أمريكا والصين.. هل ينتصر الحوار على دبلوماسية الذئاب والشرطي العالمي؟
هل تنتصر دبلوماسية الذئاب أم صانع القواعد؟ أم أن الوقت قد حان لطي صفحة الخلافات وإعلاء الحوار؟ أسئلة طرحت نفسها مع احتدام حدة المنافسة بين أمريكا والصين.
منافسة ترى بكين نفسها فيها المملكة الوسطى، أي مركز الحضارة التي يدور حولها العالم، فيما تعتبر واشنطن نفسها المخلص لعالم ضال، في نظرتين تبدوان متباعدتين كثيرًا عن بعضهما.
فهل يمكن أن تتخلص واشنطن وبكين من خلافاتهما؟
سؤال طرحته مجلة "ناشيونال إنترست"، قائلة إن الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وزيارات قادة فرنسا وإسبانيا وسنغافورة وماليزيا إلى الصين، بالإضافة إلى نجاحها في التقارب بين إيران والسعودية، تؤكد أن بكين أصبحت لاعبا أساسيا على الساحة العالمية، وأن وجودها دائم ومتزايد.
ويرى توم فريدمان، في مقال بصحيفة نيويورك تايمز في 14 أبريل/نيسان، أن عودة الحوار بين البلدين يشكل عاملا حاسما في الانسحاب من حافة الصراع، مشيرا إلى أنه بدون مثل هذا الحوار فلن يكون هناك أمل في استعادة قدر من الثقة المتبادلة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى ضرورة أن تحد كلا الدولتين من ارتباطهما بالحواجز الثقافية التي تعرقل التوصل إلى تسوية، مؤكدة أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يعتقد أن بكين أعادت إحياء مكانتها باعتبارها المملكة الوسطى، مركز الحضارة التي يدور حولها العالم.
الأمر نفسه بالنسبة للاعتقاد الأمريكي الراسخ ثقافيا بأن الولايات المتحدة كان مُقدرا لها تاريخيا أن تكون المخلص لعالم ضال، وأن هدف السياسة الخارجية ليس تحويل العالم إلى صورة ذاتية لأمريكا، بل للدفاع عن مصالح البلاد وتعزيزها في عالم تنافسي وغالبا ما يكون متناقضا.
المواقف الإقليمية والدولية
وشددت الصحيفة الأمريكية على ضرورة أن تدرك الولايات المتحدة أن صعود الصين هو جزء من إعادة توزيع أوسع للقوة العالمية التي حفزتها نهاية الحرب الباردة، فبعد التحرر من قيود الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، بدأت الدول الناشئة في تأكيد مصالحها الوطنية، وهو ما أكدته الهند والبرازيل وتركيا وإندونيسيا ودول أخرى برغبتها في استبدال النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب بسياسات تتوافق مع أهدافهم.
وتفضل هذه الدول عالما قائما على القواعد طالما أنه لا يضر بمصالحهم، وفقا لتصريحات سابقة لوزير الخارجية الهندي إس جايشانكار، أكد فيها أن دول جنوب شرق آسيا ترفض الانحياز إلى جانب الصراع الأمريكي الصيني.
يأتي ذلك فيما دفعت المصالح المتضاربة 15 دولة أفريقية إلى الامتناع عن التصويت الذي أجرته الأمم المتحدة في فبراير/شباط 2023، والذي دعا روسيا إلى سحب قواتها من أوكرانيا.
روشتة حل الخلافات
ولتحقيق هذا الهدف، وإزالة الحواجز أمام التواصل، وإعادة بناء الثقة بين واشنطن وبكين يجب التركيز بشكل أكبر على الدبلوماسية، وأن يتخلى شي عن "دبلوماسية محارب الذئب" المدفوعة بالعداء تجاه الغرب، وأن يستأنف النهج التعاوني والعملي مع واشنطن الذي اتبعه هو جينتاو وأسلافه، بحسب الصحيفة الأمريكية.
في المقابل، يجب على الولايات المتحدة أن تتخلص من ارتباطها الدائم بالعالم أحادي القطب وتقسيم العالم إلى ديمقراطيات وأنظمة استبدادية، تقول "نيويورك تايمز"، مشيرة إلى أنه يجب أن يكون هناك حكم للقانون، ففي العالم متعدد الأقطاب الذي بدأ في الظهور لن تكون الولايات المتحدة هي صانع القواعد الوحيد.
وتتطلب حماية المصالح الأمريكية الاحتفاظ بقوة عسكرية مدربة ومجهزة جيدا وأن تكون في حالة استعداد عالية، بحسب "نيويورك تايمز"، التي قالت إنه من الحكمة فرض عقوبات على رقائق أشباه الموصلات ذات الاستخدام المزدوج التي ستستخدمها الصين لتحديث قدراتها العسكرية، كما يجب على أمريكا أن تقدم نفسها كنموذج للآخرين لمحاكاته بدلا من كونها شرطيا عالميا.
واختتمت المجلة تقريرها بالتأكيد على أن التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين تهدد بإعادة تقسيم العالم، مما سيؤثر على معالجة العديد من المشكلات، بينها تغير المناخ والفقر والوقاية من الأمراض والصراعات العسكرية التي تلوح في الأفق.
وللحفاظ على نظام عالمي مستقر، ينبغي على الولايات المتحدة والصين إيجاد حل وسط مع القوى الإقليمية الأخرى التي لا تقل عزمها على أن يكون لها رأي في كيفية حكم العالم.
ولتجنب صراع كارثي من شأنه أن يؤدي إلى بلقنة العالم، وإدخاله في عصر مظلم جديد من الحرب الدائمة، يجب على واشنطن وبكين إيجاد طريقة مؤقتة تسمح لهما بالتوفيق السلمي بين مصالحهما المتنافسة في عالم متغير.
aXA6IDMuMTMzLjExOS4yNDcg جزيرة ام اند امز