خبير أمريكي: حرب أوكرانيا كشفت حدود تنافس القوى الكبرى
قال جوزيف صموئيل ناي، رئيس مجلس الاستخبارات الأمريكية سابقا، إن الخيارات الاستراتيجية التي يواجهها العالم بعد حرب أوكرانيا تعتمد على توقيت وكيفية انتهاء الحرب.
وأضاف ناي وهو، أستاذ العلوم السياسية، خلال مقال منشور بمجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية: "يمكن تقييم التحديدات الكبرى على المصالح والقيم الأمريكية وكيف تأثرت بتلك الحرب؟".
وقال الخبير السياسي جوزيف ناي: "هناك ما لا يقل عن ثلاثة اهتمامات حيوية: علاقات القوة العظمى بالصين وروسيا، التهديدات العابرة للحدود مثل تغير المناخ والأوبئة، والحفاظ على النظام القائم على القواعد الملائمة للقيم".
ومنذ عام 2017، ركزت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي على منافسة القوى العظمى من الصين وروسيا.
وخلال الشهور التي سبقت الحرب الروسية على أوكرانيا، تعهد البلدان بصداقة تستمر مدى الحياة، وزعم الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الريح الشرقية تسيطر على الغرب، وفق المقال.
لكن أصبح هذا الشعار أقل إقناعا بعدما أعادت الحرب الروسية تنشيط الغرب، ولم يعد حلف شمال الأطلسي (الناتو) يبدو "ميتا دماغيا" (بحسب ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق).
وتابع: "تبدو روسيا الآن، مع اقتصادها الضعيف وسمعتها العسكرية المشوهة، كالشريك الصغير على نحو متزايد".
وقال ناي في مقاله إن الاستراتيجية الأمريكية تنافس القوى العظمى، حتى قبل الحرب، كانت تواجه مشكلتين، الأولى: جمعت معا أنواعا مختلفة من الدول؛ قوى صاعدة وأخرى متراجعة.
وكما اكتشف العالم للأسف في 1914 ومجددا بالعام الجاري، أن القوى المتراجعة غالبا ما تكون أكثر تقبلًا للمخاطر.
ووفقا للخبير الأمريكي فإن "روسيا تعيش حالة تراجع ديموغرافي واقتصادي، لكنها تحتفظ بموارد هائلة كعنصر مخرب في كل شيء من الأسلحة النووي والسيبرانية إلى الشرق الأوسط أو تهديد جيرانها، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى استراتيجية روسية كي لا ينتهي المطاف بارتماء تلك الدولة في أحضان الصين.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن المشكلة الثانية في الاستراتيجية التي تركز فقط على التنافس بين القوى العظمى هي الاهتمام غير الكافي بنوع جديد من التهديدات على المصالح القومية التي تظهر من العولمة البيئية.
وأوضح ناي أن تغير المناخ العالمي سيكلف تريليونات الدولارات، ويمكن أن يتسبب في أضرار تساوي حجم الحرب؛ كما أن جائحة كوفيد-19 قتلت بالفعل ملايين الأمريكيين، أكثر من جميع الحروب الأمريكية مجتمعة منذ الحرب الأهلية.
ويصف بعض الساسة الوضع الحالي بـ"الحرب الباردة الجديدة، ويدعون لسياسة احتواء وعزل، لكن هذه الاستعارة التاريخية تحرف التحدي الاستراتيجي القائم، بحسب ناي، مشيرًا إلى أنه خلال الحرب الباردة الحقيقية، لم يكن لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سوى القليل من التواصل التجاري والاجتماعي الثنائي، وبالتالي كان الاحتواء منطقيا.
أما اليوم، فتمثل الصين الآن أكبر شريك تجاري لدول أكثر من الولايات المتحدة.
ورأى ناي أنه يجب فصل المخاطر الأمنية في بعض جوانب التكنولوجيا، لكن محاولة تقليص كل التجارة مع الصين ستكون مكلفة للغاية، مشيرًا إلى التكلفة الحقيقية للاقتصاد العالمي للعقوبات الحالية ضد روسيا ستصبح أقل أهمية مقارنة بفك الارتباط مع الصين.
وحتى إذا كان تفكيك العولمة الاقتصادية ممكنا أو مرغوبا، لا يمكن فصل الترابط الإيكولوجي الذي يخضع لقوانين البيولوجيا والفيزياء، وليس السياسة، بحسب ناي، الذي أكد أن "تلك الحقائق لم تغيرها الحرب في أوكرانيا، وأن الاستراتيجية الجيدة تتطلب أن تعمل الولايات المتحدة مع الصين في نفس الوقت الذي تتنافس فيه معها كخصوم استراتيجيين".
وتعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ويعتقد بعض المحللين أن إجمالي ناتجها المحلي (بأسعار الصرف السوقية) قد تتخطى إجمالي الناتج الأمريكي المحلي بحلول العقد الثالث من القرن الحالي.
لكن تواجه الصين عددًا من المشاكل الاقتصادية، والديموغرافية، والسياسية، حيث إن معدل نموها يتباطأ، وبلغت ذروة قوتها العاملة عام 2015، ولديها عدد قليل من الحلفاء السياسيين، وفقا لجوزيف صموئيل ناي.
ويضيف: "حتى مع روسيا، تمثل فقط خمس اقتصاد العالم، فيما تمثل الولايات المتحدة واليابان وأوروبا النصف".
وبعبارة أخرى، بحسب ناي، حتى إذا ربطت الحرب الأوكرانية روسيا بالصين حتى حقبة ما بعد بوتين، سيكون لدى الديمقراطيات الغربية القدرة على تنظيم نظام دولي قائم على القواعد قادر على التأثير على السلوك الصيني، ويجب أن يظل الحفاظ على تلك التحالفات في صميم الاستراتيجية الأمريكية لما بعد أوكرانيا.