في باريس صُنعت أيام الحرب، ويُقال إنها صنعت من خشب صندوق ذخيرة ألماني، ليعزف عليها موريس ماريشال الذي جُنّد وهو في سنّ الثانية والعشرين وصار من عازفي التشيلّو الأكثر شهرة في القرن العشرين.
ويقول جان فيليب إيشار، مدير متحف الموسيقى: "هذا الكمان العريض هو القطعة الأهم في مجموعتنا، وكأنه لوحة الموناليزا في متحف للرسم".
فعلى خطوط القتال المرعبة، كان عدد من الجنود يصنعون في أوقات استراحاتهم آلات موسيقية من قبعات أو من قناني مياه، لكن قلّة من هذه الآلات نالت شهرة كالتي نالها الكمان العريض هذا.
الشرود عن الواقع الرهيب
في أمسية موسيقية ستقام في باريس، سيتعرّف الحضور على هذه الآلة، لكن من خلال نسخة عنها مشابهة لها تماماً، إذ إن الأصلية ضعيفة، ولا يمكن المخاطرة بالعزف عليها.
ويقول مدير المتحف: "إنها آلة فريدة أصبحت مشهورة، لأن جنوداً صنعوها وعزف عليها جندي هو عازف محترف أمام كبار الجنرالات في فرنسا".
وتحمل الآلة تواقيع فريدة أيضا، من بينها توقيع للجنرال فوش والجنرال جورو.
بعد الحرب، أتيحت للجندي ماريشال فرصة أن يواصل عمله عازفا، وأن يحقق شهرة عالمية كعازف منفرد. وقد أبقى الآلة الفريدة تذكارا في بيته بباريس، قبل أن يطلب تحويلها في عام 1964 إلى ملكية عامة، وكان آنذاك في الـ71 من العمر.
الموسيقى تفتح الأبواب
كان ماريشال في سنّ التاسعة عشرة حين فاز بجائزة المعهد الموسيقي في باريس. وأثناء خدمته في الجيش، كان يبهر زملاءه والمسؤولين عنه بعزفه.
وكتب في مذكراته عن أحد أيام الحرب: "لقد جرّبت العزف على هذا التشيلو الليلة..ماذا أقول عن المشاعر الاستثنائية التي انتابتني وأنا أعزف في مزرعة وراء كنيسة إلى جانب بعض الجنود الواقفين حولي".
وقال: "أعتقد أن آلة القُربة هذه تصدر صوتاً جيدا.. كلّ الناس هنا يهنّئونني".
ويبدو أن الموسيقى التي كان يعزفها ماريشال كانت تعني له ولرفاقه التمسّك بالنجاة في قلب صراع شديد.
ويقول مدير المتحف عن ذلك: "كان هؤلاء الجنود يعيشون الخوف من الموت ومن الأصوات التي كانوا يسمعونها، من أوامر عسكرية إلى قصف المدافع".
ولذا، كان سماع الموسيقى يهدّئ روعهم بعض الشيء، ويتيح لهم بعض الشرود عن حياتهم اليومية المرعبة، كما يقول.
شارك موريس ماريشال في معارك الحرب العالمية الأولى، لكنه كثيراً ما غاب عن ميادين الخطر الكبير، لأنه كان يعزف في هذا الموقع أو عند ذاك الضابط.
وقد أشار ماريشال إلى هذه الفرصة التي لم تتح لزملائه المحاربين، قائلاً في دفتر مذكراته عن الحرب: "الموسيقى تفتح الكثير من الأبواب".