أرمن سوريا يفرون إلى موطن أجدادهم
الحرب ربما تقضي على الأقلية الأرمينية المسيحية الموجودة في سوريا منذ قرن.
استهلت مجلة الإيكونوميست البريطانية تقريرا لها عن أوضاع الأرمن في سوريا بعد 6 سنوات من الحرب الأهلية قائلة:"الحرب ربما تقضي على الأقلية الأرمينية المسيحية الموجودة في سوريا منذ قرن".
المجلة قالت إنه عندما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011، فرت بعض العائلات الثرية التابعة للأقلية الأرمينية المسيحية إلى العاصمة الأرمينية؛ يريفان، وقاموا باستئجار شقق فاخرة في المنطقة الشمالية من المدينة، حتى أن الأمر بدا وكأنهم يذهبون إلى هناك لقضاء إجازات.
وخصصت لهم الحكومة الأرمينية أماكن في إحدى المدارس المحلية حيث يستمر المعلمون السوريون الذين ذهبوا إلى هناك كلاجئين في تعليم أطفالهم اعتمادا على المنهج السوري، واستغرق الأمر بعض الوقت ليدركوا أنهم ربما لا يعودون أبدا إلى بلادهم.
دفعت الحرب الأهلية السورية ما يزيد عن 5 ملايين شخص من مواطنيها إلى السعي للحصول على اللجوء السياسي خارج بلدهم. وفي 2015 و2016، شق مئات الآلاف طريقهم ببطء إلى البلقان سعيا إلى الأمان في أوروبا.
لكن لم يسلك أي فرد من الأقلية الأرمينية هذا الطريق، وبدلا من ذلك ذهبوا إلى أرمينيا، التي تشهد انكماشا في شعبها الأصلي بسبب الهجرة إلى الخارج حيث وصل عدد المهاجرين الأرمن إلى 3 ملايين شخص في الفترة الأخيرة.. ولذلك رحبت أرمينيا بسعادة غامرة بالسوريين الأرمن، المتعلمين وأصحاب الأعمال الحرة والمنتمين إلى الطبقة المتوسطة.
قبل الحرب، كان يعيش حوالي 90 ألف سوري أرمني في سوريا، وثلثاهم كانوا يمكثون في حلب.. معظم هؤلاء الأرمن ينحدرون من أسلاف كانوا قد فروا من موطنهم الأصلي في عام 1915، هربا من المذابح العثمانية النظامية وحملات التطهير العرقي. وبالنسبة لمعظم الأرمن وضعت الحرب الأهلية السورية كلمة النهاية لقصتهم المستمرة منذ قرن.
ويقول هرير أجيلان، رجل أعمال أرمني يبلغ 61 عاما، كان قد استثمر مدخراته في مصنع أثاث في حلب قبل اندلاع الحرب التي دمرت كل شيء؛ إنه يعيش الآن في يريفان وسيبقى هناك.. مضيفا أنه لا مستقبل لهم في الشرق الأوسط وأن قصتهم قد انتهت.
ويعتقد عدم وجود أكثر من 30 ألف سوري أرمني في سوريا الآن، حيث تفرق معظمهم ما بين لبنان وتركيا ودول الخليج ودول أخرى حسب المجلة.. أما ما تبقى منهم؛ ما يصل إلى 30 ألفا أيضا، فقد ذهبوا إلى ما يعتبرونها موطنهم الأصلي، وعلى رأسهم أثرياء الأرمن الذين كان من السهل عليهم الانتقال، فيما حاول آخرون انتظار نتائج الحرب السورية، وغادورا البلد فقط عندما استنفدوا كل ما لديهم وفي النهاية وصلوا إلى أرمينيا بدون أي شيء.
يقول فارتان أوسكانيان، وزير خارجية سابق في أرمينيا، ولد في حلب، إن كثيرا من اللاجئين بدأوا أعمالا صغيرة.. وفي سوريا يشتهر معظم أعضاء الأقلية الأرمينية بمهارات مهنية وحرفية؛ فمعظمهم أطباء أو مهندسون أو صناعيون أو صائغون.
وبالنسبة للأرمن المحليين، فسعدوا أيضا بقدوم الأرمن السوريين لاسيما لافتتاح مطاعم جديدة جلبت إليهم أنواعا مبتكرة من الأطعمة في بلد يغلب عليه الطابع الروسي في كل شيء وليس في الأكل فقط.
ويعيش معظم اللاجئين السوريين في العاصمة الأرمينية، بخلاف حوالي 30 أسرة قادمة من مناطق زراعية، استقرت في ناجورنو - كاراباخ، وهي منطقة يسيطر عليها الأرمن ومتنازع عليها مع أذربيجان.
الإيكونوميست قالت إن بعض الشباب السوري الذي حارب ضمن صفوف الجيش السوري في الحرب، تطوع للخدمة في الصفوف الأمامية لذلك الصراع، لكن عددا أكبر بكثير من الشباب السوري الأرمني أجلوا طلب الجنسية الأرمينية حتى لا يكون عليهم القيام بالخدمة العسكرية.
ويضيف أوسكانيان الذي كان يدير ذات يوم شركة بناء في دمشق، أن وصول اللاجئين من سوريا لا يزال مستمرا، لكن ليس بأعداد كبيرة كما سبق.. لافتا أن بعضهم عاد إلى سوريا، خصوصا أصحاب الأملاك هناك لمحاولة بيعها.
كما يوضح أن هؤلاء الذين عادوا إلى سوريا لا يرون مستقبلا كبيرا لمجتمعهم هناك.. ويقول إن الأرمن يؤيدون نظام بشار الأسد بشدة، لأنه كان يحميهم من المتطرفين الإسلاميين، لكن حاليا تسيطر حكومته على جزء فقط من الأراضي السورية، ومصير الأسد غير واضح في حالة التوصل إلى أي اتفاق سلام.
ويرى بعض السوريين الأرمن أنه واجب عليهم العودة إلى سوريا حيث يشكل شتاتهم فرعا مهما من الحضارة الأرمينية ويجب الحفاظ عليها.