واشنطن تعطل نفوذ إيران بالعراق.. هدنة فصائل الكاتيوشا
الهدوء جاء في أعقاب تهديدات من أمريكا بغلق سفارتها في بغداد، وإعلان انسحاب قواتها بشكل فوري احتجاجا على تصاعد حدة الهجمات.
مرت 5 أيام دون أن تسجل السلطات الأمنية في العراق أي هجوم على مبنى السفارة الأمريكية في المنطقة الرئاسية المحصنة وسط بغداد، أو على أرتال التحالف الدولي التي كانت عرضة طوال الشهور الماضية لنيران "فصائل الكاتيوشا".
الهدوء جاء في أعقاب تهديدات من أمريكا بغلق سفارتها في بغداد، وإعلان انسحاب قواتها بشكل فوري احتجاجا على تصاعد حدة الهجمات التي تستهدف سفارتها وقوات التحالف الدولي.
- الحكومة العراقية تكذّب "مليشيات الكاتيوشا".. خيبة إيرانية جديدة
- سقوط 3 قذائف هاون داخل المنطقة الخضراء ببغداد
هذا الإجراء الأمريكي حذرت من خطورته الأوساط السياسية الداخلية والخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعقب التلويح، غير الرسمي، من واشنطن إلى بغداد، سارعت الأخيرة إلى توضيح موقفها مما يجري والتحرك بإجراءات عاجلة لمعالجة أسباب التوتر الأمريكي.
ومن بين تلك الإجراءات إصدار أوامر باعتقال مسؤولين أمنيين في حالة ثبوت أي قصور أو تماهٍ مع الفصائل المسلحة، والعمل على إحكام تحصين المنطقة الخضراء، وتشكيل لجنة أمنية عليا لمطاردة مطلقي صواريخ "الكاتيوشا".
جدية واشنطن بتعطيل مصالحها وإدارة الظهر للعراق، ربما هي ما دفعت باحتمالية أن تجلس سلطة بغداد مع فصائل موالية للنظام الإيراني للتفاوض بشأن مستقبل بلاد باتت أمام أزمات عدة بينها أمن منهك وعملية سياسية متعثرة ووضع اقتصادي قارب على الإفلاس.
ومنذ إعلان فصيل مسلح يصف نفسه بـ"الهيئة التنسيقية للمقاومة"، أكثر المليشيات تشدداً في مهاجمة المصالح الأجنبية في العراق، السبت الماضي، هدنة مشروطة ضد الأهداف الأمريكية والتحالف الدولي، مقابل خطة واضحة لرحيل القوات الأمريكية، جاءت تفاصيل جديدة بوقائع وتصريحات تؤكد حقيقة ذلك الاتفاق رغم النفي الرسمي من السلطات العراقية.
وأشارت مليشيا كتائب حزب الله الموالية لإيران إلى أن "الفصائل أعطت هدنة مشروطة وهذه الهدنة موجهة للحكومة العراقية بالذات لأن هي المعنية بتنفيذ قرار مجلس النواب".
ويقدر عدد القوات الأمريكية في العراق بنحو 5000 جندي موزعين ضمن قواعد عسكرية، وأكدت واشنطن جدولة انسحاب قواتها من العراق خلال 3 سنوات، لكنها أردفت فيما بعد أنها "لن ننسحب طالما هنالك داعش وإيران".
وفيما يسري وقف إطلاق الصواريخ على مبنى السفارة الأمريكية في بغداد وقواعد ومصالح التحالف الدولي، تؤكد الحكومة العراقية أنها لم تكن طرفا في أي هدنة مع مليشيات خارقة للقانون وموالية لإيران.
غير أن انعكاسات ذلك الأمر على أرض الواقع، يؤكد أن ما جرى من اتفاق مع المليشيات المسلحة لم يكن بعيداً عن عيون سلطة بغداد.
واعتبر المحلل السياسي حمزة مصطفى أن "تحركات الحكومة العراقية في الأيام القليلة الماضية تؤكد اضطلاعها بتدبير هذا الأمر".
وأوضح مصطفى في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "قرار الحكومة بتشكيل لجنة عالية المستوى تأخذ على عاتقها إعادة انتشار القوات الأمريكية خارج العراق يعزز من حقيقة ما أعلنت عنه الفصائل المسلحة السبت الماضي".
واستدرك بالقول أنه "بغض النظر عن مشروعية جلوس الحكومة أمام فصائل خارقة للسيادة من عدمها، ولكن نتائج ذلك الأمر ستنعكس إيجابا على الداخل العراقي بما يعزز من فرض سلطته من جهة وبما يعود بالطمأنة على البعثات الدبلوماسية للتراجع عن قرار هجرتها من البلاد".
وأعلنت وزارة الخارجية العراقية، الخميس، عن تشكيل لجنة فنّية تضطلع بمهمّة التنسيق مع الجانب الأمريكيّ لجدولة إعادة انتشار القوات الأمريكيّة خارج البلاد.
وتأتي تلك التحركات كواحدة من المخرجات التي أتت بها زيارة رئيس الكاظمي إلى البيت الأبيض في أغسطس/آب الماضي، والتي ناقش خلالها عددا من المتعلقات بين العراق وأمريكا ضمن ما يسمى اتفاقية الإطار الاستراتيجي.
وكان فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي، أعلن في الـ23 من أغسطس/آب، عن تحرك لإعادة انتشار القوات الأمريكية في العراق، وهو ما أثار حفيظة وقلق قوى سياسية موالية لطهران، متوعدة الكاظمي بـ"الويل والثبور".
ويشير الباحث والأكاديمي، علي الكاتب، إلى أن "إسقاطات ما جرى بعد السبت الماضي، تفند ادعاء بعض القوى السياسية والفصائل الصاروخية بأن الهجمات على المصالح الأمريكية مفتعلة وأن واشنطن من تقف وراءها".
ولفت الكاتب في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "الهدوء الذي خيم على المصالح الأمريكية والبعثات الدبلوماسية عقب إعلان الفصائل المسلحة إيقاف هجماتها يؤكد أن هنالك إرادة إقليمية تقف وراء تلك الفصائل لسحب البساط الشرعي والمؤسساتي من الدولة العراقية ومحاولة الإبقاء عليها في دائرة الحرج السياسي الدولي والإقليمي".
وأوضح أن "ما جرى يكشف أنه لا وجود لصواريخ رومانسية لتقبيل السفارة الأمريكية ومصالحها في العراق، كما وصفتها المليشيات المسلحة التي حاولت إبعاد الاتهام عنها وتجنيبها غضب الشارع العراقي تجاه تعريض مصالح البلاد إلى الخطر".
نبيل عرام، المحلل السياسي العراقي، يرى المشهد من زاوية أخرى، إذ يقول لـ"العين الإخبارية"، إن "التوصل لاتفاق يمنع نيران الفصائل باتجاه مصالح واشنطن بالعراق يرتبط بطبيعة الأجواء السياسية في الولايات المتحدة".
وأضاف أن "الولايات المتحدة تتهيأ للانتخابات الرئاسية بعد نحو شهر وهو ما يفرض عليها أن تكون مرنة أكثر في خلق حالة من الحوار مع تلك البنادق حفاظا على تماسك الرأي العام الأمريكي".
يأتي هذا فيما أشار وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، رد على أسئلة حول مساعي واشنطن إغلاق سفارتها في بغداد، قبل يومين، إلى أن "حملة الضغط على إيران كانت ناجحة".