العقوبات الأمريكية على صادرات النفط والغاز أدت إلى تراجع مداخيل البلاد من هذا القطاع إلى 20 مليار دولار سنويا.
يحتاج الانهيار المقبل في إيران إلى إجراءين اقتصاديين اثنين، لكي يقع النظام الإيراني على ركبتيه: فرض عقوبات جديدة على قطاع صناعات الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس. ووقف التعاملات مع كل المصارف الإيرانية.
الميزانية الجديدة التي قدمها حسن روحاني لمجلس الشورى، بقيمة تقل عن 39 مليار دولار، إنما تعكس واقع الأزمة التي تعيشها إيران، ولكنها تظل ميزانية تسمح لنظام الولي الفقيه أن يراوح في مكانه.
عندما كان إجمالي عائدات إيران من الصادرات يبلغ 100 مليار دولار قبل العقوبات، كان النفط والغاز يشكلان 70% من هذه العائدات، بينما لا يحتل قطاع الحديد والصلب إلا 20% منها.
الحكومة الإيرانية لن تعود قادرة على تمويل أجهزة أمنها ومؤسساتها القمعية بالمستوى السابق نفسه، وهو ما ينذر بحدوث تصدعات خطيرة داخل هذه الأجهزة.
بعد فرض العقوبات انخفضت حصة النفظ والغاز إلى نحو 27%. وارتفعت حصة الصادرات من الحديد والصلب إلى 30%، وذلك بحسب الميزانية التي عرضها الرئيس الإيراني حسن روحاني على مجلس الشورى في نوفمبر 2018. وهو ما يعني نظرياً على الأقل، توفير 20 مليار دولار سنوياً، ولكن معظم هذه الأموال يبقى في الخارج، لأن المُصدّرين يرفضون السياسات المالية للمصرف المركزي التي تفرض عليهم بيع العملة الصعبة، بما يعادل 60% من قيمتها الحقيقية في الأسواق.
وبحسب منظمة التجارة والتنمية الإيرانية، فإن صادرات إيران من الحديد والفولاذ وصلت العام الماضي إلى 9.3 مليار دولار، بينما وصلت صادرات النحاس إلى 700 مليون دولار، وصادرات خام الحديد إلى 840 مليون دولار. وبحسب تقرير وزارة الصناعة الإيرانية، فإن إنتاج إيران من النحاس سنوياً يصل إلى 143 مليون طن، فيما يصل إنتاج الحديد إلى أكثر من 35 مليون طن.
وبحسب موقع راديو فردا، فإن إنتاج إيران من الفولاذ ارتفع بنسبة 18 في المئة في عام 2017، ووصل مقدار الإنتاج إلى 25 مليون طن. أما موقع إيران واير فيقول إن صادرات إيران من الحديد بلغت نحو 10 في المئة، أي أنها ستخسر في حال تطبيق العقوبات نحو 9.5 مليار دولار من إجمالي 44.3 مليار دولار، هي أرباح صادرات إيران غير النفطية.
عملياً لا يصل إلى إيران من هذه صادرات صناعة الحديد والصلب إلا 10 مليارات دولار فقط. وفي حال تم تطبيق العقوبات التي فرضها الرئيس دونالد ترامب مؤخراً، فإن هذا المبلغ سوف يتراجع إلى ما يقرب الصفر.
العقوبات الأمريكية على صادرات النفط والغاز أدت إلى تراجع مداخيل البلاد من هذا القطاع إلى 20 مليار دولار سنوياً.
ولا يتجاوز إجمالي ما تحصل عليه الحكومة الإيرانية في الوضع الحالي ما ذكره روحاني في ميزانيته. وإذا تم فرض عقوبات على قطاع الصلب، فان مداخيل إيران سوف تتراجع إلى أقل من نصف ذلك المبلغ.
أما وقف التعاملات مع المصارف الإيرانية، فإنه سوف يؤدي إلى قطع الكثير من سبل التهريب والتهرب التي تعتمد عليها إيران، كما أنه سوف يقنع مصدري البضائع والسلع الإيرانيين على أن يُبقوا أموالهم خارج البلاد. كما أنه سوف يجبر الموردين على أن يجدوا سبيلاً للاكتفاء بنظام بدائي لتبادل السلع، وهو النظام الذي رفضت طهران القبول به في التعامل مع أوروبا، بسبب احتياجها الشديد للمال. وعندما يبلغ الشظف حده الأقصى، فإن التصدعات الاقتصادية سوف تظهر على نحو ما يظهر في السد الذي يختزن أكثر من طاقته من الماء.
هذا الإجراء سوف يجفف منبعاً مهماً من منابع التمويل التي يعتمد عليها النظام الإيراني لتمويل عملياته داخل إيران وخارجها، كما أنه سوف يدفع الاقتصاد برمته إلى وضع قريب من الإفلاس.
يمكن لبعض المصالح الروسية والصينية أن تستمر وأن تبدو وكأنها ظهير مهم، إلا أن هذه المصالح لا يمكنها تمويل اقتصاد بلد بحجم إيران، ولا تغطية احتياجاته الأساسية، ولا توفير مسارب كافية للحؤول دون انهيار السد.
هل تستطيع إيران أن تصمد حيال وضع كهذا؟ الجواب، لا. لسببين على الأقل.
الأول: إن التضخم الذي بلغ 40% في العام الماضي سوف يرتفع إلى نحو 80%. وهو ما يعني ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة العملة، وتعطل معظم أوجه الإنتاج الصناعي المحلي. لا سيما أن صناعة الحديد والصلب بمفردها تؤثر على 50 صناعة أخرى.
والثاني: هو أن الحكومة الإيرانية لن تعود قادرة على تمويل أجهزة أمنها ومؤسساتها القمعية بالمستوى السابق نفسه، وهو ما ينذر بحدوث تصدعات خطيرة داخل هذه الأجهزة.
أعضاء هذه الأجهزة، وإن كانوا ثوريين جداً، إلا أنهم عندما لا يستطيعون إطعام أسرهم، فإنهم سوف يفكرون مرتين قبل أن يقمعوا تظاهرات آباء يريدون إطعام أسرهم.
الجدار الواهن عندئذ سوف ينهار.
لقد ظهر الولي الفقيه في "خطبة الجمعة" الأخيرة له، وهو يضع بندقيته في جواره. وبدأ يرغي ويزبد، ويسب ويشتم. السبب بسيط. هو أنه يرى السد يتصدع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة