تكلفة باهظة للنزاعات عالميا.. من يؤمن مستقبل الأجيال القادمة؟
وسط متغيرات لا حدود لها بفعل النزاعات التي تحيط بعالمنا، تشير تقديرات البنك الدولي إلى تكلفة تجاوزت الـ17 تريليون دولار لتلك النزاعات.
وخلال فعاليات القمة العالمية للحكومات 2024 المقامة في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، قال محمد بن عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء بالإمارات رئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات، إن تكلفة النزاعات والصراعات في العالم في عام واحد وصلت إلى 17 تريليون دولار.
وأضاف القرقاوي، في كلمته خلال افتتاح فعاليات القمة، أن "الناتج المحلي العالمي تضاعف 3 مرات منذ نهاية الحرب الباردة".
وتابع: "نعيش في عالم يتراجع فيه الفقر بشكل مستمر.. نعيش في حقبة بشرية هي الأفضل والأكثر أماناً".
وأشار إلى أن "50% من النمو العالمي تأتي من الصين والهند فقط".
وعن الذكاء الاصطناعي، أوضح أن قدرته على التعلم تضاعفت 1000 مرة خلال عام واحد، مؤكدا أن "الذكاء الاصطناعي سيتولى 70% من المهام في مختلف القطاعات".
ولفت إلى أن "نصف مليون محتوى مفبرك انتشرت في الفضاء الرقمي خلال العام الأخير".
وأشار إلى أنه "خلال عام 2022 تم فرض نحو 3000 إجراء لتقييد التجارة حول العالم".
العالم يخسر الكثير
ربما لا يمكن تعويض الخسائر البشرية المترتبة على اندلاع الحروب والنزاعات في العالم بالنسبة للجيل الذي يشهد تلك الحروب، لكن الخسائر الاقتصادية والمالية التي تسفر عنها تلك المواجهات تطول أجيالا لاحقة في المجتمعات.. إنها بالفعل تطال المستقبل.
هذا ما بات يحذر منه كبار الخبراء والاقتصاديين الذين باتوا يحسبون كل مواجهة ليس بتكلفتها المالية الوشيكة والمباشرة، لكن أيضا بما قد تسفر عنه من أضرار مالية واقتصادية لأجيال لاحقة. وفي الوقت الحالي فإن أبرز وأخطر معارك توجد في ثلاث ساحات.
وتتركز أنظار العالم الآن على الأزمة المتصاعدة في المنطقة، ليس فقط بسبب العدد الهائل من الضحايا وعمليات الاختطاف، ولكن أيضاً بسبب القلق من أن هذه الحرب ستلحق خسائر اقتصادية فادحة بالعالم بأسره، حيث يعد الشرق الأوسط أحد أهم منتجي النفط والغاز على مستوى العالم، كما أن خطوط التجارة العالمية تمر في أغلبها عبر هذه المنطقة.
حرب غزة
وفقا لتحليل من بلومبرغ، فإذا توسع الصراع الجاري في غزة إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، فقد يرتفع سعر النفط من نحو 90 دولارا إلى 150 دولارا للبرميل، مما قد يؤدي إلى انخفاض النمو العالمي بنسبة 1.7٪، وهو ما يعادل تريليون دولار.
ويشير تحليل أجراه جيل بوفمان كبير الاقتصاديين في بنك لئومي إلى أن الارتفاع الأخير في أسعار النفط من 86 دولاراً إلى 93 دولاراً للبرميل يشير إلى أن تأثير "الحرب ينعكس بالفعل في أسعار الطاقة العالمية، وامتداد القتال إلى ساحات إضافية وتورط أطراف أخرى في الشرق الأوسط يشكل خطرا حقيقيا على أسعار الطاقة".
ويضيف أنه إذا تصاعد الأمر إلى صراع أوسع يشمل الولايات المتحدة وإيران "فإن ذلك قد يؤدي إلى تقليل قدرة إيران على تصدير النفط، سواء من خلال الوسائل القانونية أو عن طريق التحايل على العقوبات، وإن مثل هذا التطور "من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في المعروض العالمي من النفط الخام".
ويضيف بوفمان أن مجال القلق الآخر هو المرور الحر للناقلات في مضيق هرمز، يمكن أن يؤدي أيضا إلى الإضرار بإجمالي العرض العالمي، ومن المتوقع أن يصل سعر خام برنت إلى نحو 90 دولارا، 95 بحلول نهاية العام".
ووفقاً لبوفمان، قد تؤثر الحرب أيضاً بشكل كبير على أسعار الغاز الطبيعي، حيث في الولايات المتحدة جاوز سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي عتبة 3.4 دولار، وفي أوروبا كانت هناك زيادة أكثر حدة عندما ارتفعت عقد مستقبلي للغاز الطبيعي، من أقل من 30 إلى 54 يورو لكل ميغاواط/ساعة منذ يوليو/تموز الماضي.
ثلاثة سيناريوهات
وقامت بلومبرغ بتحليل ثلاثة سيناريوهات محتملة يمكن أن يكون لها تأثيرات متفاوتة على أسعار الطاقة والتضخم العالمي والنمو العالمي ونشاط المستثمرين.
السيناريو الأول، والأكثر تفاؤلاً على الإطلاق، هو حرب محدودة ومحلية، تتركز في قطاع غزة، وقد يشمل ذلك غزوا بريا للجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، إلى جانب الأعمال العدائية العرضية والأعمال العسكرية على الحدود اللبنانية. في هذا السيناريو تتوقع بلومبرغ أن إيران، التي زادت إنتاجها النفطي بمقدار 700 ألف برميل يوميا هذا العام مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية، ستخفض الإنتاج لزيادة الضغط العالمي على إسرائيل، ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يؤدي إلى ارتفاع سعر برميل النفط بمقدار 4 دولارات.
وأما السيناريو الثاني فهو حرب غير مباشرة بين إسرائيل وإيران، تنطوي على حرب واسعة النطاق على جبهات متعددة داخل حدود إسرائيل-غزة، والضفة الغربية، وسوريا، ولبنان، إلى جانب عدم الاستقرار العام في الشرق الأوسط، وهو ما من شأنه أن يؤثر أيضاً على مناطق أخرى من العالم، الدول العربية مثل مصر وتونس. وفي هذا السيناريو سيقفز برميل النفط بمقدار 8 دولارات.
وأما السيناريو الأكثر خطورة وتشاؤماً فهو نشوب حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، وبينما تؤكد بلومبرغ على ضعف احتمال حدوث مثل هذا السيناريو، إلا أنها تسلط الضوء عليه أيضا باعتباره الأخطر. وقد ينطوي مثل هذا السيناريو أيضاً على حرب إقليمية شاملة، بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة، وجميع الدول العربية في المنطقة التي تعتمد اقتصادياً على إيران، مثل سوريا ولبنان.
ويهدد مثل هذا السيناريو بزعزعة استقرار أسعار الطاقة العالمية وأكثر من ذلك، لأن دول الخليج مسؤولة عن نحو 20% من إنتاج النفط العالمي، وهناك مخاوف من أن تغلق إيران، في هذا السيناريو، مضيق هرمز، الذي ينقل عبره ما يقرب من خمس النفط العالمي اليومي، وإذا حدث ذلك من المرجح أن ترتفع أسعار الطاقة إلى أربعة أضعاف.
حرب روسيا على أوكرانيا
وقال البنك الوطني السويسري في دراسة سابقة إن الحرب في أوكرانيا قلصت النمو الاقتصادي الأوروبي ورفعت التضخم، وإنه لا يزال هناك آثار أسوأ في المستقبل.
وقال التقرير إنه منذ حرب أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 شهدت أوروبا ارتفاعا في أسعار الطاقة واضطرابات في الأسواق المالية وانكماشا حادا في اقتصاديات كل من روسيا وأوكرانيا.
وبعد دراسة التأثير الاقتصادي للحرب على ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا، قالت الدراسة إن الناتج المحلي الإجمالي كان سيرتفع بنسبة تتراوح بين 0.1% و0.7% في الربع الرابع من عام 2022 لو لم تندلع الحرب.
قالت الدراسة: "من المرجح أن تكون العواقب السلبية للحرب أكبر بكثير على المدى المتوسط إلى الطويل، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الحقيقي".
وتضررت بريطانيا أيضًا بشدة، حيث انخفض الناتج الاقتصادي بنسبة 0.7% وارتفع التضخم بنسبة 0.2%.
وكان من الممكن أن تشهد فرنسا ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1% لولا الصراع، في حين كان التضخم الإيطالي سينخفض بنسبة 0.2% والناتج المحلي الإجمالي أعلى بنسبة 0.3%.
التوترات الصينية-الأمريكية
وفي وقت سابق، حذرت هيئة دولية رائدة من أن الاقتصاد العالمي قد يسير نائماً نحو حرب باردة ثانية، حيث تهدد التوترات بين الولايات المتحدة والصين بمحو تريليونات الدولارات من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وقالت جيتا جوبيناث، النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولي، في لقاء بكولومبيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي "مع أضعف توقعات النمو العالمي منذ عقود، ومع الندوب غير المتناسبة الناجمة عن الوباء والحرب التي تؤدي إلى تباطؤ تقارب الدخل بين الدول الغنية والفقيرة، لا يمكننا تحمل حرب باردة أخرى".
وأشارت جوبيناث في خطابها إلى أنه تزامنت نهاية الاتحاد السوفياتي وذوبان توترات الحرب الباردة مع التكامل الاقتصادي غير المسبوق والعولمة المفرطة التي تميزت بالتقدم التكنولوجي الهائل.
وقالت إن التفتت الاقتصادي المكتشف حديثا يمكن أن يقضي على تلك المكاسب، ويخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 7%، أي ما يعادل نحو 7 تريليونات دولار.
وقالت "إذا انزلقنا إلى الحرب الباردة الثانية، ونحن نعلم التكاليف، فقد لا نرى دماراً اقتصادياً متبادلاً مؤكداً. ولكن من الممكن أن نشهد محو المكاسب التي تحققت من التجارة المفتوحة.
وفي نهاية المطاف، لا ينبغي لصناع السياسات أن يغفلوا عن تلك المكاسب. ومن مصلحتهم -ومصلحة الجميع- الدعوة بقوة إلى نظام تجاري متعدد الأطراف قائم على القواعد والمؤسسات التي تدعمه.
aXA6IDMuMTQ1LjM3LjIxOSA= جزيرة ام اند امز