سلاح ترامب في هذا السيناريو هو إبقاء الأصبع على الزناد من جهة، وتشديد العقوبات الاقتصادية والإجراءات السياسية والدبلوماسية من جهة أخرى
مع قتل أمريكا الجنرال الإيراني قاسم سليماني، دخلت العلاقات الأمريكية – الإيرانية مرحلة جديدة، مرحلة تبدو فيها السياسة الإيرانية أمام تحديات مصيرية في الداخل والخارج، ومع هذه التحديات المرشحة لمزيد من التصعيد والتفاقم، تبدو طهران أمام خيارين، لا ثالث لهما.
سلاح ترامب في هذا السيناريو، هو إبقاء الأصبع على الزناد من جهة، وتشديد العقوبات الاقتصادية والإجراءات السياسية والدبلوماسية من جهة ثانية.
الأول: السير في النهج التصعيدي مع الإدارة الأميركية على خلفية ملفها النووي، ونفوذها في عدد دول المنطقة لا سيما في العراق الذي تحول إلى ساحة مواجهة مباشرة بين الجانبين، خصوصا بعد أن رفع النظام الإيراني شعار إخراج القوات الأمريكية من العراق، فيما باتت واشنطن تبدي حزما أكبر ضد إيران وسياستها الإقليمية أكثر من أي وقت مضى، وترفض أي انسحاب تحت الضغط على الرغم من رغبة ترامب سحب قواته من المنطقة تحقيقا لوعود انتخابية سابقة.
الثاني: أن تنجح إيران في تحقيق ما يشبه تسوية أو صفقة مع الإدارة الأميركية بشأن القضايا الخلافية الكثيرة، وفي المقدمة منها الإتفاق النووي، لكن المشكلة هنا، كيف؟ وفي أي ظروف يمكن إنتاج مثل هذه التفاهمات أو الصفقات؟ وبأي شروط؟ وهل النظام الإيراني قادر على تلبية الشروط الأمريكية في عقد أي صفقة؟
من دون شك، الإجابة عن هذه الأسئلة غير متوفرة في يومنا هذا، خصوصا أن كل طرف يعتقد أن لديه الأوراق الكافية للتوصل إلى تفاهمات بشروطه، أو الاستمرار في الصراع إلى مرحلة أخرى، تطلعا لظروف مغايرة لصالحه، حيث دخلت أمريكا العام الانتخابي.
في الواقع، انطلاقا من هذين الخيارين، فإن جولات التصعيد السياسي والعسكري مرشحة للتصعيد في المرحلة المقبلة، فالعصا الأمريكية الغليظة باتت مرفوعة بقوة في وجه إيران وأذرعها في دول المنطقة، كما أن العقوبات الأمريكية ضدها باتت أسبوعية تقريبا، وهي عقوبات أضحت تحاصرها حتى في الداخل، في وقت بات هذا الداخل ينفجر في كل الاتجاهات، ويرفع الشعارات المطالبة بإسقاط النظام على شكل انتفاضات واحتجاجات تكبر يوما بعد آخر.
ثمة من يرى، أن تاريخ العلاقات الأمريكية – الإيرانية، يخبرنا بأن هناك قواعد مضبوطة لإدارة هذه العلاقة، ولعل من يقرأ التاريخ القريب لهذه العلاقة وللسياسة الإيرانية، وتحديدا منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان ومن ثم العراق، لا بد أن يرجح فرضية الخيار الثاني، أي إمكانية عقد صفقة بين الجانبين، وذلك انطلاقا من البراغماتية الكبيرة التي تبديها السياسة الإيرانية في اللحظات الحرجة، خصوصا أن الإدارة الأمريكية أعلنت مرارا أنها ليست بصدد إسقاط النظام الإيراني وإنما تغيير سياساته.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه القاعدة ما زالت صالحة مع اقتراب ترامب من نهاية ولايته الأولى وتطلعه إلى ولاية ثانية؟ ثمة من يجزم بأن ترامب ليس بصدد شن الحرب ضد إيران إلا أنه في الوقت نفسه لن يقبل سياسات النظام الإيراني بعد اليوم، وعليه، سيصعد من استراتيجيته الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي ضده، وصولا إلى سيناريو سوفيتي يؤدي إلى انهياره من الداخل، كما حصل للاتحاد السوفيتي الذي انهار دون حرب أو حتى زلزال، وأن سلاح ترامب في هذا السيناريو، هو إبقاء الأصبع على الزناد من جهة، وتشديد العقوبات الاقتصادية والإجراءات السياسية والدبلوماسية من جهة ثانية، والضغط على الحلفاء لا سيما الأوروبيين للقيام بدور مؤثر في هذا المجال من جهة ثالثة، على أن يهيئ كل ما سبق السيناريو الذي يفكر به ترامب، فالأخير يدرك جيدا أهمية العامل الاقتصادي، تحديدا دور النفط الذي يشكل نحو 80 بالمئة من موارد إيران المالية، بما يؤدي كل ذلك إلى عدم قدرة إيران على تمويل أذرعها في الخارج من جهة، وزيادة الأعباء في الداخل من جهة ثانية، على شكل انهيار لقيمة العملة الإيرانية وهروب رأسمال إلى الخارج، وانشقاقات في بنية النظام، وتآكل قدرته على الضبط والإدارة، وتفجر مشكلات الداخل في كل الاتجاهات، على شكل انتفاضات واحتجاجات معيشية واجتماعية وسياسية وعرقية وطائفية.. تؤدي إلى استنزاف النظام وصولا إلى انهياره دون حرب أو مواجهة مباشرة.
في معرض الجدل بشأن هذا السيناريو، ثمة من يرى أن الرؤية الإمريكية السابقة قد لا تكون دقيقة، ويرى هؤلاء أن النظام الإيراني الذي له تركيبة خاصة قد يكون المستفيد الأكبر من مثل هذه السياسة، إذ إن مثل هذا الأسلوب قد يكون مدخلا لتوجيه أنظار الداخل إلى الخارج، وشرعنة أي ممارسة قمعية ضد المتظاهرين في الداخل على اعتبار أنه يتعرض لمخطط إسقاطه، ولكن حتى هذا المسار هو جزء من السيناريو الأمريكي لإيصال الداخل الإيراني إلى لحظة الانفجار الكبرى التي يتشظى فيها النظام، لينهار تحت وقع أزماته الداخلية المركبة، كما جرى مع الاتحاد السوفيتي السابق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة